الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرطبي المسمى بـ «الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان» **
وهي مكية، غير ثلاث آيات نزلت بالمدينة؛ وهي قوله تعالى {الم، تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين} قوله تعالى}الم. تنزيل الكتاب} الإجماع على رفع }تنزيلُ الكتاب} ولو كان منصوبا على المصدر لجاز؛ كما قرأ الكوفيون {أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون} قوله تعالى}أم يقولون افتراه} هذه }أم} المنقطعة التي تقّدر ببل وألف الاستفهام؛ أي بل أيقولون. وهي تدل على خروج من حديث إلى حديث؛ فإنه عز وجل أثبت أنه تنزيل من رب العالمين، وأن ذلك مما لا ريب فيه، ثم أضرب عن ذلك إلى قوله}أم يقولون افتراه} أي افتعله واختلقه. }بل هو الحق من ربك} كذبهم في دعوى الافتراء }لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون} قال قتادة: يعني قريشا، كانوا أمة أمية لم يأتهم نذير من قبل محمد صلى الله عليه وسلم. و}لتنذر} متعلق بما قبلها فلا يوقف على }من ربك}. ويجوز أن يتعلق بمحذوف؛ التقدير: أنزله لتنذر قوما، فيجوز الوقف على }من ربك}. و}ما} }ما أتاهم} نفي. }من نذير} صلة. و}نذير} في محل الرفع، وهو المعلم المخوف. وقيل: المراد بالقوم أهل الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام؛ قاله ابن عباس ومقاتل. وقيل: كانت الحجة ثابتة لله جل وعز عليهم بإنذار من تقدم من الرسل وإن لم يروا رسولا؛ وقد تقّدم هذا المعنى. {الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون} قوله تعالى}الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام} عرفهم كمال قدرته ليسمعوا القرآن ويتأملوه. ومعنى}خلق} أبدع وأوجد بعد العدم وبعد أن لم تكن شيئا. }في ستة أيام} }في ستة أيام} من يوم الأحد إلى آخر يوم الجمعة. قال الحسن: من أيام الدنيا. وقال ابن عباس: إن اليوم من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض مقداره ألف سنة من سني الدنيا. وقال الضحاك: في ستة آلاف سنة؛ أي في مدة ستة أيام من أيام الآخرة. }ثم استوى على العرش} تقدم. وذكرنا أقوال العلماء في ذلك مستوفى في [1] {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون} قوله تعالى}يدبر الأمر من السماء إلى الأرض} قال ابن عباس: ينزل القضاء والقدر. وقيل: ينزل الوحي مع جبريل. و روى عمرو بن مرة عن عبدالرحمن بن سابط قال: يدبر أمر الدنيا أربعة: جبريل، وميكائيل، وملك الموت، وإسرافيل؛ صلوات الله عليهم أجمعين. فأما جبريل فموكل بالرياح والجنود. وأما ميكائيل فموكل بالقطر والماء. وأما ملك الموت فموكل بقبض الأرواح. وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم. وقد قيل: إن العرش موضع التدبير؛ كما أن ما دون العرش موضع التفصيل؛ قال الله تعالى قوله تعالى}ثم يعرج إليه} قال يحيى بن سلام: هو جبريل يصعد إلى السماء بعد نزوله بالوحي. وقال النقاش: هو الملك الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض. وقيل: إنها أخبار أهل الأرض تصعد إليه مع حملتها من الملائكة؛ قاله ابن شجرة. وقيل}ثم يعرج إليه} أي يرجع ذلك الأمر والتدبير إليه