الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **
ولو قال الأمير: قتل قتيلاً فله سلبه فبرز علج للقتال وخرج إليه مسلم فضربه ضربة أبانه عن فرسه وأخذ فرسه وجره إلى المسلمين حياً فمات بعد أيام. وقد كان صاحب فراش أو لم يكن إلا أنه علم أنه مات من ضربته فله السلب والفرس والسلاح من جملة السلب لأنه صار قاتلاً له حين مات من ضربته. وفيما يجب على القاتل لا فرق بين أن يموت المقتول بضربته في الحال وبين أن يموت منها بعد مدة فكذلك فيما يجب له بالقتل. ويستوي إن كان مات قبل إحراز الغنيمة بدار الإسلام أو بعدها ما لم يقسم فأما إذا قسمت الغنائم أو بيعت والرجل حي بعد فإن سلبه يقسم في الغنيمة بين الغانمين لأن سبب الاستحقاق فيه للقاتل لم يتم بعد وهو القتل فإن تمام القتل لا يكون بدون الموت والرجل حي بعد. وسبب ثبوت حق الغانمين فيه قديم وهو الاغتنام فيقسم بينهم وبالقسمة يتعين الملك فمن ضرورته إبطال حق حكم التنفيل فيه وبعد ما نفذ الحكم من الإمام بإبطاله التنفيل فيه لا يستحقه بالتنفيل وإن تم السبب. فإن قيل: لماذا لا تؤخر الغنيمة والبيع في السلب حتى تنظر إلى ماذا يئول حال الرجل. قلنا: لأن السبب الموجب للقسمة وهو الاغتنام قديم فيه فلا يؤخر الحكم الذي يثبت بتقرير سببه لأجل سبب موهوم. ألا ترى أن المضروب نفسه يقسم في الغنيمة فكيف لا يقسم سلبه. فإن قيل: لأنه ليس في نفسه حق منتظر لأحد فأما في السلب فحق منتظر للقاتل. فقد وجد سببه منه. قلنا: قد بينا أن السبب لا يتم إلا بموت المضروب. ثم لا يتأخر قسمة الغنيمة لحق أقوى من هذا وهو حق المالك القديم في المأسور فإنه حق ثابت لو جاء قبل القسمة أخذه بغير شيء. ثم لا تؤخر القسمة والبيع لحقه فلأن لا يؤخرها هاهنا لحق الضارب وهو غير ثابت في الحال كان أولى. فإن قيل: فعلى هذا ينبغي إذا مات المضروب بعد القسمة أن يكون للقاتل حق أخذ السلب بالقيمة كما في المأسور إذا جاء المولى بعد القسمة. قلنا: هناك الملك كان ثابتاً للمولى في الأصل فيتمكن من أخذه بالقيمة على وجه الفداء لذلك الملك وهاهنا الملك للضارب في السلب لم يكن ثابتاً قط ليفديه بالقيمة وإنما كان يثبت له الحق ابتداء بسبب التنفيل إن لو مات المضروب قبل القسمة فأما بعد القسمة فلا يمكن إثبات حقه لانعدام محله. فإنما وزان هذا من المأسور إن لو خرج الحربي بالعبد إلينا بأمان ثم أسلم أو باعه من مسلم. وهناك لا يثبت للمولى حق وعلى هذا لو أن المسلم حين رمى به عن فرسه اجتره المشركون فذهبوا به حياً فلا شيء للضارب من فرسه وسلبه ما لم يعلم بموته من ضربته لأن تمام السبب به يكون فالاستحقاق يثبت له ابتداء فلا بد فيه من التيقن بالسبب ولا يكفي وجوده ظاهراً بمنزلة الشرط الذي تعلق به عتق أو طلاق فإنه ما لم يتيقن به لا ينزل الجزاء. وإنما طريق معرفة ذلك أن يشهد به عدلان من المسلمين لأن السلب باعتبار الظاهر غنيمة المسلمين. وإنما الحاجة إلى الاستحقاق عليهم. فلا يكون ذلك إلا بينة تقوم من المسلمين على موته قبل القسمة. فأما إذا مات المضروب بعد القسمة والبيع لم يكن للقاتل من السلب شيء ولو قامت البينة به. لفوات المحل بنفوذ القسمة والبيع من الإمام فيه. ولو كان قال: من قتل قتيلاً فله مائة درهم. فهذا والأول سواء إلا في خصلة واحدة: وهو أنه إذا بيع الغنائم ثم مات المضروب استحق المائة هاهنا ما لم يقسم الثمن أما إذا قسم الثمن أو قسمت الغنيمة ثم مات المضروب فلا نفل له لأن محل حقه الغنيمة هاهنا. والبيع لا يفوت هذا المحل. فإن الثمن غنيمة باعتبار أنه قائم مقام المبيع يقسم بين الغانمين. فأما بالقسمة يفوت محل حقه فيبطل نفله وفي الأول محل حقه السلب وهو يفوت بالسلب. فإن الثمن ليس من السلب في شيء ففي هذا يقع الفرق بينهما. والله أعلم. وإذا قال الأمير: من قتل قتيلاً فله سلبه فقتل ذمي ممن كان يقاتل مع المسلمين قتيلاً استحق سلبه لن الإمام أوجب السلب للقاتل بلفظ عام يتناول المسلم والذمي والعام كالنص في إثبات الحكم في كل ما يتناوله. ولو خص الذمي بهذا استحق السلب بالقتل فكذلك إذا تناوله اللفظ العام. وهذا لأن الذمي إذا قاتل معنا استحق الرضخ من الغنيمة كما يستحق المسلم السهم. ومن استحق الرضخ فهو شريك في الغنيمة. بمنزلة من يستحق السهم. ولهذا كان له أن يتناول من الطعام والعلف مقدار حاجته. وكذلك لو قتل رجل من التجار قتيلاً سواء كان يقاتل قبل هذا أو كن لا يقاتل لأنه قاتل الآن وبه يصير شريكاً في الغنيمة فيتناوله حكم التنفيل. وكذلك لو قتلت امرأة مسلمة أو ذمية قتيلاً لأنها شريكة بما يستحق من الرضخ. وكذلك لو قتل عبد كان يقاتل مع مولاه قبل هذا أو كان لا يقاتل حتى الآن لأنه شريك بما يستحق من الرضخ. فليستحق السلب بالتنفيل ويكون ذلك لمولاه لأنه كسب عبده. إلا أن يكون الأمير خص فقال: من قتل من الأحرار قتيلاً أو قال: من قتل من المسلمين قتيلاً فحينئذ يبنى الأمر على تخصيصه لأن الاستحقاق بإيجابه. فكما يعتبر عموم كلامه يعتبر خصوصه. وإذا لم يستحق الذمي السلب عند التخصيص يرضخ له من الغنيمة على قدر ما يرى الإمام لأنه تبع للمسلمين ومن يكون تبعاً في القتال يستحق الرضخ دون السهم كالعبيد والنساء. وهذا لأنه لا بد من أن يعطى شيئاً ليكون ذلك تحريضاً له على الخروج. ولا وجه للتسوية بين التبع والمتبوع. ولهذا أعطيناه الرضخ ولا يزاد رضخه إن كان فارساً على سهم فارس من المسلمين وإن كان راجلاً على سهم راجل منهم. لأنه لا يكون ذمي أبداً إلا وفي المسلمين من هو أعظم غناء منه. فإذا كان لا يزاد للمسلم العظيم الغناء على السهم فكيف يزاد للذمي. وظاهر ما يقول في الكتاب يدل على أنه يجوز أن يبلغ برضخه