الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **
- [ص 54.] في "سننه" عن عبد الرحمن [واه جدًا] بن عبد اللّه بن عمر بن حفص العمري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قال: "ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضئون"، قالت عائشة: بأبي وأمي، هذا للرجال، أفرأيت النساء؟ قال إذا مست إحداكن فرجها فلتتوضأ للصلاة". انتهى. وهو معلول بعبد الرحمن هذا، قال أحمد: كان كذابًا. وقال النسائي. وأبو حاتم. وأبو زرعة: متروك. زاد أبو حاتم: وكان يكذب، وله طريق آخر عند الطحاوي [ص 45]، وأخرجه عن عمر بن شريح [ضعيف "الدراية] عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة [حديث عائشة ضعفه أبو حاتم "العلل" ص 36، وراجع ص 157] مرفوعًا "من مس فرجه فليتوضأ". ثم قال: وعمر بن شريح لا يحتج به، انتهى. وقد روى أبو يعلى الموصلي في "مسنده" حديثًا يعارض هذا، فقال: حدثنا الجراح بن مخلد ثنا عمر بن يونس اليمامي ثنا المفضل بن ثواب حدثني حسين بن أوزع عن أبيه عن سيف [مجهول. "لسان] بن عبد اللّه الحميري، قال: دخلت أنا ورجال معي على عائشة، فسألناها عن الرجل يمس فرجه، والمرأة تمس فرجها، فقالت: سمعت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يقول: "ما أبالي إياه: مسست، أو أنفي" انتهى. (يتبع...) (تابع... 1): - وللخصوم القائلين بالنقض أحاديث: أمثلها بسرة أخرجه أصحاب السنن... ... - أحاديث أصحابنا ومن قال بعدم النقض، حديث طلق بن علي، وهو أمثلها، وله أربع طرق: أحدها: عند أصحاب السنن [قال الحافظ في "الدراية" ص 19: في إسناده من لا يعرف، وقال "في التلخيص": إسناده مجهول] إلا ابن ماجه عن ملازم بن عمرو عن عبد اللّه بن بدر عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أنه سئل عن الرجل يمس ذكره في الصلاة، فقال: هل هو إلا بضعة منك؟" انتهى. ورواه ابن حبان في "صحيحه" قال الترمذي: هذا الحديث أحسن شيء يروى في هذا الباب. وفي الباب عن أبي أمامة، وقد روى هذا الحديث أيوب بن عتبة، ومحمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه، وأيوب. ومحمد تكلم فيهما بعض أهل الحديث، وحديث ملازم بن عمرو أصح وأحسن، انتهى. الطريق الثاني: أخرجه ابن ماجه [ص 33، والطحاوي: ص 46، وأبو داود: ص 27] عن محمد بن جابر عن قيس بن طلق به، ومحمد بن جابر: ضعيف، قال الفلاس: متروك، وقال ابن معين: ليس بشيء. الطريق الثالث: عن عبد الحميد بن جعفر عن أيوب بن محمد العجلي عن قيس بن طلق به. وهي عند ابن عدي، وعبد الحميد: ضعفه الثوري، والعجلي: ضعفه ابن معين. الطريق الرابع: عن أيُّوب بن عتبة اليمامي عن قيس بن طلق عن أبيه، وهي عند أحمد [ص 22 - ج 1 والطحاوي] وأيوب بن عتبة قل ابن معين: ليس بشيء. وقال النسائي: مضطرب الحديث، وبالطريق الأول: رواه الطحاوي [ص 46] في "شرح الآثار"، وقال: هذا حديث مستقيم الإسناد غير مضطرب في إسناده ولا متنه، ثم أسند عن علي بن مديني أنه قال: حديث ملازم بن عمرو أحسن من حديث بسرة [قلت: صححه الحاكم في "المستدرك" ص 416 - ج 4، ووافقه الذهبي، حديث ملازم عن عبد اللّه بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه في "رقية العقرب" وصحح الحديث عمر. وعلي الفلاس، وقال: هو أثبت عندنا من حديث بسرة، وصحح الحديث أيضًا ابن حبان. والطبراني، قاله الحافظ في "التلخيص" ص 46، وابن حزم في "المحلى" ص 239 - ج 1.]، انتهى. قال ابن حبان في "صحيحه": وهذا حديث أوهم عالمًا من الناس أنه معارض لحديث بسرة، وليس كذلك لأنه منسوخ، فإن طلق بن علي كان قدومه على النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أول سنة من سني الهجرة [قلت: قدم طلق في وفد حنيفة، راجع له "ابن سعد": ص 55 - ج 1.] حيث كان المسلمون يبنون مسجد رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بالمدينة، ثم أخرج عن قيس بن طلق عن أبيه. قال: بنيت مع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ مسجد المدينة وكان يقول: "قدموا اليمامي من الطين فإنه من أحسنكم له مسًا"، انتهى. قال: وقد روى أبو هريرة إيجاب الوضوء من مس الذكر، ثم ساقه كما تقدم. قال: وأبو هريرة إسلامه سنة سبع من الهجرة، فكان خبر أبي هريرة بعد خبر طلق لسبع سنين، وطلق بن علي رجع إلى بلده، ثم أخرج عن قيس بن طلق عن أبيه [أخرجه النسائي: ص 114 من طريق ملازم عن عبد اللّه بن بدر عن قيس، وأحمد: ص 23 - ج 4 من طريق محمد بن جابر عن عبد اللّه بن بدر عن طلق] قال: خرجنا وفدًا إلى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، ستة نفر: خمسة من بني حنيفة، ورجلًا من بني ضيعة بن ربيعة، حتى قدمنا على رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فبايعناه وصلينا معه، وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا، واستوهبناه من فضل طهوره، فقال: "اذهبوا بهذا الماء، فإذا قدمتم بلدكم فأكسروا بيعتكم، ثم انضحوا مكانها من هذا الماء واتخذوا مكانها مسجدًا، فقلنا: يا رسول اللّه البلد بعيد والماء ينشف، قال: فأمدُّوه من الماء فإنه لا يزيده إلا طيبًا" فخرجنا، فتشاحنا [تشاحَّ الرجلان في الأمر، يريد كل منهم أن لا يفوته)] على حمل الإداوة أيُّنا يحملها، فجعلها رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ على كل رجل منا يومًا، فخرجنا بها حتى قدمنا بلدنا فعملنا الذي أمرنا. وراهب أولئك القوم رجل من طيء، فنادينا بالصلاة، فقال الراهب: دعوه، ثم هرب فلم ير بعدُ، انتهى. قال: فهذا بيان واضح أن طلق بن علي رجع إلى بلده بعد قدمته تلك، ثم لا يعلم له رجوع إلى المدينة بعد ذلك، فمن ادعى ذلك فليثبته بسنة مصرحة، ولا سبيل له إلى ذلك، انتهى. وذكر عبد الحق في "أحكامه" حديث طلق هذا، وسكت عنه، فهو صحيح عنده على عادته في مثل ذلك، وتعقبه ابن القطان في "كتابه" فقال: إنما يرويه قيس بن طلق عن أبيه. وقد حكى الدارقطني في "سننه" [ص 54] عن ابن أبي حاتم [ص 48] أنه سأل أباه. وأبا زرعة عن هذا الحديث، فقالا: قيس بن طلق ليس ممن يقوم به حجة، ووهَّناه [وفي نسخة "ووهماه] ولم يثبتاه. قال: والحديث مختلف فيه، فيبغي أن يقال فيه: حسن، ولا يحكم بصحته، واللّه أعلم، انتهى. وأخرج البيهقي في "سننه" حديث طلق من رواية ملازم بن عمرو، ثم قال: وملازم بن عمرو فيه نظر، قال: ورواه محمد بن جابر اليمامي. وأيوب بن عتبة عن قيس بن طلق، قال: وكلاهما ضعيف. قال: ورواه عكرمة بن عمار عن قيس أن طلقًا سأل النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فأرسله، وعكرمة بن عمار أمثل من رواه، وهو مختلف فيه في تعديله، فغمزه يحيى القطان. وأحمد بن حنبل، وضعفه البخاري جدًا. وقيس، قال الشافعي: سألنا عنه فلم نجد من يعرفه بما يكون لنا قبول خبره. وقد عارضه من عرفنا ثقته وثبته في الحديث، ثم أسند عن يحيى بن معين. وأبي حاتم. وأبي زرعة قالوا: لا نحتج بحديثه، ثم قال: وإن صح، فنقول: إن ذلك كان في ابتداء الهجرة، وسماع أبي هريرة. وغيره كان بعد ذلك، فإن طلقًا قدم على النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ وهو يبني مسجده، ثم أخرج عن حماد بن زيد عن محمد بن جابر حدثني قيس بن طلق عن أبيه، قال: قدمت على النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ وهو يبني المسجد، فقال لي: "اخلط الطين، فإنك أعلم بخلطه، فسألته أرأيت الرجل يتوضأ، ثم مس ذكره؟ فقال: إنما هو منك". انتهى. قال: ومن أصحابنا من حمله على أنه مسه بظهر كفه، ثم أسند إلى طلق قال: بينا أنا أصلي إذ ذهبت أحك فخذي، فأصابت يدي ذكري، فسألته عليه السلام، فقال: "إنما هو منك"، قال: والظاهر من حال من يحك فخذه إنما يصيبه بظهر كفه، انتهى. وأما ما رواه الطبراني في "معجمه الكبير" حدثنا الحسن بن علي الفسوي ثنا حماد بن محمد الحنفي ثنا أيوب بن عتبة عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال: "من مس ذكره فليتوضأ"، انتهى. فسنده ضعيف، فإن حماد بن محمد. وشيخه أيوب ضعيفان، قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أيوب بن عتبة إلا حماد بن محمد، وقد روى الحديث الآخر حماد بن محمد، وهما عندي صحيحان، ويشتبه أن يكون سمع الحديث الأول من النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قبل هذا، ثم سمع هذا بعدُ، فوافق حديث بسرة، وأم حبيبة. وأبي هريرة. وزيد ن خالد. وغيرهم ممن روى عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ الأمر بالوضوء من مسِّ الذكر، فسمع الناسخ والمنسوخ" انتهى كلامه في "معجمه الكبير" بحروفه. وقال الحازمي في "كتابه الناسخ والمنسوخ" [ص 27] وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب، فذهب بعضهم إلى ترك الوضوء من مس الذكر آخذًا بهذا الحديث، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب. وعمار بن ياسر. وعبد اللّه بن مسعود. وعبد اللّه بن عباس. وحذيفة بن اليمان. وعمران بن الحصين. وأبي الدرداء [قال أبو عمر: والأسانيد بذلك صحاح عن نقل الثقات، لم يختلف هؤلاء في ذلك، وروى البيهقي عن معاذ أيضًا، وروى عن ابن المسيب قتادة، والحارث بن عبد الرحمن أنه لا وضوء منه، قال أبو عمر: هذا أصح عندي، وقال أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف": حدثنا وكيع عن إسماعيل عن قيس، قال: سأل رجل سعدًا "يعني ابن وقاص" عن مس الذكر، فقال: إن علمت بضعة منك نجسة فاقطعها، وهذا سند