بعد انقضاء الدنيا }في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون} }في يوم كان مقداره ألف سنة} وهو يوم القيامة. وعلى الأقوال المتقدمة فالكناية في }يعرج} كناية عن الملك، ولم يجر له ذكر لأنه مفهوم من المعنى، وقد جاء صريحا في }سأل سائل} قوله وليس يريد يومين مخصوصين، وإنما أراد أن زمانهم ينقسم شطرين، فعّبر عن كل واحد من الشطرين بيوم. وقرأ ابن أبي عبلة}يعرج} على البناء للمفعول. وقرئ}يعدون} بالياء. فأما قوله تعالى}في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} فمشكل مع هذه الآية. وقد سأل عبدالله بن فيروز الديلمّي عبدالله بن عباس عن هذه الآية وعن قوله}في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} فقال: أيام سمّاها سبحانه، وما أدري ما هي؟ فأكره أن أقول فيها ما لا أعلم. ثم سئل عنها سعيد بن المسّيب فقال: لا أدري. فأخبرته بقول ابن عباس فقال ابن المسيب للسائل: هذا ابن عباس اتقى أن يقول فيها وهو أعلم مني. ثم تكلم العلماء في ذلك فقيل: إن آية وقيل: إن يوم القيامة فيه أيام؛ فمنه ما مقداره ألف سنة ومنه ما مقداره خمسون ألف سنة. وقيل: أوقات القيامة مختلفة، فيعّذب الكافر بجنس من العذاب ألف سنة، ثم ينتقل إلى جنس آخر مّدته خمسون ألف سنة. وقيل: مواقف القيامة خمسون موقفا؛ كل موقف ألف سنة. فمعنى}يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة} أي مقدار وقت، أو موقف من يوم القيامة. وقال النحاس: اليوم في اللغة بمعنى الوقت؛ فالمعنى: تعرج الملائكة والروح إليه في وقت كان مقداره ألف سنة، وفي وقت آخر كان مقداره خمسين ألف سنة. وعن وهب بن منّبه}في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} قال: ما بين أسفل الأرض إلى العرش. وذكر الثعلبّي عن مجاهد وقتادة والضحاك في قوله تعالى {ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم} قوله تعالى}ذلك عالم الغيب والشهادة} أي علم ما غاب عن الخلق وما حضرهم. و}ذلك} بمعنى أنا. حسبما تقدم بيانه في أول البقرة. وفي الكلام معنى التهديد والوعيد؛ أي أخلصوا أفعالكم وأقوالكم فإني أجازي عليها. {الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون} قوله تعالى}الذي أحسن كل شيء خلقه} قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر}خلقه} بإسكان اللام. وفتحها الباقون. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم طلبا لسهولتها. وهو فعل ماض في موضع خفض نعت لـ }شيء}. والمعنى على ما روي عن ابن عباس: أحكم كل شيء حلقه، أي جاء به على ما أراد، لم يتغير عن إرادته. وقول آخر - أن كل شيء خلقه حسن؛ لأنه لا يقدر أحد أن يأتي بمثله؛ وهو دال على خالقه. ومن أسكن اللام فهو مصدر عند سيبويه؛ لأن قوله}أحسن كل شيء خلقه} يدل على: خلق كل شيء خلقا؛ فهو مثل قوله تعالى}وبدأ خلق الإنسان من طين} يعني آدم. } ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين} تقّدم في }المؤمنون} وغيرها. وقال الزجاج}من ماء مهين} ضعيف. وقال غيره}مهين} لا خطر له عند الناس.