سهم المسلم إذا كان عظيم الغناء. والصحيح أنه لا يبلغ به أيضاً ولكن ينقص بقدر ما يراه الإمام كما لا يبلغ بقيمة العبد دية الحر. فإن قيل: أليس في التنفيل العام يسوى بينهما في السلب وربما يكون سلب قتيل الذمي أكثر قيمة من سهم المسلم فلماذا لا يجوز أن يسوى بينهما أو يفضل الذمي فيما يرضخ له. قلنا: لأن استحقاق السلب بعد التنفيل إما أن يكون بالقتل أو بالإيجاب من الإمام ولا تفاوت بينهما في ذلك. بخلاف استحقاق الغنيمة فإنه باعتبار معنى الكرامة. ألا ترى أن في الاستحاق بالتنفيل يسوى بين الفارس والراجل وذلك لا يدل على أنه يجوز التسوية بينهما في استحقاق الغنيمة. ولو كان الأمير قال: من قتل قتيلاً فله سلبه. فسمع ذلك بعض الناس دون البعض. ثم قتل رجلاً قتيلاً فله سلبه وإن لم. . . الإمام لأنه ليس في وسع الإمام إسماع كل واحد منهم. وإنما في وسعه أن يجعل الخطاب شائعاً وقد فعل. فيكون هذا كالواصل إلى كل من تناوله الخطاب حكماً. ألا ترى أن أبا قتادة رضي الله عنه كان قتل قتيلاً يوم حنين قبل أن يسمع التنفيل ثم أعطاه رسول الله عليه السلام سلبه على ما روينا. ولأن سماع الخطاب إنما يشترط لدفع الضرر عن المخاطب وفي هذا محض منفعة له. لو بعث سرية وقال لأميرهم. لكم نفل الربع فإن إعلام أميرهم كإعلام جماعتهم. وكذلك لو سمع بعضهم دون بعض فإن لم يسمع أحد منهم ولا من غيرهم لم يكن له نفل لأن المقصود بالتنفيل التحريض على القتال ولا يحصل هذا إذا لم يسمع كلامه أحد. فهو نظير ما لو تفكر هذا في نفسه ولم يتكلم به فأما إذا سمع أميرهم أو بعضهم فقد حصل المقصود وهو التحريض. يوضحه: أن كلام الأمير يفشو إذا سمعه بعض الناس عادة. لأن السامع يبلغ من لم يسمع كما قال عليه السلام: " ألا فليبلغ الشاهد الغائب ". وأما ما لم يسمع منه أحد فلا يتصور أن يفشوا فلا يكون ذلك منه إشاعة الخطاب. ولو قال في أهل عسكره: قد جعلت لهذه السرية نفل الربع. ولم يسمع ذلك أحد من السرية ففي القياس: لا نفل لهم لأن المقصود وهو التحريض لا يحصل إذا لم يسمعه أحد منهم. فتكلمه بذلك مع أهل العسكر وتكلمه به مع عياله ليلاً أو في نفسه وحده سواء فيما هو المقصود بالتنفيل. وفي الاستحسان: لهم النفل. لما بينا أن ما يتكلم به الإمام في أهل عسكره فإنه يفشو أو كأنه أمرهم بتبليغ أهل السرية به دلالة. وليس في إثبات هذا الحكم في حقهم قبل التبليغ إضرار بهم وإن كان الأولى التبليغ لهم ليتم معنى التحريض يوضحه أن أصحاب السرية قد يكونون قوماً لا يخاطبهم الإمام بنفسه عادة. ومن عادة الملوك أنهم يتكلمون بين يدي خواصهم بما يريدون أن يظهر للعامة فبهذا الطريق يصير هذا منه بمنزلة إشاعة الخطاب والأمر إياهم بالتبليغ. ولو قال الأمير: من قتل قتيلاً فله سلبه ثم لحقهم مدد من المسلمين فقتل رجل من المسلمين منهم قتيلاً كان له سلبه لأن المدد في استحقاق الشركة في الغنيمة يكون كالحضر وقت التنفيل فله سلب قتيله علم بمقالة الأمير أو لم يعلم. ولو كان جاء مع المدد أمير آخر وعزل الأمير الأول بطل التنفيل فيما يستقبلون لأن صحة تنفيه باعتبار ولايته وقد زالت ولايته بالعزل. والعارض قبل حصول المقصود بالشيء كالمقترن بأصل السبب. ولو كان معزولاً حين نفل لم يعتبر تنفيله. فكذلك إذا صار معزولاً بعد التنفيل قبل القتل أو بعد بعث السرية قبل إصابة الغنائم. فأما إذا أصابوا الغنائم قبل أن يصير الأول معزولاً فلهم النفل من ذلك لأن المقصود قد تم بالتنفيل قبل العزل. ثم إذا كان الأمير الأول قد أخبر بأن الأمير الثاني قادم بعزله فما دام بالبعد من معسكره لا يصير هو معزولاً. فإذا صار قريباً من المعسكر بحيث يغيث أهل العسكر إن طلبوا منه فإنه يصير معزولاً ويبطل نفل الأول لأنه لما قرب منهم فكأنه خالطهم وهذا لأنه بعد ما بعث الخليفة الثاني بعزل الأول إنما لا ينعزل الأول ما لم يقرب منهم لحاجة أهل العسكر إلى من يدبر أمورهم. والثاني عاجز عن ذلك لبعده عنه. فإذا قرب منهم فقد ارتفع هذا المعنى. ولو لم يقدم عليهم أمير آخر ولكن مات أميرهم فأمروا عليهم أميراً آخر وكان الأول قد نفل لهم لم يبطل حكم تنفيله لأن الثاني خليفة الأول قائم مقامه ولا يبطل شيء مما صنعه الأول. إلا أن يبطل ذلك الأمير الثاني. فإن أبطله بعلم المخاطبين بطل لأنه بمنزلة الأول. ولو أبطل الأول ذلك بعلمهم بطل. فكذل الثاني. ولو كان الخليفة قال لهم: إن مات أميركم أو قتل فأميركم فلان. فهذا صحيح لأنه تعليق الإطلاق بالشرط. فيصح كالعتق والطلاق. والأصل فيه ما روي أن النبي عليه السلام قال يوم مؤتة: " إن قتل زيد فجعفر أميركم وإن قتل جعفر فإن رواحة أميركم ". الحديث. ثم في هذا الفصل إذا مات الأول بطل تنفيله لأن الثاني نائب الخليفة بتقليده من جهته فكأنه قلده ابتداء بعد موت الأول بخلاف ما سبق وهذا لأن التنفيل رأي رآه الأول وحكم رأيه ينقطع برأي فوق رأيه وهو تقليد الخليفة للثاني. فأما في الفصل الأول فلم يعترض على رأيه رأي فوقه إنما نظر الجند له ولأنفسهم في نصب خليعة. فيبقى حكم رأيه باعتبار خليفته كما لو استخلف هو بنفسه. ألا ترى أن في الاستخلاف في الصلاة لا فرق بين أن يفعله الإمام الأول وبين أن يفعله القوم فهذا مثله. ولو قال لأهل العسكر: من قتل منكم قتيلاً فله سلبه ثم لحق بهم مدد أو تجار أو قوم أسلموا من أهل الحرب. فقتل رجل منهم قتيلاً ففي القياس: لا يستحق السلب لأنه خص الحاضرين بالخطاب بقوله: منكم بخلاف ما سبق فقد عم الخطاب هناك بقوله: من قتل قتيلاً. وذلك يتناول الحاضر ومن يحضر. وفي الاستحسان: له السلب لأنه ما قصد الحاضرين لأعيانهم بل لتحريضهم على القتال وفي هذا المعنى من يحضر ومن حضر