صحيح، وقال الطحاوي،: لا نعلم أحدًا أفتى بالوضوء من مس الذكر غير ابن عمر، وقد خالفه في ذلك أكثر أصحاب رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ. "الجوهر" مختصرًا: ص 131.] وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين عنه. وسعيد بن المسيب في إحدى الروايتين، وسعيد بن جبير. وإبراهيم النخعي. وربيعة بن أبي عبد الرحمن. وسفيان الثوري. وأبي حنيفة. وأصحابه. ويحيى بن معين. وأهل الكوفة، وخالفهم في ذلك آخرون، فذهبوا إلى إيجاب الوضوء منه آخذًا بحديث بسرة، روى ذلك [أكثر هؤلاء ليس لهم قول في هذا الباب، بل رواية حديث، ولو ضعيفًا أو مقلوبًا أو منقطعًا] عن عمر بن الخطاب. وابنه عبد اللّه. وأبي أيوب الأنصاري. وزيد بن خالد. وأبي هريرة. وعبد اللّه بن عمرو بن العاص. وجابر. وعائشة. وأم حبيبة. وبسرة بنت صفوان. وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين. وابن عباس في إحدى الروايتين. وعروة بن الزبير. وسليمان بن يسار. وعطاء بن أبي رباح. وأبان بن عثمان. وجابر بن زيد. والزهري. ومصعب بن مسعد. ويجيى بن أبي كثير. وسعيد بن المسيب في أصح الروايتين. وهشام بن عروة. والأوزاعي. وأكثر أهل الشام. والشافعي. وأحمد. وإسحاق، وهو المشهور من قول مالك، ولهم في الجواب عن حديث طلق أمران: أحدهما: تضعيفه. والآخر: الحكم بأنه منسوخ، أما تضعيفه فإن أيوب بن عتبة [ضعيف "تقريب" وقال أحمد: ضعيف، وفي موضع آخر قال: ثقة، إلا أنه لا يقيم حديث يحيى بن أبي كثير، قال ابن معين: ليس بشيء، قال عمرو بن علي: ضعيف، وكان سيء الحفظ، قال البخاري: هو عندهم لين، قال سعيد الردعي. وأبو زرعة، حديث أهل العراق عن ضعيف، ويقال: إن حديث باليمامة أصح، قال ابن أبي حاتم عن أبي زرعة، وقال سليمان بن داود اليمامي وقع أيوب بن عتبة إلى البصرة، وليس معه كتب، فحدث عن حفظه، وكان لا يحفظ، فحديث اليمامة ما حدث به ثمة، فهو مستقيم، وقال: سمعت أبي، ثم ذكر نحوه، وفيه: هو أروى الناس عن يحيى وأصح كتابًا عنه، وقال الدارقطني: يترك، وقال مرة: يعتبر به، وقال ابن عدي: هو مع ضعفه يكتب حديثه، وقال يحيى: لا بأس به] ومحمد بن جابر [صدوق، ذهبت كتبه فساء حفظه، وخلط كثيرًا، وعمي، فصار يلقن، ورجحه أبو حاتم على ابن لهيعة "تقريب".] ضعيفان عند أهل العلم بالحديث، وقد رواه ملازم بن عمرو [صدوق "تقريب" ص 259".] عن عبد اللّه بن بدر عن قيس [صدوق] إلا أن صاحبي الصحيح لم يحتجا بشيء من روايتهما، وتكلم الناس أيضًا في قيس بن طلق [حديث طلق أخرجه الطحاوي. وأبو داود. والنسائي. والترمذي. وأحمد: ص 23 - ج 4، وابن جارود. و الدارقطني من حديث ملازم عن عبد اللّه بن بدر عن قيس بن علي عن أبيه عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في الرخصة من مس الذكر، هذا حديث رواته ثقات، قال ابن عبد الهادي في "المحرر" ص 59 وخطأ من ذكر الاتفاق على ضعفه، قال الترمذي ص 78 - ج 1: هذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب، وقال: حديث ملازم بن عمر عن عبد اللّه بن بدر أصح وأحسن، وقال الطحاوي في "شرح الآثار" ص 46: حديث ملازم صحيح مستقيم الإسناد غير مضطرب في إسناده ولا في متنه، فهو أولى عندنا مما روينا أولًا من الآثار المضطربة في أسانيدها، ثم أسند عن علي بن المديني أنه قال: حديث ملازم هذا أحسن من حديث بسرة، وقال الحازمي في "الاعتبار" ص 39: روينا عن أبي حفص الفلاس أنه قال: حديث قيس بن طلق عندنا أثبت من حديث بسرة، وذكر تصحيحه عن الطبراني أيضًا، وصححه ابن حبان، قاله الحافظ في "التلخيص" ص 46 وقال ابن حزم في "المحلى" ص 239 - ج 1: هذا خبر صحيح، وصحح الحاكم حديث ملازم عن عبد اللّه بن بدر عن قيس عن علي لمتن آخر ص 416 - ج 4، ووافقه الذهبي، وروى أبو داود. وابن جارود. والطحاوي. وابن ماجه. وغيرهم من حديث محمد بن جابر عن قيس أيضًا: محمد بن جابر تكلم فيه، لكنه صدوق، ورجحه أبو حاتم على ابن لهيعة، وصحح حديثه الطبراني. وروى الطحاوي ص 46، وأحمد: ص 22 - ج 4، والطيالسي: ص 147، وابن سعد: ص 402 - ج 5 من حديث أيوب بن عتبة عن قيس، وهو وإن تكلم فيه، لكن قال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديثه، وقال ابن معين: لا بأس به، وقال الدارقطني: يعتبر، وقال أحمد: ثقة، ولم يفحش فيه القول أحد سوى الحفظ، لكنه متابع قوي. ولقائلي النقض عن حديث طلق أجوبة: دعوى الترجيح. والنسخ. والتطبيق. ومخالفة الاعتبار، أما الأول: فيما قال الشافعي: زعم من خالفه أن قاضي اليمامة، ومحمد بن جابر ذكرا عن قيس بن طلق عن أبيه عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ما يدل على "لا وضوء منه" قال الشافعي: قد سألنا عن قيس فلم نجد من