}ثم سواه} رجع إلى آدم، أي سوى خلقه. }ونفخ فيه من روحه} ثم رجع إلى ذريته فقال}وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة} وقيل: ثم جعل ذلك الماء المهين خلقا معتدلا، وركب فيه الروح وأضافه إلى نفسه تشريفا. وأيضا فإنه من فعله وخلقه كما أضاف العبد إليه بقوله}عبدي}. وعبر عنه بالنفخ لأن الروح في جنس الريح. وقد مضى هذا مبينا في }النساء} وغيرها. }قليلا ما تشكرون} أي ثم أنتم لا تشكرون بل تكفرون. {وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون} قوله تعالى}وقالوا أئذا ضللنا في الأرض} هذا قول منكري البعث؛ أي هلكنا وبطلنا وصرنا ترابا. وأصله من قول العرب: ضل الماء في اللبن إذا ذهب. والعرب تقول للشيء غلب عليه حتى فيه أثره: قد ضّل. قال الأخطل: وقال قطرب: معنى ضللنا غبنا في الأرض. وأنشد قول النابغة الذبياني: وقرأ ابن محيصن ويحيى بن يعمر}ضلِلنا} بكسر اللام، وهي لغة. قال الجوهري: وقد ضللت أضل قال الله تعالى ابن السكيت. أضللت بعيري إذا ذهب منك. وضللت المسجد والدار: إذا لم تعرف موضعهما. وكذلك كل شيء مقيم لا يهتدى له. وفي الحديث (لعلي أضل الله) يريد أضل عنه، أي أخفى عليه، من قوله تعالى}أإذا ضللنا في الأرض} أي خفينا. وأضله الله فضل؛ تقول: إنك تهدي الضال ولا تهدي المتضال. وقرأ الأعمش والحسن}صللنا} بالصاد؛ أي أنتنا. وهي قراءة علّي بن أبي طالب رضي الله عنه. النحاس: ولا يعرف في اللغة صللنا ولكن يقال: صل اللحم وأصل، وخّم وأخّم إذا أنتن. الجوهري: صّل اللحم يصل - بالكسر - صلولا، أي أنتن، مطبوخا كان أو نيئا. قال الحطيئة: قوله تعالى}إنا لفي خلق جديد} وأصل مثله. }إنا لفي خلق جديد} أي نخلق بعد ذلك خلقا جديدا؟ ويقرأ}أئنا}. النحاس: وفي هذا سؤال صعب من العربية؛ يقال: ما العامل في }إذا}؟ و}إن} لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. والسؤال في الاستفهام أشّد؛ لأن ما بعد الاستفهام أجدر؛ ألا يعمل فيما قبله من }إن} كيف وقد اجتمعا. فالجواب على قراءة من قرأ}إنا} أن العامل }ضللنا}، وعلى قراءة من قرأ}أإنا} أن العامل مضمر، والتقدير أنبعث إذا متنا. وفيه أيضا سؤال آخر، يقال: أين جواب }إذا} على القراءة الأولى لأن فيها معنى الشرط؟ فالقول في ذلك أن بعدها فعلا ماضيا؛ فلذلك جاز هذا. }بل هم بلقاء ربهم كافرون} أي ليس لهم جحود قدرة الله تعالى عن الإعادة؛ لأنهم يعترفون بقدرته ولكنهم اعتقدوا أن لا حساب عليهم، وأنهم لا يلقون الله تعالى. {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} قوله تعالى}قل يتوفاكم ملك الموت} لما ذكر استبعادهم للبعث ذكر توفيهم وأنه يعيدهم. }يتوفاكم} من توفى العدد والشيء إذا استوفاه وقبضه جميعا. يقال: توفاه الله أي استوفى روحه ثم قبضه. وتوفيت مالي من فلان أي استوفيته. }ملك الموت} واسمه عزرائيل ومعناه عبدالله؛ كما تقدم في }البقرة}. وتصرفه كله بأمر الله تعالى وبخلقه واختراعه. وروي في الحديث أن قلت: وقد روي خلافه، وأن ملك الموت يتوفى أرواح جميع الخلائق حتى البرغوث والبعوضة. استدل بهذه الآية بعض العلماء على جواز الوكالة من قوله}وكل بكم} أي بقبض الأرواح. قال ابن العربّي}وهذا أخذ من لفظه لا من معناه، ولو اطرد ذلك لقلنا في قوله تعالى {ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون} قوله