سواء. ألا ترى أن الذين لحقوا بهم شركاؤهم فيما أصابوا قبل ذلك إذا قاتلوا وجعلوا كالحاضرين وقت الإصابة. فكذلك هم شركاؤهم في حكم التنفيل وجعلوا كالحاضرين وقت التنفيل. ولو كان في العسكر قوم مستأمنون فإن كانوا دخلوا بإذن الإمام فهم بمنزلة أهل الذمة في استحقاق الرضخ واستحقاق النفل إذا قاتلوا. وإن كانوا دخلوا بغير إذن الإمام فلا شيء لهم مما يصيبون من السلب ولا من غيره بل ذلك كله للمسلمين لأن هذا الاستحقاق من المرافق الشرعية لمن هو من أهل دارنا فلا يثبت في حق من ليس من أهل دارنا إلا أن يكون الإمام استعان بهم فباستعانته بهم يلحقون بمن هو من أهل دارنا حكماً. ونظيره الركاز والمعدن. فإن المستأمن إذا استخرج ذلك من دارنا بغير إذن الإمام أخذ كله منه وإن استخرجه بإذن الإمام فهو بمنزلة الذمي يخمس ما أصاب والباقي له. ولو أن قوماً من المسلمين دخلوا دار حرب غير دارهم على إثر جيش من المسلمين وكانوا أهل منعة فأصابوا غنائم وأصاب المسلمون أيضاً غنائم ثم خرجوا فما أصاب المسلمون يخمس والباقي بينهم على سهم الغنيمة. وما أصاب المستأمنون فهو لهم لا خمس فيه لأن إصابتهم لذلك لم تكن على وجه إعزاز الدين. وإنما يخمس المصاب إذا أصيب بأشرف الجهات وهذا لا يتحقق في مصاب المسلمين دون مصاب المستأمنين وإنما كان ذلك منهم اكتساباً محضاً فيسلم لهم كسبهم بخلاف ما سبقه فالإصابة هناك كانت بمنعة المسلمين لأن المستأمنين إنما قاتلوا تحت رايتهم والاستعانة بهم بمنزلة الاستعانة بالكلاب فلهذا خمس جميع المصاب. ولو كان الذين فعلوا ذلك قوم من أهل الذمة لهم منعة جمع ما أصاب الفريقان أخرج خمسه والباقي غنيمة بينهم جميعاً لأن أهل الذمة من أهل دارنا فإنما يقاتلون للذب عن دار الإسلام. ألا ترى أنه يجب علينا نصرة أهل الذمة إن قهروا إن قوينا على نصرتهم. وليس علينا ذلك في حق المستأمنين بعدما دخلوا دار الحرب. يوضحه: أن أهل الذمة تبع للمسلمين في السكنى حين صاروا من أهل دارنا فيكونون تبعاً للمسلمين فيما يصيبون في دار الحرب أيضاً. وقد تم الإحراز بالكل. فلهذا يخمس جميع المصاب. فأما المستأمنون لا يكونون تبعاً للمسلمين في السكنى حتى يتمكنوا من الرجوع إلى دار الحرب فكذلك في الإصابة. ولو أن حربياً في دار الحرب أخذ مالاً من مالهم ثم استأمن إلى أهل العسكر فله ما جاء به لأنه بنفس الأخذ ملك المأخوذ لا بقوة المسلمين فالتحق بسائر أمواله. وكذلك لو أسلم بعد الأخذ وصار ذمياً وخرج إلى دارنا مع العسكر فذلك المال له لأنه ما أصاب بقوة المسلمين فلا يثبت حقهم فيه وروي أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه كان فعل ذلك فإنه قتل الذين صحبوه في السفر وأخذ أموالهم وجاء إلى المدينة وأسلم فلم يخمس رسول اله صلى الله عليه وسلم ذلك المال ولم يأخذ منه شيئاً. وروي أنه قال له: " أما إسلامك فمقبول وأما مالك فمال غدر لا حاجة لنا فيه ". وإنما قال ذلك لأنه كان غدر بهم. ولذلك قصة معروفة. ولو كان أسلم قبل إصابة المال ثم قتل بعضهم وأخذ ماله ولحق به العسكر فهو غنيمة بينه وبين أهل العسكر لأنه أصابه بقوة المسلمين وقد تم الإحراز بمنعة المسلمين. ولو فعل ذلك أحد من أهل العسكر سواه كان الحكم فيه هذا فكذلك إذا فعله الذي أسلم منهم. وكذلك لو خرج فصار ذمة للمسلمين ثم رجع فأصاب ذلك لأنه صار ذمة للمسلمين فهو بمنزلة الذمي الداخل مع الجيش من دار الإسلام وإنما تمكن من هذا المال بقوة المسلمين. وكذلك لو استأمن إلى أهل العسكر ثم عاد بإذن الأمير وفعل ذلك. لما بينا أنه بعد إذن الأمير بمنزلة الذمي فيما يصيب. ولو فعل بغير إذن الأمير كان ذلك لأهل العسكر إذا كان المستأمن غير أهل تلك الدار لأنه بمنزلة مستأمن دخل مع العسكر من دار الإسلام. وهذا لأنه لا منعة له فإنما أصاب ذلك بقوة المسلمين فيكون لهم بخلاف ما إذا كان المستأمنون أهل منعة. ولو أن العسكر أسروا الأسراء من العدو فقال الأمير: من قتل قتيلاً فله سلبه فقتل أسير رجلاً من العدو فسلبه من الغنيمة إن لم يقسم الأمير الأسراء وإن كان قسمهم أو باعهم فالسلب لمولى القاتل لأن بالقسمة صار عبداً له وسلب قتيله كسبه فأما قبل القسمة فالأسير من الغنيمة. فسلب قتيله يكون من الغنيمة أيضاً والله أعلم.
وإذا قال الأمير: من أصاب أسيراً فهو له فأصاب رجل أسيرين أو ثلاثة فهم له لأن صيغة كلامه عامة في المصيب والمصاب جميعاً. وكذلك لو قال: إن أصاب إنسان منكم أسيراً فهو له لأنه صرح بما يدل على التعميم في المصيب والمصاب وفي مثله لا فرق بين حرف الشرط وحرف من وقوله: إنسان. لما لم يصمد عيناً به كان للجيش حتى إذا أصاب جماعة أسيراً واحداً فهو لهم باعتبار هذا المعنى. ولو قال: من أصاب منكم عشرة أرؤس فهم له. فأصاب رجل منهم عشرين رأساً فهم له كلهم. للتصريح بما يوجب التعميم. وهذا كله بمنزلة قوله: من أصاب شيئاً فهو له. ولو قال: من أصاب عشرة أرؤس فله عشرهم. فأصاب رجل عشرين فله عشر ما أصاب. وذلك رأسان. وكذلك لو قال: من أصاب عشرة أرؤس فله رأس منهم ثم أصاب رجل عشرين فله رأسان. وإن أصاب عشرة فله رأس وإنما يعطى الوسط مما أصاب لا يعطى أرفعهم ولا أخسهم لأن الأمير أوجب له ذلك بإزاء منفعة المسلمين بعمله وذلك التسعة التي تبقى لهم وتسمية الرأس مطلقاً بمقابلة ما ليس بمال ينصرف إلى الوسط كما في الخلع والصلح عن دم العمد. ولأن الإمام مأمور بالنظر له وللمسلمين وفي إعطاء أرفعهم إياه ترك النظر للمسلمين. وفي إعطاء الأخس ترك النظر له فيعطيه الوسط ليعتدل النظر. وخير الأمور أوساطها. وإن أصاب خمسة أرؤس أعطي نصف واحد من أوساطها اعتباراً للبعض بالكل. فإن قيل: الإمام شرط لاستحقاقه المجيء