يعرفه بما يكون لنا فيه قبول خبره، وقد عارضه من وصفنا نعته ورجاحته في الحديث، وثبته، اهـ. قلت: عدم معرفة الشافعي رحمه اللّه تعالى قيسًا لا يضره إذا عرفه غيره، هذا الترمذي إمام الحديث بلا مدافعة، ويتلوه أبو القاسم البغوي. وإسماعيل بن محمد الصفار. وأبو العباس الأصم. وغيرهم من أئمة الحديث وأعلامهم لا يعرفهم ابن حزم ويجهلهم، وقيس كل من صحح حديثه عرف ما يكون به قبول خبره، كما تقدم، وعرفه ابن معين ووثقه، وقال العجلي: يمامي تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وأما قول الشافعي: قد عارضه من وصفنا نعته ورجاحته في الحديث وثبته، فهو إن سلم فلأجل أن حديث قيس لم يبلغه إلا من طريق محمد بن جابر. وأيوب بن عتبة، وهما قد تكلم فيه من تكلم، وبما قال يحيى بن معين: لقد أكثر الناس في قيس بن طلق، وأنه لا يحتج به، وبما قال ابن أبي حاتم: سألت أبي. وأبا زرعة عن هذا الحديث، فقال: قيس بن طلق ليس ممن تقوم به الحجة، ووهناه ولم يثبتاه، قلت: قول يحيى هذا رواه البيهقي في "سننه" من طريق محمد بن الحسن النقاش المفسر، وهو من المتهمين بالكذب، (يتبع...) (تابع... 3): - وللخصوم القائلين بالنقض أحاديث: أمثلها بسرة أخرجه أصحاب السنن... ... قال البرقاني: كل أحاديثه مناكير، وليس له في تفسيره حديث صحيح، روى النقاش عن عبد اللّه بن يحيى السرخسي، وعبد اللّه هذا قال فيه ابن عدي: كان متهمًا في روايته عن قوم لم يلحقهم، وقد ذكرنا عن ابن معين أنه وثق قيسًا على أنه لو صح عن ابن معين ما قالوا: لم يكن لهم فيه راحة أيضًا، لأن ابن معين هو الذي قال: ثلاثة أحاديث لا تصح: أحدهما: الوضوء من مس الذكر، ذكره النووي في "شرح المهذب" ص 42 - ج 2، وكان في الرخصة على مذهب أهل الكوفة كما ذكر الحازمي نفسه، وذاكر مع أحمد بن حنبل، فحصل أمرهما على أن اتفقا على اسقاط الاحتجاج بالخبرين: خبر بسرة. وخبر طلق، قال الخطابي في "المعالم" ص 66، فاتفاقهما على سقوط الاحتجاج بهما، إما لضعف الخبرين عندهما، وهو الظاهر كما ذكرنا من "ابن معين" لأن المناظرة التي ذكرها الدارقطني من طريق النقاش ص 55: بين علي. ويحيى تكلم فيهما علي على حديث بسرة بجهالة الشرطي، ويحيى على حديث طلق، بأنه لا يحتج بحديث قيس، فقال أحمد: كلا الأمرين على ما قلتما، وهذا مصير من يحيى. وأحمد إلى ضعف الخبرين. أو لصحة الخبرين وتعارضهما، فعلى كل منهما ليس في حديث أحدهما ما يقرب الحديث إلى القبول أو الرد إلا والآخر مثله عندهما، ولا راحة لهم في قولي أبي حاتم. وأبي زرعة أيضًا، لأن لم يذكر عنهما أنهما صححا حديث بسرة، وإنما نحتاج إلى حديث طلق إذا لم يصح حديث بسرة، كما قاله ابن قتيبة، والذي في "الترمذي"، قال أبو زرعة: حديث أم حبيبة في هذا الباب أصح، وهو حديث العلاء بن الحارث عن مكحول عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة، فحكمه على حديث أم حبيبة بالأصحية مع الانقطاع، فكأنه لم يرتض بحديث بسرة أيضًا وبما قالوا: رواة حديث بسرة رواة الصحيح، وإن لم يخرجاه لاختلاف وقع في سماع عروة من بسرة، أو عن مروان بن بسرة، فقد احتجا بسائر رواة حديث بسرة: مروان فمن دونه، دون حديث قيس، فإنهما لم يحتجا بشيء من رواته، فهذا أوجه الرجحان حديثهما من حديث قيس. قلنا: هذا ليس بمؤثر، أما أولًا: فبأن الشرطي ليس من رجالهما، وليس من رجال ما سواهما من السنن، فإن قيل: لم يقنع عروة بقول الشرطي حتى أتى بسرة فسأها مشافهة قلنا: كذا قالوا، ولكن لم يقنع به ابن المديني، ولا يحيى بن معين. وأحمد حيث قال لهما: لما علل يحيى حديث طلق بقيس. وابن المديني حديث بسرة بالشرطي كلا الأمرين على ما قلتما كما في "المستدرك" ص 139 - ج 1، مع أن يحيى ذكر قصة الملاقاة أيضًا، ولو قنع بهذه الملاقاة البخاري ومسلم لأخرجاه في "صحيحهما"، وأما ثانيًا: فإن ترجح من يرجح رواتهما لوفور علمهما وبلوغهما الذروة العليا في نقض الرجال ومعرفة العلل، فإذا ظننا الحديث لم يبلغهما أو بلغهما لكن كان في الباب غناء عنه ولم يحتاجا اليه، فلنا أن ترجحه لأجل رواتهما، وأما إذا علمنا أن الحديث بلغهما وكان الرجال رجالهما، ثم أعرضا عنه مع الاحتياج اليه في الباب، فالظاهر أن هذا الإعراض ليس إلا لوهن الحديث عندهما، وأنهما اطلعا منه على علة لم يطلع عليها غيرهما، ألا ترى أن البخاري يقول: أصح شيء في هذا الباب حديث العلاء بن الحارث، عن مكحول عن عنبسة عن أم حبيبة، وقد قال هو: روى مكحول عن رجل عن عنبسة غير هذا الحديث، ومفاده كما قال الترمذي: كأنه لم يره صحيحًا فترجيح البخاري حديث أم حبيبة، وهو منقطع عنده - مع أن شيئًا من رجاله ليس من رجاله في "الصحيح" على أحاديث الباب يؤيد ما قلنا، فكون الرجال رجال