تعالى}ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم} ابتداء وخبر. قال الزجاج: والمخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة لأمته. والمعنى: ولو ترى يا محمد منكري البعث يوم القيامة لرأيت العجب. ومذهب أبي العباس غير هذا، وأن يكون المعنى: يا محمد، قل للمجرم ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم لندمت على ما كان منك. }ناكسوا رؤوسهم} أي من الندم والخزي والحزن والذل والغم. }عند ربهم} أي عند محاسبة ربهم وجزاء أعمالهم. }ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون} }ربنا} أي يقولون ربنا. }أبصرنا} أي أبصرنا ما كنا نكذب. }وسمعنا} ما كنا ننكر. وقيل}أبصرنا} صدق وعيدك. }وسمعنا} تصديق رسلك. أبصروا حين لا ينفعهم البصر، وسمعوا حين لا ينفعهم السمع. }فأرجعنا} أي إلى الدنيا. }نعمل صالحا إنا موقنون} أي مصدقون بالبعث؛ قاله النقاش. وقيل: مصدقون بالذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أنه حق؛ قاله يحيى بن سلام. قال سفيان الثوري: فأكذبهم الله تعالى: فقال}ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون}. وقيل: معنى }إنا موقنون} أي قد زالت عنا الشكوك الآن؛ وكانوا يسمعون ويبصرون في الدنيا، ولكن لم يكونوا يتدبرون، وكانوا كمن لا يبصر ولا يسمع، فلما تنبهوا في الآخرة صاروا حينئذ كأنهم سمعوا وأبصروا. وقيل: أي ربنا لك الحجة، فقد أبصرنا رسلك وعجائب خلقك في الدنيا، وسمعنا كلامهم فلا حجة لنا. فهذا اعتراف منهم، ثم طلبوا أن يردوا إلى الدنيا ليؤمنوا. {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} قال محمد بن كعب القرظي: لما قالوا}ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون} رّد عليهم بقوله}ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها} يقول: لو شئت لهديت الناس جميعا فلم يختلف منهم أحد }ولكن حق القول مني} الآية؛ ذكره ابن المبارك في (رقائقه) في حديث طويل. وقد ذكرناه في [4] وهذه الهداية معناها خلق المعرفة في القلب. وتأويل المعتزلة: ولو شئنا لأكرهناهم على الهداية بإظهار الآيات الهائلة، لكن لا يحسن منه فعله؛ لأنه ينقض الغرض المجرى بالتكليف إليه وهو الثواب الذي لا يستحق إلا بما يفعله المكلف باختياره. وقالت الإمامية في تأويلها: إنه يجوز أن يريد هداها إلى طريق الجنة في الآخرة ولم يعاقب أحدا، لكن حق القول منه أنه يملأ جهنم، فلا يجب على الله تعالى عندنا هداية الكل إليها؛ قالوا: بل الواجب هداية المعصومين، فأما من له ذنب فجائز هدايته إلى النار جزاء على أفعاله. وفي جواز ذلك منع؛ لقطعهم على أن المراد هداها إلى الإيمان. وقد تكلم العلماء عليهم في هذين التأويلين بما فيه كفاية في أصول الدين. وأقرب ما لهم في الجواب أن يقال: فقد بطل عندنا وعندكم أن يهديهم الله سبحانه على طريق الإلجاء والإجبار والإكراه، فصار يؤدي ذلك إلى مذهب الجبرية، وهو مذهب رذل عندنا وعندكم، فلم يبق إلا أن المهتدين من المؤمنين إنما هداهم الله تعالى إلى الإيمان والطاعة على طريق الاختيار حتى يصح التكليف فمن شاء آمن وأطاع اختيارا لا جبرا؛ قال الله تعالى وبهذا الاعتبار اختار أهل النظر من العلماء أن سموا هذه المنزلة بين المنزلتين