بعشرة أرؤس والشرط لا ينقسم على المشروط باعتبار الأجزاء فإذا أتى بما دون العشرة ينبغي أن لا يستحق شيئاً. قلنا: لا كذلك ولكنه أوجب له ذلك بمقابلة منفعة المسلمين بعمله فبقدر ما يحصل من المنفعة للمسلمين يعطيه من المسمى. وهذا لأن المقصود من التنفيل التحريض على الأخذ والأسر. وهذا المقصود لا يحصل إذا اعتبرنا الشرط صورة لأنه إذا تمكن من أخذ تسعة فلعم أنه لا يستحق شيئاً لو جاء بهم لم يرغب في ذلك لأنه يحتاج إلى معالجة ومؤنة فإذا علم أن نصيبه فيه كنصيب سائر الغانمين قل ما يرغب في التزام ذلك. فإنما تمام معنى التحريض في اعتبار ما قلنا أنه يستحق بقدر ما جاء به. أرأيت لو قال: من قتل منكم عشرة فله عشر أسلابهم. فقتل تسعة أما كان يستحق المسمى بحساب ما قتل فكل أحد يعلم أنه لم يكن مقصود الإمام اشترط العشرة لأن الواحد قل ما يتمكن من قتل عشرة منهم أو أخذ عشرة أرؤس. ولو أصاب رجلان عشرة أرؤس فلهما واحد من أوساطهم لأن تمام المنفعة المشروطة للمسلمين كان بهما. فالمسمى يكون مشتركاً بينهما أيضاً. ولو قال لرجل من أهل العسكر: إن أصبت رأساً فهو لك. فأصاب رأسين لم يكن له إلا واحد منهما لأنه أخرج الكلام مخرج الخصوص في المصيب والمصاب فينتفي معنى العموم عنه فيهما. ثم إن أصابهما على الترتيب فله أولهما وإن أصابهما معاً فله أن يختار أفضلهما لأنه لو لم يصب إلا الأفضل كان سالماً له فلا يحرم ذلك بإصابة آخر معه. ولو قال: إن أصبت عشرة أرؤس فلك منهم رأس فأصاب عشرين لم يكن له إلا رأس واحد لاعتبار معنى الخصوص في كلامه. فإن أصاب بعضهم قبل بعض فله واحد من العشرة الأولى من أوساطهم وإن أصابهم معاً فله واحد من أوساطهم. فإن قيل: لماذا لم يكن له أن يختار الأفضل هنا كما في المسألة المتقدمة قلنا: لأن هناك ما شرط عليه منفعة المسلمين بمقابلة ما أوجب له وهنا قد شرط ذلك عليه حين سمى له جزاء مما يأتي به فلهذا يعتبر الوسط هاهنا. وإن أصاب خمسة فله نصف رأس من أوساطهم. اعتباراً للبعض بالكل وتحقيقاً لمراعاة معنى التحريض. ولو قال لعشرة من العسكر: إن أصبتم عشرة أرؤس فلكم منها راس. فهذا وقوله للواحد سواء في جميع ما ذكرنا لأنه لما جمع بينهم في ذكر الإصابة فقد خصهم والتخصيص في المصيب يدل على التخصيص في المصاب لكونه مبنياً عليه. ولو قال لعشرة: إن أصاب رجل منكم عشرة أرؤس فله منها واحد فأصاب رجل عشرين رأساً فله رأسان من أوساطهم لأنه أفرد كل واحد بالإصابة وجعل خطابه عاماً فيهم. فتعميم الخطاب في المصيبين يثبت حكم العموم في المصاب كما لو خاطب به جميع أهل العسكر. ألا ترى أن هنا لو أصاب كل رجل منهم عشرة أرؤس كان لكل رجل منهم رأس مما أصاب فكذلك إذا أصاب المائة واحد منهم يكون له عشرة أرؤس. ولو قال لرجل واحد: ما أصبت من عشرة أرؤس فلك منهم واحد فأصاب عشرين فله رأسان من أوساطهم لأن كلمة ما توجب العموم ولا يمكن إثبات العموم به في المصيب لأنه خص الواحد به. فأثبتنا العموم به في المصاب بخلاف قوله إن أصبت لأنه ليس في كلامه ما يوجب العموم صورة ولا معنى. ولو قال لرجل من أهل العسكر: يا فلان إن قتلت هذا الذي برز من المشركين فلك سلبه. فسمع ذلك رجل آخر من المسلمين فبرز للمشرك وقتله لم يكن له سلبه لأن الأمير خص به من خاطبه والاستحقاق باعتبار تنفيله. والتنفيل قابل للتخصيص فيجعل في حق غيره كأن التنفيل لم يوجد أصلاً. فلو قتله المخاطب بالتنفيل مع مسلم آخر كان للمخاطب نصف السلب والنصف الآخر في الغنيمة لأن كل واحد منهما قتل نصفه والبعض يعتبر بالكل في حق كل واحد من القاتلين.
ولو قال الأمير: من جاء منكم بشيء فله منه طائفة. فجاء رجل بمتاع أو ثياب أو برءوس فذلك إلى الأمير يعطيه من ذلك بقدر ما يرى على وجه النظر منه لم جاء به ولأهل العسكر لأنه عبر عما يأتي به بأعم ما يكون من أسماء الموجودات وهو اسم الشيء فيتناول كل ما يأتي به. وقد أوجب له طائفة من ذلك. وذلك اسم لجزء مجهول. إلا أن هذه الجهالة لا تمنع صحة الإيجاب فيما كان مبنياً علىالتوسع وبعد صحة الإيجاب البيان إلى الموجب أو إلى من يقوم مقامه. والموجب الإمام هنا. وهو مأمور بالنظر للكل. فينبغي أن يبين على وجه يراعى النظر فيه ويكون ذلك البيان مقبولاً منه بمنزلة من أوصى للإنسان بطائفة من ماله فإن الوارث يعطيه من ذلك ما يشاء لأنه قائم مقام الموجب فإن لم يكن له وارث فميراثه للمسلمين. ويكون ذلك إلى الإمام يعطيه ما يشاء على وجه النظر له وللمسلمين. ولو قال: من جاء بشيء فله منه شيء أو له منه قليل أو يسير فهو على قياس ما سبق. إلا أنه لا ينبغي للأمير هنا أن يبلغ ما يعطيه نصف ما جاء به لأنه أوجب له يسيراً مما جاء به أو قليلاً أو شيئاً منكراً وذلك دليل القلة أيضاً والقلة والكثرة من الأسماء المشتركة إنما تظهر بالمقاتلة. فالقليل من الشيء دون نصفه حتى إذا قوبل بما بقي منه كان ما بقي أكثر. ولو قال: من جاء بشيء فله منه جزء فذلك إلى الأمير أيضاً. إلا أنه لا يزيده على النصف هنا وله أن يبلغ به النصف لأن أدنى ما يكون جزء من جزءين وذلك النصف. ولو قال: بعضه فهو بمنزلة قوله: وله طائفة لأن الأقل والأكثر يكون بعض الشيء وطائفة منه فليس في اللفظ ما يدل على شيء من ذلك. فلهذا كان الرأي فيه إلى الإمام. ولو قال: من جاء بشيء فله منه سهم. ففي قياس قول أبي حنيفة رضي الله عنه يعطيه سدس ما جاء به لأن السهم عنده عبارة عن السدس حتى قال: إذا أوصى رجل لرجل بسهم من ماله لم ينقص حقه عن السدس. وذلك مروي عن ابن مسعود رضي الله عنه فأما على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله في الوصية: له سهم كسهام أحد الورثة. وهو قول شريح رحمه