الصحيحين هذا الوجه لا يقوي أمر الحديث، بل يوهنه، وأما إعراضهما عن الحديث لأجل الرجال، لعدم بلوغهم فيما يطلبانها من الدرجة العليا، مع وجود صفة القبول فيها لا يسيء الظن بالحديث، كما يسيء في الأول، واللّه أعلم. أما النسخ، فكما قال ابن حبان . والطبراني. والبيهقي. والحازمي، قالوا: حديث طلق متقدم، قال ابن حبان: كان قدومه في أول سنة من سني الهجرة، حيث كان المسلمون يبنون مسجد رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قلت: إثبات النسخ يتوقف على أمور: الأول: أن قدوم طلق كان عند بناء المسجد. والثاني: أن المسجد لم يبن إلا في السنة الأولى من الهجرة. والثالث: أن طلقًا لم يجيء بعد هذه القدمة. والرابع: أن بسرة لم تجيء في السنة الأولى من الهجرة. والخامس: أن كل من روى حديث النقض لم يحضر أحد منهم البناء. وأما السادس: فبأن المراد بالوضوء في حديث بسرة ليس إلا وضوء الصلاة المتعارف عند الناس. أما الأول: فبما استدل به ابن حبان، ولم يذكر سنده، وأسنده البيهقي ص 135. والحازمي: ص 31 من حديث محمد بن جابر عن عبد الملك بن بدر عن طلق بن علي قال: قدمت على النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وهم يبنون المسجد الحديث، ومحمد بن جابر هذا هو الذي روى أن طلقًا سأل رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، هل من مس الذكر وضوء؟ قال: "لا" وقال فيه الحازمي. والبيهقي ص 134 - ج 1: أيوب بن عتبة. ومحمد بن جابر ضعيفان، وقال البيهقي في ص 213 - ج 2: محمد بن جابر متروك. وأما الأمر الثاني: فاكتفى فيه على مجرد الدعوى، ولم يأت عليه بحجة من حديث صحيح أو ضعيف، كأنه زعم أنه أمر بين ثبوته، وليس كذلك، بل هذا أمر بين رده، أما أولًا: فبما قال الحافظ في "الفتح" ص 152 - ج 12: أما ابتداء المسجد، فروى ابن سعد في "طبقاته" ص 43 - ج 8 عن عائشة: قدمنا المدينة ورسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يبني المسجد وأبياتًا حول المسجد، فأنزله منها أهله، اهـ. وتبعه صاحب العون، في ص 266 - ج 4: والمسجد لم يكمل بناؤه إلا بعد مدة من دخوله ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ المدينة، اهـ. وأما ثانيًا: فبأن المسجد بني على عهد رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ مرتين: مرة قبل خيبر، ومرة بعده، وحضر بناءه مرة من أسلم عام خيبر أو قبله، كما في "الزوائد ص 146 - ج 1 المطبوعة في الهند، كما في حديث أبي هريرة أنهم كان يحملون اللبن إلى بناء المسجد، ورسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ معهم، قال: فاستقبلت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ وهو عارض لبنته على بطنه، فظننت أنها شقت عليه، فقلت: ناولنيها يا رسول اللّه، فقال: "خذ غيرها يا أبا هريرة، فإنه لا عيش إلا عيش الآخرة " رواه أحمد،، ورجاله رجال الصحيح، وكذا في "وفاء الوفا، بأخبار دار المصطفى" ص 240، وقال فيه: هذا في البناء الثاني، لأن أبا هريرة لم يحضر البناء الأول، لأن قدومه عام فتح خيبر، اهـ. وقال فيه أيضًا: وبناه رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ مرتين: بناه حين قدم أقل من مائة في مائة، فلما فتح اللّه عليه خيبر بناه، وزاد عليه في الدور، اهـ. وفيه: ص 336 - ج 1 روى البيهقي في الدلائل: عن عبد الرحمن السلمي، أنه سمع عبد اللّه بن عمرو بن العاص يقول لأبيه: قد قتلنا هذا الرجل، وقد قال فيه رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "قال: أي رجل ؟ قال: عمار بن ياسر" أما تذكر يوم بنى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ المسجد فكنا نحمل لبنة لبنة، وعمار يحمل لبنتين لبنتين، الحديث، قال السمهودي: قلت: هو يقتضي أن هذا القول لعمار كان في البناء الثاني للمسجد، لأن إسلام عمرو كان في الخامسة، اهـ. قلت: الحديث رواه أحمد: ص 161 - ج 2، ص 206 - ج 2 مختصرًا، قلت: وفي "الزوائد" ص 297 عن عبد اللّه بن الحارث: أن عمرو بن العاص قال لمعاوية: يا أمير المؤمنين أنا سمعت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يقول حين يبني المسجد لعمار: "إنك حريص على الجهاد، وإنك لمن أهل الجنة، وتقتلك الفئة الباغية؟" قال: بلى، الحديث، قال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات، اهـ. ففي هذا أن بناءه كان بعد فتح مكة، فالاستدلال بمجرد حضور طلق بناء المسجد بحديث ضعيف - لو استدل به مخالفهم لشنوا عليه الغارة - لا يكفي ولا يشفي، كيف ساغ لهم أن يدعوا أن طلقًا وفد على رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في السنة الأولى؟! وقد كان يكفي لرده سند طلق كله، أفلا يكفي لهم حديثه: "إذا رأيتم الهلال فصوموا لرؤيته، وإذا رأيتموه أفطروا، فإن أغمي عليكم أتموا العدة" فإن المراد بالعدة فيه عدة رمضان، فكأن هذه القدمة بعد فرض رمضان، وأن فرضيته نزلت في آخر السنة الثانية،؟! أفلا يكفي لابن حبان حديث الوفد وكسر البيعة الذي استدل به، لأن عام الوفد بعد الهدنة، بل بعد الفتح، ومتى كان المسلمون قادرين على كسر البيعة في السنة الأولى؟! ثم على ما استدل به لا يتعلق بشيء مما في السياق بمطلوبه، لأن الحديث ليس إلا أن طلقًا جاء وافدًا وخرج راجعًا، واستوهب ماءًا، وكسر بيعة، وشيء من ذلك لا يدل أن قدومه كان في السنة الأولى، أو أنه لم يرجع بعد إلى المدينة، إلا ما ادعى بعد رواية الحديث، ثم لم يعلم له رجوع بعد ذلك، فمن ادعى يثبته بسنة مصرحة، ولا سبيل له إلى ذلك، اهـ. ويا للعجب! إنه بصدد أن حديث طلق منسوخ، فهل يكفي له هذا القدر؟! إنه جاء فذهب ولم يعلم له رجوع، فلو كان عدم العلم يكفي في الدلائل لكان له أن يقول من أول الامر: إنه منسوخ، ولم يثبت أنه ناسخ، ومن ادعى فعليه البيان، أيعلم هو أن الاحتمال يكفي لمن يمنع الاستدلال لا لمن يستدل، أي لو تم من دليلكم أن طلقًا جاء في السنة الأولى لتوقف على أمور أخر: منها أنه لم يأت بعد، فعلى من يدعي أن يأتي بدليل على هذا، أو أي حاجة للمانع، أن يأتي بدليل على المقدمة الممنوعة، على أنا نقول: قال ابن سعد في "الطبقات" ص 55 - ج 1: قدم وفد بني حنيفة على رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، بضعة عشرة رجلًا: فيهم رجال بن عنفود. وسلمة بن حنظلة السحيمي. وطلق بن علي بن قيس. وحمران بن حابر. وعلي بن سنان، والأقعس بن مسلمة. وزيد بن عمرو بن عبد عمرو. ومسيلمة بن حبيب، وعلى الوفد سلمى، فأنزلوا دار رملة، ثم ذكر إسلامهم وضيافتهم، وفي الوفد مسليمة الكذاب، وذكر استيهابهم الماء، وكسر البيعة، وادعاء مسيلمة النبوة، وهذا ابن إسحاق إمام المغازي، ذكر قدوم مسيلمة، ومن معه عام الوفود سنة تسع، كما في "سيرة ابن هشام" ص 340 - ج 2، وعليه اعتمد ابن قيم في "الهدى" فمن ادعى أن طلقًا قدم قبل عام الوفود فعليه البيان بالسنة الصحيحة الصريحة، وأنى له هذا؟ ثم هذا كله كلامنا مع ابن حبان، وهو إمام من أئمة المسلمين، نستدل به إذا لم ينبين لنا خطأه، لكن ربما يستدل بشيء على شيء، ويغمض عن النتائج، ويرد على شيء ولا يخشى العواقب، كما استدل بالحديث الصحيح أن بين بناء المسجد الحرام والمسجد الأقصى أربعون سنة، فقال: هذا رد على من زعم أن بين اسماعيل. وسليمان عليهما السلام ألف سنة، اهـ. ولنعم ما قيل له، فعلى قياس قولك: بينهما أربعون سنة، اهـ. واللّه أعلم. وأما الحازمي، فكفأنا عن مؤنة الجواب، حيث روى من طريق أيوب بن عتبة عن قيس بن طلق عن أبيه طلق عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال: "من مس فرجه فليتوضأ" ونقل تصحيحه عن الطبراني، وقال ابن عبد الهادي في "المحرر" ص 19: إسناده لا يثبت، وأيوب عن قيس هو الذي صنفه، فيما قبل، وسكت عنه هنا، بل ذكر تصحيح حديثه عن الطبراني، لكن ارتفع به قصة التقدم والتأخر، وهدم ما بناه ابن حبان، فلذا اكتفى الحازمي على النسخ بقوله: يشبه أن يكون سمع الحديث الأول "حديث الرخصة" من النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قبل هذا، ثم سمع هذا بعد فوافق حديث بسرة، اهـ. قلنا: للخصم أن يقول: يشبه أن يكون سمع أولًا حديث الوضوء ثم حديث الرخصة، واللّه أعلم. أما الثالث: فلم يثبت أيضًا لما تقدم، بل الظاهر أنه لم يجيء قبل عام الوفود، وشركته في بناء المسجد، كشركة أبي هريرة. وعمرو بن العاص. وابنه رضي اللّه عنهم عند البناء الثاني، وبه تبين حال المقدمة الخامسة، واللّه أعلم. وأما الرابع: فكفانا لرده أيضًا الحازمي حيث قال: بسرة قديم هجرتها وصحبتها. أما التطبيق فقالوا: إن المراد بحديث بسرة - الإصابة بباطن الكف - وبحديث طلق - بظهره - واستدل عليه البيهقي: ص 35 - ج 1 بحديث محمد بن جابر، قال: حدثني شيخ لنا من أهل اليمامة، يقال له: قيس بن طلق عن أبيه أنه سأل النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أو سمع رجلًا يسمعه، فقال: بينما أنا أصلي، فذهبت أحك فخذي فأصابت يدي ذكري، فقال النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "ما هو منك؟" قال: والظاهر من حال من يحك فخذه وإصابة يده ذكرًا أن يصيبه بظهر الكف، اهـ. قلت: محمد بن جابر في هذه الرواية، قال البيهقي: ضعيف، وأن من استدل بهذا الحديث على الرخصة إنما استدل بقول النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ لا بظاهر حال السائل، وقول النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "إنما هو