كسبا، وأخذوا هذه التسمية من كتاب الله العزيز، وهو قوله سبحانه {فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون} قوله تعالى}فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا} فيه قولان: أحدهما: أنه من النسيان الذي لا ذكر معه؛ أي لم يعملوا لهذا اليوم فكانوا بمنزلة الناسين. والآخر: أن }نسيتم} بما تركتم، وكذا }إنا نسيناكم}. واحتج محمد بن يزيد بقوله تعالى أي تركوه. ولو كان من النسيان لكان قد عملوا به مرة. قال الضحاك}نسيتم} أي تركتم أمري. يحيى بن سلام: أي تركتم الإيمان بالبعث في هذا اليوم. }نسيناكم} تركناكم من الخير؛ قاله السدي. مجاهد: تركناكم في العذاب. وفي استئناف قوله}إنا نسيناكم} وبناء الفعل على }إن} واسمها تشديد في الانتقام منهم. والمعنى: فذوقوا هذا؛ أي ما أنتم فيه من نكس الرؤوس والخزي والغّم بسبب نسيان الله. أو ذوقوا العذاب المخلد، وهو الدائم الذي لا انقطاع له في جهنم. }بما كنتم تعملون} يعني في الدنيا من المعاصي. وقد يعّبر بالذوق عما يطرأ على النفس وإن لم يكن مطعوما، لإحساسها به كإحساسها بذوق المطعوم. قال عمر بن أبي ربيعة: الجوهري: وذقت ما عند فلان؛ أي خبرته. وذقت القوس إذا جذبت وترها لتنظر ما شّدتها. وأذاقه الله وبال أمره. قال طفيل: وتذوقته أي ذقته شيئا بعد شيء. وأمر مستذاق أي مجّرب معلوم. قال الشاعر: والذواق: الملول. {إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون} هذه تسلية للنبّي صلى الله عليه وسلم؛ أي أنهم لإلفهم الكفر لا يؤمنون بك؛ إنما يؤمن بك وبالقرآن المتدبرون له والمتعظون به، وهم الذين إذا قرئ عليهم القرآن }خروا سجدا} قال ابن عباس: ركعا. قال المهدوي: وهذا على مذهب من يرى الركوع عند قراءة السجدة؛ واستدل بقوله تبارك وتعالى {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون} قوله تعالى}تتجافى جنوبهم عن المضاجع} أي ترتفع وتنبو عن مواضع الاضطجاع. وهو في موضع نصب على الحال؛ أي متجافية جنوبهم. والمضاجع جمع مضجع؛ وهي مواضع النوم. ويحتمل عن وقت الاضطجاع، ولكنه مجاز، والحقيقة أولى. ومنه قول عبدالله بن رواحة: يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع قال الزجاج والرمانّي: التجافي التنحي إلى جهة فوق. وكذلك هو في الصفح عن المخطئ في سب ونحوه. والجنوب جمع جنب. وفيما تتجافى جنوبهم عن المضاجع لأجله قولان: أحدهما: لذكر الله تعالى، إما في صلاة وإما في غير صلاة؛ قاله ابن عباس والضحاك. الثاني: للصلاة. وفي الصلاة التي تتجافى جنوبهم لأجلها أربعة أقوال: أحدها: التنفل بالليل؛ قاله الجمهور من المفسرين وعليه أكثر الناس، وهو الذي فيه المدح، وهو قول مجاهد والأوزاعّي ومالك بن أنس والحسن بن أبي الحسن وأبي العالية وغيرهم. ويدل عليه قوله تعالى وفي قيام الليل أحاديث كثيرة؛ منها قلت: وهذا قول حسن، وهو يجمع الأقوال بالمعنى. وذلك أن منتظر العشاء إلى أن يصليها في صلاة وذكر لله جل وعز؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: وجاءت آثار حسان في فضل الصلاة بين المغرب والعشاء وقيام الليل. فصل في فضل التجافي - ذكر ابن المبارك عن ابن عباس قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم؛ ليقم الحامدون لله على كل حال، فيقومون فيسّرحون إلى الجنة. ثم ينادي ثانية: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم؛ ليقم الذين كانت جنوبهم تتجافى عن المضاجع }يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون}. قال: فيقومون فيسرحون إلى الجنة. قال: ثم ينادي ثالثة: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم؛ ليقم الذين كانوا قوله تعالى}يدعون ربهم} في موضع نصب على الحال؛ أي داعين. ويحتمل أن تكون صفة مستأنفة؛ أي تتجافى جنوبهم وهم أيضا في كل حال يدعون ربهم ليلهم ونهارهم. و}خوفا} مفعول من أجله. ويجوز أن يكون مصدرا. }وطمعا} مثله؛ أي خوفا من العذاب وطمعا في الثواب. }ومما رزقناهم ينفقون} تكون }ما} بمعنى الذي وتكون مصدرا، وفي كلا الوجهين يجب أن تكون منفصلة من }من} و}ينفقون} قيل: معناه الزكاة المفروضة. وقيل: النوافل؛ وهذا القول أمدح. {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} قرأ حمزة}ما أخفيْ لهم} بإسكان الياء. وفتحها الباقون. وفي قراءة عبدالله }ما نخفي} بالنون مضمومة. و روى المفضل عن الأعمش }ما يُخفى لهم} بالياء المضمومة وفتح الفاء. وقرأ ابن مسعود وأبو هريرة}من قرَّات أعين}. فمن أسكن الياء من قوله}ما أخفي فهو مستقبل وألفه ألف المتكلم. و}ما} في موضع نصب بـ }أخفي} وهي استفهام، والجملة في موضع نصب لوقوعها موقع المفعولين، والضمير العائد على }ما} محذوف. ومن فتح الياء فهو فعل ماض مبني للمفعول. و}ما} في موضع رفع بالابتداء، والخبر }أخفي} وما بعده، والضمير في }أخفي} عائد على }ما}. قال الزجاج: ويقرأ }ما أخفى لهم} بمعنى ما أخفى الله لهم؛ وهي قراءة محمد بن كعب، و}ما} في موضع نصب. المهدوّي: ومن قرأ}قرات أعين} فهو جمع قرة، وحسن الجمع فيه لإضافته إلى جمع، والإفراد لأنه مصدر، وهو اسم للجنس. وقال أبو بكر الأنبارّي: وهذا غير مخالف للمصحف؛ لأن تاء }قرة} تكتب تاء لغة من يجري الوصل على الوقف؛ كما كتبوا (رحمت الله) بالتاء. ولا يستنكر سقوط الألف من }قرات} في الخط وهو موجود في اللفظ؛ كما لم يستنكر سقوط الألف من السموات وهي ثابتة في اللسان والنطق. والمعنى المراد: أنه أخبر تعالى بما لهم من النعيم الذي لم تعلمه نفس ولا بشر ولا ملك. وفي معنى هذه الآية: قلت: وهذه الكرامة إنما هي لأعلى أهل الجنة منزلا؛ كما جاء مبينا {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} قوله تعالى}أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا} أي ليس المؤمن كالفاسق؛ فلهذا آتينا هؤلاء المؤمنين الثواب العظيم. قال ابن عباس وعطاء بن يسار: نزلت الآية في علّي ابن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط؛ وذلك أنهما تلاحيا فقال له الوليد: أنا أبسط منك لسانا وأحد سنانا وأرد للكتيبة - وروي وأملأ في الكتيبة - جسدا. فقال له علّي: اسكت! فإنك فاسق؛ فنزلت الآية. وذكر الزجاج والنحاس أنها نزلت في علّي وعقبة بن أبي مُعيط. قال ابن عطية: وعلى هذا يلزم أن تكون الآية مكية؛ لأن عقبة لم يكن بالمدينة، وإنما قتل في طريق مكة منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر. ويعترض القول الآخر بإطلاق اسم