الله. وقد بينا هذا في الوصايا. وهنا على قياس قولهم: إذا قال فله سهم يعطيه قدر ما يرى بعد أن لا يزيده على النصف بمنزلة الجزء لأن الأدنى سهم من سهمين. كجزء من جزءين. وإن قال: فله سهم رجل من القوم كان له مقدار سهم راجل. وإن كان في القوم فرسان ورجالة لأنه لا يعطى إلا القدر المتيقن وهو الأقل. بمنزلة ما لو أوصى بسهم من ماله وقد ترك خمس بنين وخمس بنات فإنه يكون للموصى له سهم كسهم إحدى البنات حتى تكون القسمة من ستة عشر سهماً. ولا يعطى إلا الأقل لكونه متيقناً به فكذلك هنا. ثم في جميع هذا إذا أخذ نفله فالباقي بينه وبين أهل العسكر على سهام الغنيمة. ولا يحرم سهمه باعتبار ما أوجب له من النفل. فإن قيل: فإذا كان هو شريكاً فيما يأتي به كيف يستحق النفل هذا يمتنع إذا كان النفل عوضاً والغازي فيما ينكئ في العدو لا يستحق عوضاً بالشرط وإنما يستحق ذلك بطريق التنفيل للتحريض ثم هو شريك القوم فيما بقي باعتبار معنى الكرامة. ولو قال: من جاء بألف درهم فله ألفا درهم. فجاء رجل بما قال لم يكن له غير ما جاء به لأن معنى التحريض والنظر متعين في إيجاب جميع ما يأتي به له أو بعضه فأما الزيادة على ذلك فليس فيه من معنى التحريض شيء فلا يستحق. وكذلك هذا في كل ما يشترط عليه المجيء به مما لا مقصود فيه سوى العالية كالدنانير والوصفاء والأفراس وما أشبه ذلك. فإنه إذا كان قيمة ما جاء به دون ما أوجب له لم يستحق إلا بقدر قيمة ما جاء به. ولو قال: من جاء بأسير فهو له وخمسمائة درهم. فهذا صحيح ويعطى الخمسمائة مما يغنمون بعد هذا. بخلاف ما سبق لأن المقصود هنا الكناية في العدو بأسر المبارزين منهم وفيما تقدم لا مقصود سوى المالية ألا ترى أنه لو قال: من جاء ببطريق فهو له وألف دينار أو قال: من جاء بالملك فهو له وعشرون رأساً فجاء به رجل استحق من الغنيمة ما سمي له وإن كان أكثر مما جاء به لحصول معنى الكناية بفعله. ألا ترى لو قال: من قتل الملك فله عشرة آلاف دينار فقتله رجل أعطي ذلك وإن لم يحصل للمسلمين بقتله شيء من المال. ولو نظر إلى مشرك على سور الحصن يقاتل فقال: من صعد السور فأخذه فهو له وخمسمائة درهم ففعل ذلك رجل استحق ما سمي له لأن المقصود النكاية في العدو بفعله وقد حصل. فإن وقع الرجل من فوق السور إلى الأرض خارجاً من الحصن في موضع يمتنع فيه من المسلمين فأخذه رجل من المسلمين أو قتله لم يكن له شيء لأن الأمير أوجب له ذلك إذا صعد السور فأخذه وقتله وفي ذلك من النكاية في العدو ما لا يحصل إذا قتله بعدما وقع على الأرض خارجاً من الحصن. أرأيت لو وقع وسط المسلمين حيث لا يمتنع منهم فقتله رجل أكان يستحق شيئاً ولو وقع في داخل الحصن فصعد إليه رجل فأخذه أو قتله استحق النفل لأنه أتى بالمشروط عليه وزيادة. ولو كان على السور على حاله فطعنه حتى رمى به إلى المسلمين في موضع يمتنع فيه من المسلمين ثم أخذه فقتله كان له النفل لأنه أتى بالمشروط عليه معنى فإنه سقط من الحصن بفعله فكان هذا والصعود إليه قريباً من السواء. ألا ترى أنه لو توهقه حتى جرده فألقاه من السور ثم قتله فإنه يستحق نفله. ولو كان الأمير قال: من أخذه فهو له. ولم يذكر صعوداً إليه. فوقع من السور خارجاً من الحصن. فإن كان في موضع لا يمتنع فيه من المسلمين فقد صار مأخوذاً بجماعتهم فلا يعتبر فيه فعل الأخذ بعد ذلك. وإذا كان في موضع يمتنع فيه فإنما صار مأخوذاً بالآخذ فيكون له. ولو قال: من صعد الحصن ثم نزل عليهم فله خمس مائة درهم. ففعل ذلك رجل من استحق النفل. لحصول النكاية. وإن صعد فلم يستطع أن ينزل فرجع لم يكن له من النفل شيء لأن ما أتى به دون المشروط عليه في النكاية. ولو كان المسلمون على ثلمة في الحصن فقال الأمير: من دخل فيها فله عشرة دنانير. فدخل رجل ولم يقتل أحداً أخذ الدنانير لأنه أتى بما كان مشروطاً عليه. والمقصود النكاية فيهم وقد حصل. وإن دخل من ثلمة أخرى أو صعد حائطاً فنزل عليهم فإن كان فعل ذلك من موضع مثل هذا الموضع أو أشد فيما يرجع إلى جرأة الداخل والنكاية فيهم والمنفعة للمسلمين فله نفله لأنه أتى بالمشروط معنى وزيادة. وإن كان ذلك الموضع أيسر في الدخول من هذا الموضع أو أشد إلا أنه أقل منفعة للمسلمين لم يكن له النفل. وهو الأصل فيما ذكر إلى آخر الباب. أنه متى أتى بما هو أقل من المشروط عليه فيما يرجع إلى المقصود لا يستحق شيئاً. وإن كان مثله أو فوقعه يستحق مقدار ما سمي له حتى إذا قال: من جاء بألف درهم جياد فله منها مائة فجاء بألف غلة لم يكن له شيء لأن المقصود هنا منفعة المال وما جاء به دون المشروط عليه. ولو قال: من جاء بألف غلة فله منها مائة فجاء بألف جياد أخذ منها مائة غلة لأنه جاء بأنفع من المشروط عليه. ولكن لا يستحق إلا المسمى لأن الاستحقاق باعتبار التسمية. ولو قال: من جاء بألف جياد فهي له فجاء بألف غلة كانت له لأنه ما شرط للمسلمين علي منفعة هاهنا. فإنما يعتبر الصفة فيما جاء به لأجل منفعة المسلمين. فإذا كان المشروط له بعض ما جاء به اعتبر معنى المنفعة. فإذا كان جميع ما جاء به فلا معتبر بالصفة فيه ولو قال: من جاء بألف إلى فيه له فجاء بألف نقد بيت المال كان له ألف غلة لأن الاستحقاق باعتبار التسمية وهو ما أوجبه له فجاء بألف نقد بيت المال كان له ألف غلة لأن الاستحقاق باعتبار التسمية وهو ما أوجبه له أكثر من ألف غلة فما زاد على صفة ما أوجب له يكون في الغنيمة. وعلى هذا ذكر هنا بعده من قوله: من جاء بنقرة. M0ا من النفل الذي يستحق بقتل القتيل وإذا قال الأمير: من قتل قتيلاً فله سلبه. فضرب مسلم مشركاً فصرعه وأجتز آخر رأسه فإن كان الذي ضربه قتله واجتز الآخر رأسه بعد الموت فالسلب للضارب لأنه