منك" لا يفرق بين الكف والظهر، وقال: والظاهر من حال من يحك، الخ، أيضًا ممنوع، نعم لو كان لفظه: فحككت فخذي، فأصابت يدي ذكري، لكان الظاهر كما قال، فأما وقد قال: فذهبت أحك فخذي فأصابت يدي ذكري فلا. وبما جاء في بعض الآثار: "من أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ"، قال البيهقي ص 34 - ج 1: قال الشافعي: الإفضاء باليد إنما هو ببطنها، وفيه ما قال ابن حزم في "المحلى" ص 238 - ج 1: هذا لا يصح أصلًا ولو صح لما كان فيه دليل على ما يقولون، لأن الإفضاء باليد يكون بظاهر اليد كما يكون بباطنها حتى لو كان الإفضاء بباطن اليد، لما كان في ذلك ما يسقط الوضوء عن غير الإفضاء، إذا جاء أثر بزيادة على لفظ الإفضاء، فكيف والإفضاء يكون بجميع الجسد قال اللّه تعإلى: {وقد أفضى بعضكم إلى بعض} [النساء: 21].، وبأن المراد بحديث طلق المس بحائل، واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونهما حجاب فقد وجب عليه وضوء الصلاة"، اهـ. قلنا: يزيد بن عبد الملك الراوي متروك، وتابعه نافع القاري، وهو وإن وثقه بعضهم، فقد قال فيه أحمد: يؤخذ عنه القرآن، وليس في الحديث بشيء، ولا يخفى بعد هذا التأويل. (يتبع...) (تابع... 4): - وللخصوم القائلين بالنقض أحاديث : أمثلها بسرة أخرجه أصحاب السنن... ... وأما الاعتبار فقالوا: إن الذكر لا يشبه سائر الجسد، وقد نهى النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أن يمس الرجل ذكره بيمينه، ولو كان بمنزلة الإبهام والأنف، وما هو منا لكان لا بأس عليه أن نمسه بأيماننا، قلنا: هذه عليه في مقابلة النص، فإن قوله عليه السلام: "هل هو إلا بضعة منك" يفيد التسوية بينه وبين سائر الجسد، فهي مردودة،، وقد أسند البيهقي ص 130 - ج 1 عن ابن خزيمة، قال: كان الشافعي يوجب الوضوء من مس الذكر اتباعًا لخبر بسرة لا قياسًا، اهـ. ولو صح هذا القياس لكتان يجب أن يكون خبر طلق ناسخًا، لأن خبر بسرة كان على ما هو الأصل قبل الرخصة، وما استدلوا به من النهي عن مس الذكر بيمينه، فليس هو لأجل البضعة، بل لأجل البول، فإن الحديث في "الصحيح" عن أبي قتادة رفعه: إذا أتى أحدكم الغائط، فلا يمسح ذكره بيمينه، فمسح الذكر كناية عن الاستنجاء، وكذ 1 الحكم في الأنف لا يمسحه بيمينه لأجل المخاط، وعليه حمل بعض أهل العلم حديث بسرة، بأن المراد بالمس فيه المس للاستنقاء من البول، قال ابن الهمام في "الفتح" ص 38 - ج 1: إن سلكنا طريق الجمع جعل مس الذكر كناية عما يخرج منه، وهو من أسرار البلاغة يسكتون عن ذكر الشيء ويرمزون عليه بذكر ما هو من روادفه، قال ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه ولا يستنجي بيمينه" الحديث، أحمد ص 300 - ج 5. فلما كان مس الذكر غالبًا يرادف خروج الحدث منه ويلازمه عبر به عنه، كما عبر تعالى بالمجيء من الغائط، عما يقصد الغائط لأجله ويحل فيه، فيطابق طريق الكتاب والسنة في التعبير، فيصار إلى هذا لدفع التعارض اهـ. وحمل بعض أهل العلم حديث بسرة على الاستحباب. وحديث طلق على الاباحة والرخصة. وأما السادس: فبما قال ابن تيمية في "الفتاوى" ص 58 - ج 1: إن الوضوء في كلام رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ لم يروه قط إلا وضوء الصلاة، الخ. قلت: هذا دعوى عجرد، وقد قال ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ لعكراش حين غسل يديه: "هذا وضوء".] فقال الشافعي: سألنا عن قيس، فلم نجد من يعرفه بما يكون لنا قبول خبره، وقال يحيى بن معين: لقد أكثر الناس في قيس بن طلق، وأنه لا يحتج بحديثه، وعن ابن أبي حاتم قال: سألت أبي. وأبا زرعة عن هذا الحديث، فقال: قيس بن طلق ليس ممن يقوم به حجة ووهَّناه، ولم يثبتاه، قالوا: وحديث قيس بن طلق كما لم يخرجه صاحبا الصحيح، فإنهما لم يحتجا بشيء من روايته، وحديث بسرة وإن لم يخرجاه لاختلاف وقع في سماع عروة من بسرة، أو عن مروان عن بسرة، فقد احتجا بسائر رواة حديثها: مروان، فمن دونه، فترجح حديث بسرة، ورواه عكرمة بن عمار عن قيس عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ مرسلًا، وهو أقوى من رواه عن قيس إلا أنه رواه منقطعًا، وأما حكم النسخ، فإن حديث طلق كان في ابتداء الاسلام، ثم أسند إلى طلق بن عليٍّ أنه قال: قدمت على النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ وهم يبنون المسجد، فذكره، كما تقدم، قال: ومما يؤيد حكم النسخ أن طلق الذي روى حديث الرخصة وجدناه قد روى حديث "الانتقاض" ثم ساق من طريق الطبراني بسنده المتقدم ومتنه أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال: "من مس ذكره فليتوضأ". قال: فدل ذلك على صحة النسخ، وأن طلقًا قد شاهد الحالتين، ثم اعترض للقائلين بالرخصة: بأن بسرة غير مشهورة، واختلاف الرواة في نسبها يدل على جهالتها، لأن بعضهم يقول: هي كناينة، وبعضهم يقول: هي أسدية، ولو سلم عدم جهالتها فليست توازي طلقًا في شهرته وكثرة روايته وطول صحبته، واختلاف الرواة أيضًا في حديثها يدل على ضعف حديثها. وبالجملة فحديث النسار إلى الضعف ما هو، قال: وروى عن عمر بن علي الفلاس أنه قال: حديث طلق عندنا أثبت من حديث بسرة، وأجاب: بأن بسرة مشهورة لا ينكر شهرتها إلا من لا يعرف أحوال الرواة، ثم أسند إلى مالك أنه قال: بسرة بنت صفوان هي جدة عبد الملك بن مروان أو أمّه فاعرفوها، وقال مصعب الزبيري: بسرة بنت صفوان بن نوفل بن أسد من التابعات، وورقة بن نوفل عمها، وليس لصفوان بن نوفل عقب إلا من قِبَل بسرة، وهي زوجة معاوية بن المغيرة بن أبي العاص، قال: وأما اختلاف الرواة في حديثها فقد وجد في حديث طلق نحو ذلك، ثم إذا صح للحديث طريق واحد وسلم من شوائب الطعن تعين المصير إليه، ولا عبرة باختلاف الباقين، وطريق مالك إليها لا يختلف في صحته وعدالة رواته، قال: وقد روى هذا الحديث جماعة من الصحابة غير بسرة نحو عبد اللّه بن عمرو بن العاص. وأبي هريرة. وعائشة، وأم حبيبة، وكثرة الرواة مؤثرة في الترجيح، وأما حديث الرخصة\ فإنه لا يحفظ من طريق توازي هذه الطرق، أو تقاربها إلا من حديث طلق بن علي اليمامي وهو حديث فرد في الباب، قال: وزعم بعض الكوفيين أن كثرة الرواة لا أثر لها في باب الترجيحات، لأن طريق كل ولحد منهما غلبة الظن، فصار كشهادة شاهدين مع شهادة أربعة، ورده بان غلبة الظن إنما يعتبر في باب الرواية دون الشهادة ألا ترى أنه لو شهد خمسون امرأة بشهادةٍ لم تقبل شهادتهن؟ ولو شهد بها رجلان قُبِلا، ومعلوم أن شهادة خمسين امرأة أقوى في اليقين، وكذلك سوَّى الشارع بين شهادة إمامين عالمين، وشهادة رجلين جاهلين، وأما في الرواية فترجح رواية الأعلم الدّيِن على غيره من غير خلاف يغرف في ذلك، فظهر الفرق بينهما، ووجب المصير إلى حديث بسرة، واللّه أعلم، انتهى. - الحديث الثاني من أحاديث الأصحاب، أخرجه ابن ماجه في "سننه" [ص 37] عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة أن رجلًا [قلت: متنه عند ابن ماجه هكذا: سئل رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ عن مس الذكر فقال: "إنما هو جزء منك" اهـ، وأخرجه ابن أبي شيبة، وفيه: " هل هو إلا جذوة منك"؟]، سأل النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقال: إني مسست ذكري وأنا أصلي، فقال: "لا بأس إنما هو جزء منك"، انتهى. وهو حديث ضعيف، قال البخاري. والنسائي والدارقطني في "جعفر بن الزبير": متروك. والقاسم أيضًا: ضعيف. - الحديث الثالث: أخرجه الدارقطني في "سننه" [ص 54] عن الفضل بن المختار عن عبيد اللّه بن موهب عن عصمة بن مالك الخطمي - وكان من الصحابة - أن رجلًا قال: يا رسول اللّه إني احتككت في الصلاة، فأصابت يدي فرجي، انتهى. فقال النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "وأنا أفعل ذلك"، انتهى. وهو حديث ضعيف أيضًا، قال ابن عدي: الفضل بن مختار أحاديثه منكرة، وقال أبو حاتم: هو مجهول. وأحاديثه منكرة، يحدث بالأباطيل، انتهى. قال الطحاوي [ص 47] في "شرح الآثار": وقد روى عن جماعة من الصحابة مثل مذهبنا، ثم أخرج عن علي بن أبي طالب [وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود. وسعد. وحذيفة. وابن عباس. وعمار بن ياسر. وعمران بن حصين. وعلي بن أبي طالب نحوه] رضي اللّه عنه أنه قال: ما أبالي مسست أنفي أو ذكري، وأخرج عن ابن مسعود نحو ذلك، وأخرج عن عمار بن ياسر أنه قال: وإنما هو بضعة منك، وأن لكفك موضعًا غيره، ثم أخرج عن حذيفة. وعمران بن حصين كانا لا يريان في مس الذكر وضوءًا، قال: ولا نعلم أحدًا من الصحابة أفتى بالوضوء منه غير ابن عمر، وقد خالفه في ذلك أكثر الصحابة، وما رواه عن ابن عباس أنه قال: "فيه وضوء" فقد روي عنه خلافه، ثم أخرج عنه أنه قال: ما أبالي إياه: مسست ذكري. أو أنفي، قال: وما رووه عن الحكم بن مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص، قال: كنت أمسك المصحف على أبي، فمسست ذكري، فأمرني أن أتوضأ، فمحمول على غسل اليدين بما أخبرنا، وأسند إلى الزبير عن عدي بن مصعب بن سعد مثله، وقال فيه: قم فاغسل يدك، انتهى. وحكى صاحب التنقيح" قال: اجتمع [أسنده البيهقي في "سننه الكبرى" ص 136 - ج 1.] سفيان. وابن جريج، فتذاكرا مس الذكر، فقال: ابن جريج يتوضأ منه، وقال سفيان: لا يتوضأ منه، أرأيت لو أمسك بيده منيًا ما كان عليه؟ قال: ابن جريج: يغسل يده، قال: فأيهما أكبر، المني. أو مس الذكر؟ فقال: ما ألقاها على لسانك إلا الشيطان، انتهى. -
|