هو القاتل. فإن تمام فعل القتل بالمقتول. وقد صار مقتولاً بضربته. وإن كان لم يقتله وكان بحيث يقدر على التحامل مع ضربته أو العون بالكلام أو غيره فالسلب للذي أجتز رأسه لأنه هو القاتل. فإنه بعد فعل الأول كان مضروباً مقتولاً. وإنما صار مقتولاً بعد فعل الثاني. والإمام لم يقل: من صرعه أو ضربه. وإنما قال: من قتله. فإن قيل: لولا فعل الأول لما تمكن الثاني من جز رأسه. قلنا: ولولا خروجه إلى هذا الموضع ما تمكن القاتل من قتله فيه ثم بهذا لا يتبين أنه يكون قاتلاً نفسه. أرأيت لو توهقه إنسان فرمى به عن برذونه ولم يخرجه فوثب آخر فجز رأسه أكان القاتل هو الأول لا ولكن القاتل من جز رأسه وإن كان لولا ما سبق من فعل الآخر لم يتمكن منه. وكذلك إن كان ضربه الأول بحيث يعلم أن آخره يكون إلى الموت إلا أنه ربما عاش يوماً أو يومين فاجتز آخر رأسه فالسلب للثاني لأنه هو القاتل حقيقة. ألا ترى أن في نظيره في قتل العمد يكون القود على الثاني ويجعل فعله الثاني في حق الأول كالبرء لأنه قاطع لسراية فعل الأول. واستدل عليه: بحديث عمر رضي الله عنه فإن الذي ضربه في المحراب أصاب مقتله حتى شرب اللبن فخرج من جرحه وعلم أن آخر أمره إلى الموت. ومع هذا كن حياً ما لم يمت حتى لو مات له ولد ورثه عمر ولم يرث ذلك الولد منه شيئاً. وإن كان الأول ضربه فنثر ما في بطنه فألقاه أو قطع أوداجه إلا أن فيه الروح بعد فاجتز الآخر رأسه فالسلب للذي ضربه لأنه صار بمنزلة الميت بفعل الأول والذي بقي فيه بمنزلة اضطراب المذبوح فلا يعتبر به. ألا ترى أن الذئب لو عدى على شاة فقطع أوداجها أو نثر ما في بطنها ثم أدركها صاحبها فذبحها لم يحل أكلها وإن كانت تضطرب عند الذبح. ومثله لو عقرها الذئب عقراً يعلم أن آخر ذلك الموت إلا أنها تعيش يوماً أو يومين فذبحها صاحبها جاز أكلها. وهو معنى قوله تعالى: وذلك مروي عن ابن عباس رضي الله عنه في شاة بقر الذئب بطنها فخرج قصبها فأدركها صاحبها فذبحها. قال: لا بأس بأكلها. وهذا لأن المتيقن به لا يتبدل إلا بمثله. فالروح قبله كان متيقناً به فلا يحكم بموته إلا بفعل يتيقن به بأنه لا يبقى فيه الروح بعده وما يتوهم أن يعيش بعده يوماً أو أكثر ليس بهذه الصفة فلا يجعل مقتولاً بل إنما يجعل مقتولاً بحز الرأس. فإن قال الذي اجتز رأسه: اجتززت رأسه قبل أن يموت وقال الضارب: بل اجتززت رأسه بعد ما مات فإنه يجعل القول قول من يشهد له الظاهر فإن كان فعل الضارب على نحو ما ذكرنا من قطع الأوداج أو إلقاء ما في البطن فالقول قوله لأنا نتيقن أن فعله قاتله وفعل الثاني كذلك. وعند المساواة في الأثر يترجح الأول بالسبق. وإن كان فعل الأول بحيث يعاش من مثله يوماً أو أكثر فالقول قول الثاني والسلب له. لأنا نتيقن أن فعل الثاني قتل ولا نتيقن به في فعل الأول ولا معارضة بين الأضعف والأقوى فإنما يحال بزهوق الروح على الأقوى الذي نتيقن به. وإن كانت جراحة الأول مشكلة أو كان خفي عليه موضعها من الجسد أو أخذه أصحابه فاحتملوه فالسلب للذي اجتز رأسه لأنا نتيقن بأن فعله قتل وفي فعل الأول تردد إذا لم يوقف على صفته والمتردد لا يعارض المتيقن به لأن من علم حياته يقيناً لا يعمل يجعل ميتاً إلا بتيقن مثله وذلك بعد فعل الثاني. ولو أن مسلماً احتمل رجلاً من المشركين عن فرسه حتى جاء به إلى صف المسلمين ثم ذبحه لم يكن له سلبه ولم يحل له أن يقتله لأنه لما جاء به إلى الصف حياً فقد صار هذا أسيراً للمسلمين ولا يحل قتل الأسير بغير إذن الإمام لأن للإمام في الأسير رأي بين أن يقتله وبين أن يجعله فيئاً. ولم يكن مقصود الإمام من قوله: من قتل قتيلاً فله سلبه الأسير وكيف يكون قصده هذا وإنما نفل للتحريض. وقتل الأسير بغير إذن الإمام لا يحل شرعاً. فلو كان حين احتمله أنزله عن دابته فقتله بين الصفين كان له سلبه لأنه قتل مقاتلاً على وجه المبارزة فإنه لم يصر أسيراً بمجرد إنزاله عن دابته. ألا ترى أنه لو أخذه لكان ينتصف منه في ذلك الموضع بخلاف الأول فإنه بعدما حصل في صف المسلمين فقد صار مقهوراً لا ينتصف من المسلمين وإن لم يكن مأخوذ هذا الرجل. والذي يوضح الفرق أنه لو أسلم بعدما جاء به إلى صف المسلمين كان عبداً للمسلمين. ولو أسلم بين الصفين بعدما أنزله عن دابته كان حراً لا سبيل عليه. وكذلك لو توهقه حتى أنزله عن دابته ثم قتله بين الصفين فله سلبه فلو جره بوهقة إلى صف إلى صف المسلمين ثم قتله لم يكن له سلبه إلا أن يكون المشرك ممتنعاً مع ذلك يعالج نفسه ويقاتله بعدما أتى به صف المسلمين فقتله فحينئذ يستحق سلبه لأنه لم يتم أسره بعد إذ كان ممتنعاً مقاتلاً. ألا ترى أنه لو حمل فوقع في صف المسلمين وهو يقاتل مع ذلك فقتله إنسان استحق سلبه ولو أسلم حين وقع في الصف وألقى سلاحه ثم قتله رجل لم يكن له سلبه لأنه صار أسيراً مقهوراً بما صنعه. ولو قال الأمير حين اصطف الفريقان للقتال: من جاء برأس فله مائة دينار. فهذا جائز وهو على رءوس الرجل ليس على السبي لأن المقصود في هذه الحالة التحريض على القتال. ومطلق الكلام يتقيد بما هو المعلوم من دلالة الحال. فكل من قتل إنساناً وجاء برأسه استحق النفل من الغنيمة كما سمى له الإمام. فإن جاء رجل برأس وقال: أنا قتله. وقال آخر: بل أنا قتلته وهذا أخذ برأسه فالقول قول الذي جاء بالرأس لأن الظاهر شاهد له. فإن تمكنه من جز رأسه والمجيء به دليل على أنه هو القاتل. فالقول مع يمينه. فإن قيل: بالظاهر يدفع الاستحقاق وحاجته إلى إثبات الاستحقاق. قلنا: نعم ولكن التكيف بحسب الوسع وهو عند قتل المشرك لا يمكنه أن يشهد على ذلك شاهدين عادة فلا بد من تحكيم العلامة لاستحقاقه. وإن أقام الآخر البينة أنه هو الذي قتله فالسلاب له لأنا علمنا أن مقصود الأمير التحريض على القتل وحث المبارزين على ما لا يقدر عليه غيرهم وذلك فعل القتل دون جز رأس المقتول فكأنه جعل قوله: من جاء برأس كناية عن هذا واللفظ متى صار مجازاً عن غيره بدليل سقط اعتباراً حقيقته. أرأيت أنه لو قتل مشركاً فاجتره أصحابه إليهم. فلم يقدر على رأسه أو ضرب رأسه فأندره فوقع في نهر فذهب به الماء أكان لا يستحق السلب لهذا. أرأيت لو ضرب رأسه فأندره فوقع في كف آخر أكان السلب للذي وقع في كفه. لا ولكنه للقاتل. ولو جاء برأس فقال بعض الناس: هذا رجل مات فاجتز رأسه. وقال الذي جاء برأسه: بل قتلته فالقول قوله مع يمينه لأنا وجدنا معه علامة يستدل بها على أنه هو القاتل وتحكيم العلامة في مثل هذا أصل. ولو قال بعض الناس: هذا رأس مسلم نظر إلى السيماء. فإن كانت عليه سيماء المشركين فله النفل وإلا فلا لأن تحكيم السيماء فيما يحكم فيه بالعلامة أصل بدليل ما إذا اختلط موتى المسلمين بموتى المشركين فإن تحكيم السيماء في الصلاة عليهم والدفن. وإن أشكل فلم يدر أرأس مسلم هو أو رأس مشرك لم يعط شيئاً حتى يعلم أنه رأس مشرك بدليل ما إذا اختلط موتى المسلمين بموتى المشركين فإن تحكيم السيماء فيما يحكم فيه بالعلامة أصل بدليل ما إذا اختلط موتى المسلمين بموتى المشركين فإن تحكيم السيماء في الصلاة عليهم ودفن. وإن أشكل فلم يدر أرأس مسلم هو أو رأس مشرك يعط شيئاً حتى يعلم أنه رأس مشرك لأن معه علامة يستدل بها على أ ه مشرك وبدونه لا يستحق القاتل فما لم يعلم بما هو المشروط لا يستحق شيئاً. وإن جاء برأس يزعم أنه قتله ومعه آخر يزعم أنه قتله فالقول قول الذي في يده الرأس مع يمينه. فإن حلف أخذ النفل وإن نكل ففي القياس لا نفل لكل واحد منهما لأن الناكل قد صار مقراً أنه لا حق له ولم يجد مع الآخر علامة يستدل بها على أنه قاتل إذ الرأس لم يكن في يده وحاجته إلى نكول الناكل كإقراره. ولو أقر أن القاتل هذا بعدما جحد أو قيل أن بجحد كان النفل له. فكذلك إذا نكل عن اليمين والمعنى في الكل أن الذي جاء بالرأس مستحق للنفل بوجود العلامة معه فهو بإقراره أو نكوله حول ما كان مستحقاً له إلى الثاني وذلك صحيح. كمن أقر بعين لإنسان وقال المقر له: ليس لي ولكنه لفلان فإنه يكون للمقر له الثاني ويجعل محولاً إليه ما صار مستحقاً له بإقراره. وكذلك لو جاء رجلان برأس وهما يزعمان أنهما قتلاه فالنفل بينهما سواء كان الرأس في أيديهما أو في يد أحدهما وهو مقر أنهما قتلاه لأن العلامة ظهرت في حقهما بتصادقهما أو بكون الرأس في أيديهما. وإن قال الذي في يده الرأس: قتلته أنا وهذا الرجل وقال الآخر: قتلته دونه فالنفل لهما لأن العلامة لمن في يده الرأس. وهو ما حول بإقراره إلى صاحبه إلا بنصف ما صار مستحقاً له. فيبقى استحقاقه للنصف الآخر. ولو جاء بالرأس وهما آخذان به وكان واحد منهما يقول أنا قتلته وحدي. استحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه لقطع المنازعة بينهما فإن نكل أحدهما فالنفل لصاحبه خاصة. فإن حلفا فالنفل بينهما نصفان. لاستوائهما في العلامة وهو المجيء بالرأس والاستحقاق مبني عليه. ولو نظر المسلمون إلى رجل يجتز رأس مقتول فقال: أنا قتلته. وحلف على ذلك أعطي نفله. لوجود العلامة معه. فإن كانوا رأوه جاء من موضع بعيد لا يقتله في مثل ذلك الموضع حتى اجتز رأسه وهو مقتول فهذا لا نفل له لأن تحكيم العلامة إنما يكون في موضع لا يعارضه دليل أقوى منه هاهنا وهو علمنا بأنه مقتول حال ما كان الرجل بالبعد منه على وجه لا يتمكن من ضربه. والذي سبق إلى وهم كل واحد في هذه الحالة أنه كاذب. فإن قال: إني كنت قتلته ثم قاتلت ثم رجعت إليه فجتززت رأسه لم يلتفت إلى قوله لأنه أخبر بما لا يشهد له الظاهر به وبما ليس معه علامة يستدل به على صدقه. فلو أعطي شيئاً إنما يعطى بمجرد الدعوى وذلك لا يجوز بالنص. ولو كان الأمير قال حين انهزم: من جاء برأس فله مائة درهم. فهذا أيضاً على رءوس الرجال لأن في انهزام المسلمين في آثارهم يقتلونهم. فالظاهر أن المراد التحريض على الاتباع والقتل. ولو قال الإمام: عنيت السبي لم يلتفت إلى قوله لأنه أضمر خلاف ما أظهر ولا طريق لهم إلى معرفة ما في ضميره فإنما يبنى الحكم في حقهم على ما أظهر وعلى ما عليه الغالب من الأمور إلا أن يبين فيقول: من جاء برأس من السبي فله كذا. وإن كانوا قد انهزموا وتفرقوا وكف المسلمون عن القتل وقال الأمير: من جاء برأس فله كذا فهذا على السبي لأنه قد انقضى وقت القتال. وإنما الآن وقت جمع الغنائم. فعرفنا أن مراده التحريض على الطلب والجمع. وإن قال: عنيت به رأس القتيل لم يلتفت إلى قوله لما بينا أن الحكم يبنى على ما هو الغالب من المراد في كل فصل. ولو قال في حالة القتال: من جاء برأسين فله أحدهما فهذا فله أحدهما فهذا على السبي لأنه ملكه بعض ما يأتي به. وذلك إنما يتحقق في السبي لا في رأس القتيل فإنه جيفة لا يحتمل التمليك ولا يحصل به معنى التحريض بخلاف ما إذا قال: فله مائة درهم لأن معنى التحريض على القتل هناك يحصل بما أوجب له. ولو قال: بطريق القوم قتل. فقال الأمير: من جاء برأسه فله مائة. فإن كان في موضع لا يقدر عليه إلا بقتال فقاتل رجل من المشركين عن رأسه حتى جاء به فله النفل. وكذلك إن كان في موضع يخالف فيه أن يقاتل المشركون عنه فأخذه وجاء به ولم يقاتلهم فله النفل لأنا نعلم أن مقصود الأمير التحريض على أن يأتي برأسه فقد أتى به وفي هذا كبت وغيظ للعدوا لأنه قصد أن ينصب رأس بطريقهم حتى يعلم أنه قتل فتنكسر شوكتهم. وهذا نوع من الجهاد فيستحق النفل عليه. فإن تنحى العدو عن ذلك الموضع فذهب رجل حتى اجتز رأسه وجاء به من موضع لا يخاف فيه العدو فليس له قليل ولا كثير لأن فعله هذا ليس بجهاد وإنما هذا من الأمير على وجه الاستئجار بحمل الجيفة إليه ولم يصمد لقوم بأعيانهم وإنما قال: من جاء برأسه وفي مثل هذا الاستئجار باطل. فإن عمد لرجل بعينه فقال: إن جئتني برأس البطريق فلك كذا أو لقوم بأعيانهم فقال: أيكم جاء برأسه فله كذا والمسألة بحالها. فللذي جاء به أجر مثله لا يجاوز به ما سمي له لأن هذا كان من الإمام على وجه الاستئجار ولكنه أجارة فاسدة. فإن مقدار العمل كان مجهولاً لأنه ما كان يعلم موضعه حين استأجره. والحكم في الإجازة الفاسدة وجوب أجر المثل عند إقامته العمل ولا يجاوز به ما يسمى له لأنه قد رضي بالمسمى. وإنما يعطيه ذلك من الغنيمة لأنه استأجره لمنفعة المسلمين. فإن مقصوده أن ينصب رأسه لتنكسر قلوبهم فلا يكروا على المسلمين. فهو بمنزلة ما لو استأجر رجلاً ليدلهم على الطريق أو يسوق الغنم أو الرمك أو ليحمل الأمتعة ويعطيه ذلك مما غنموا قبل هذا لأن استحقاقه على وجه الأجر لا على وجه النفل وإنما الذي لا يجوز التنفيل بعد إحراز الغنيمة فإما الاستئجار لمنفعة المسلمين من غنائمهم بعد الإحراز فصحيح. والله أعلم. وإذا قال الأمير: من قتل قتيلاً فله سلبه. فقتل رجل أجيراً من المشركين لم يكن يقاتل معهم فله سلبه لأن المقصود بهذا التنفيل التحريض على القتال. فيتناول كل من يباح قتله منهم وقتل الأجير منهم مباح لأن بنية صالحة للقتال وهو يقاتل إذا احتيج إليه وإنما يتمكن القاتل من القتال بعلمه لأنه يهيئ له أسباب ذلك. وكذلك لو قتل تاجراً منهم أو عبداً كان مع مولاه يخدمه أو رجلاً كان ارتد ولحق بهم أو ذمياً نقض العهد ولحق بهم لأن قتل هؤلاء كلهم مباح. ولو قتل امرأة منهم لم يكن له سلبها لأن قتل النساء ممنوع منه شرعاً. على ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى امرأة مقتولة استعظم ذلك فقال: " هاه! ما كانت هذه تقاتل وقد علمنا أن الأمير لم يرد بكلامه التحريض على قتل من لا يحل قتله. إلا إذا علم أنها كانت تقتل فحينئذ له سلبها لأن قتلها مباح في هذه الحالة. ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم استعظم قتلها باعتبار أنها لا تقاتل. وكذلك الغلام الذي لم يبلغ منهم إن قتله مسلم فليس سلبه لأن قتل الصبيان منهم لا يحل فعلمنا أن الأمير لم يرد ذلك بالتحريض. إلا أن يعلم أنه يقاتل معهم. فحينئذ يباح قتله وللقاتل سلبه. ولو قتل مريضاً أو مجروحاً منهم فله سلبه سواء كان يستطيع القتال أو لا يستطيع لأنه مباح القتل في الوجهين فإنه يقاتل برأيه وإن كان عاجزاً عن القتال بنفسه في الحال لما به من المرض. فإن قتل شيخاً منهم. فإن كان شيخاً فاتياً لا يتوهم منه قتال بنفسه ولا برأيه ولا يرجى له نسل لم يكن له سلبه لأن مثل هذا لا يباح قتله. وإن كان بحيث يرجى له نسل أو كان له في الحرب رأي فهذا يباح قتله على ما روي أن دريد بن الصمة قتل وهو ابن مائة وستين سنة ولكن كان ذا رأي في الحرب فإذا كان بهذه الصفة فلقاتله سلبه. ولو قتل مسلماً كان في صف المشركين يقاتل المسلمين معهم لم يكن له سلبه لأن هذا وإن كان مباح القتل ولكن سلبه ليس بغنيمة لأن مال المسلم ومال المسلم لا يكون غنيمة للمسلمين بحال كأموال أهل البغي. فإن كان السلب الذي عليه للمشركين أعادوه إياه فذلك للذي قتله لأن ما عليه من السلب غنيمة وهو مباح القتل في هذه الحالة فيدخل في تحريض الإمام عليه. ألا ترى أنه لو صمد له نفسه فقال: إن قتلته فلك سلبه استحق ذلك فكذلك إذا عم به. ولو قتل صبياً أو امرأة وسلبه لرجل من المشركين لم يكن له سلبه لأنه لو كان السلب للقتيل لم يستحقه لا باعتبار أنه ليس بمحل الاغتنام بل باعتبار أن كلام الإمام لم يتناوله أصلاً وفي هذا المعنى لا فرق بين أن يكون السلب الذي عليه ملكاً أو عارية. ولو قتل رجلاً من المشركين يعلم أن سلبه لرجل آخر منهم أو امرأة أو شيخ أو صبي فالسلب للقاتل لأن الذي قتله مباح القتل والسلب الذي عليه محل الاغتنام لمن كان منهم فيستحقه القاتل بالتنفيل. ولو كان السلب الذي عليه لمسلم أو معاهد غير ناقض للعهد لم يكن له سلبه لأنه ليس بمحل الاغتنام وهذا إذا كان المسلم دخل إليهم بأمان. فإن كان لرجل منهم أسلم ولم يهاجر فالسلب للقاتل في قول أبي حنيفة رضي الله عنه لأن من أصله أن بمجرد الإسلام يصير ماله معصوماً في الإثم دون الحكم بمنزلة نفسه فما التقوم والعصمة عن الاغتنام فإنما يكون بالإحراز بالدار ولم يوجد ذلك. ألا ترى أنه لو خرج إلى دارنا وترك أمواله في دار الحرب ثم ظهر المسلمون على الدار كان جميع ماله فيئاً ولو لم يخرج حتى ظهر المسلمون على الدار فعقاره وعروضه فيء إلا ما كان في يده منه لأنه يصير محرز السبق يده إليه وهذا لا يوجد فيما أعاره من الحربي المقتول فلهذا استحقه القاتل بالتنفيل. وكذلك إذا كان الحربي أخذ هذا السلب غصباً فقتله هذا المسلم كان له سلبه. لما بينا أنه لا يد للمسلم عليه حتى يصير محرزاً له بها فيكون محل الاغتنام. ولو أن عبداً من عبيد هذا الذي سلم قاتل المسلمين فأخذ كان فيئاً لأنه صار غاصباً نفسه من مولاه حتى قاتل المسلمين فلم يبق له عليه يد محرزة له فيكون فيئاً كغيره من أهل الحرب وهذا وغاصب السلب سواء. فإن كان الحربي إنما عصب السلب من مسلم دخل إليهم بأمان والمسألة بحالها فالسلب للقاتل لأن الحربي بالغصب صار محرزاً لمال المسلم وهم يملكون أموالنا بالإحراز فيصير للقاتل بالتنفيل إلا أن لصاحب السلب أن يأخذه منهم بالقيمة إن شاء لأن التنفيل بمنزلة القسمة حين اختص المنفل له بملكه. والمالك القديم إذا وجد عين ماله في الغنيمة
|