الفسق على الوليد. وذلك يحتمل أن يكون في صدر إسلام الوليد لشيء كان في نفسه، أو لما روي من نقله عن بني المصطلق ما لم يكن، حتى نزلت فيه لما قسم الله تعالى المؤمنين والفاسقين الذين فسقهم بالكفر - لأن التكذيب في آخر الآية يقتضي ذلك - اقتضى ذلك نفي المساواة بين المؤمن والكافر؛ ولهذا منع القصاص بينهما؛ إذ من شرط وجوب القصاص المساواة بين القاتل والمقتول. وبذلك احتج علماؤنا على أبي حنيفة في قتله المسلم بالذمّي. وقال: أراد نفي المساواة ها هنا في الآخرة في الثواب وفي الدنيا في العدالة. ونحن حملناه على عمومه، وهو أصح، إذ لا دليل يخصه؛ قاله ابن العربي. قوله تعالى}لا يستوون} قال الزجاج وغيره}من} يصلح للواحد والجمع. النحاس: لفظ }من} يؤدي عن الجماعة؛ فلهذا قال}لا يستوون}؛ هذا قول كثير من النحويين. وقال بعضهم}لا يستوون} الاثنين؛ لأن الاثنين جمع؛ لأنه واحد جمع مع آخر. وقاله الزجاج أيضا. والحديث يدل على هذا القول؛ لأنه عن ابن عباس وغيره قال: نزلت }أفمن كان مؤمنا} في علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، }كمن كان فاسقا} في الوليد بن عقبة بن أبي معيط. وقال الشاعر: {أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون، وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون} قوله تعالى}أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى} أخبر عن مقر الفريقين غدا؛ فللمؤمنين جنات المأوى، أي يأوون إلى الجنات؛ فأضاف الجنات إلى المأوى لأن ذلك الموضع يتضمن جنات. }نزلا} أي ضيافة. والنزل: ما يهيأ للنازل والضيف. وقد مضى في آخر }آل عمران} وهو نصب على الحال من الجنات؛ أي لهم الجنات معّدة، ويجوز أن يكون مفعولا له.}وأما الذين فسقوا} أي خرجوا عن الإيمان إلى الكفر }فمأواهم النار} أي مقامهم فيها. }كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها} أي إذا دفعهم لهب النار إلى أعلاها ردوا إلى موضعهم فيها، لأنهم يطمعون في الخروج منها. وقد مضى هذا في }الحج}. }وقيل لهم} أي يقول لهم خزنة جهنم. أو يقول الله لهم}ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون} والذوق يستعمل محسوسا ومعنى. وقد مضى في هذه السورة بيانه. {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون} قوله تعالى}ولنذيقنهم من العذاب الأدنى} قال الحسن وأبو العالية والضحاك وأبي بن كعب وإبراهيم النخعّي: العذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها مما يبتلى به العبيد حتى يتوبوا؛ وقاله ابن عباس. وعنه أيضا أنه الحدود. وقال ابن مسعود والحسين بن علّي وعبدالله بن الحارث: هو القتل بالسيف يوم بدر. وقال مقاتل: الجوع سبع سنين بمكة حتى أكلوا الجيف؛ وقاله مجاهد. وعنه أيضا: العذاب الأدنى عذاب القبر؛ وقاله البراء بن عازب. قالوا: والأكبر عذاب يوم القيامة. قال القشيري: وقيل عذاب القبر. وفيه نظر؛ لقوله}لعلهم يرجعون}. قال: ومن حمل العذاب على القتل قال}لعلهم يرجعون} أي يرجع من بقي منهم. ولا خلاف أن العذاب الأكبر عذاب جهنم؛ إلا ما روي عن جعفر بن محمد أنه خروج المهدي بالسيف. والأدنى غلاء السعر. وقد قيل: إن معنى قوله}لعلهم يرجعون}. على قول مجاهد والبراء: أي لعلهم يريدون الرجوع ويطلبونه كقوله {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون} قوله تعالى}ومن أظلم} أي لا أحد أظلم لنفسه. }ممن ذكر بآيات ربه} أي بحججه وعلاماته. }ثم أعرض عنها} بترك القبول. }إنا من المجرمين منتقمون} لتكذيبهم وإعراضهم. {ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل، وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون، إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} قوله تعالى}ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه} أي فلا تكن يا محمد في شك من لقاء موسى؛ قال ابن عباس. وقد لقيه ليلة الإسراء. قتادة: المعنى فلا تكن في شك من أنك لقيته ليلة الإسراء. والمعنى واحد. وقيل: فلا تكن في شك من لقاء موسى في القيامة، وستلقاه فيها. وقيل: فلا تكن في شك من لقاء موسى الكتاب بالقبول؛ قال مجاهد والزجاج. وعن الحسن أنه قال في معناه}ولقد آتينا موسى الكتاب} فأوذي وكذب، فلا تكن في شك من أنه سيلقاك ما لقيه من التكذيب والأذى؛ فالهاء عائدة على مخذوف، والمعنى من لقاء ما لاقى. النحاس: وهذا قول غريب، إلا أنه من رواية عمرو بن عبيد. وقيل في الكلام تقديم وتأخير؛ والمعنى: قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم فلا تكن في مرية من لقائه؛ فجاء معترضا بين }ولقد آتينا موسى الكتاب} وبين }وجعلناه هدى لبني إسرائيل}. والضمير في }وجعلناه} فيه وجهان: أحدهما: جعلنا موسى؛ قاله قتادة. الثاني: جعلنا الكتاب؛ قاله الحسن. }وجعلنا منهم أئمة} أي قادة وقدوة يقتدى بهم في دينهم. والكوفيون يقرؤون }أئمة} النحاس: وهو لحن عند جميع النحويين؛ لأنه جمع بين همزتين في كلمه واحدة، وهو من دقيق النحو. وشرحه: أن الأصل }أأْمِمَة} ثم ألقيت حركة الميم على الهمزة وأدغمت الميم، وخففت الهمزة الثانية لئلا يجتمع همزتان، والجمع بين همزتين في حرفين بعيد؛ فأما في حرف واحد فلا يجوز إلا تخفيف الثانية نحو قولك: آدم وآخر. ويقال: هذا أوم من هذا وأيّم؛ بالواو والياء. وقد مضى هذا في }التوبة} والله تعالى أعلم. }يهدون بأمرنا} أي يدعون الخلق إلى طاعتنا. }بأمرنا} أي أمرناهم بذلك. وقيل}بأمرنا} أي لأمرنا؛ أي يهدون الناس لديننا. ثم قيل: المراد الأنبياء عليهم السلام؛ قاله قتادة. وقيل: المراد الفقهاء والعلماء. }لما صبروا} قراءة العامة }لما} بفتح اللام وتشديد الميم وفتحها؛ أي حين صبروا. وقرأ يحيى وحمزة والكسائي وخلف ورويس عن يعقوب}لما صبروا} أي لصبرهم جعلناهم أئمة. واختاره أبو عبيد اعتبارا بقراءة ابن مسعود }بما صبروا} بالباء. وهذا الصبر صبر على الدين وعلى البلاء. وقيل: صبروا عن الدنيا. }إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة} أي يقضي ويحكم بين المؤمنين والكفار، فيجازي كلا بما يستحق. وقيل: يقضي بين الأنبياء وبين قومهم؛ حكاه النقاش. {أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون} قوله تعالى}أولم يهد لهم} وقرأ أبو عبدالرحمن السلمّي وقتادة وأبو زيد عن يعقوب }نهد لهم} بالنون؛ فهذه قراءة بينة. النحاس: وبالياء فيها إشكال؛ لأنه يقال: الفعل لا يخلو من فاعل، فأين الفاعل لـ }يهد}؟ فتكلم النحويون في هذا؛ فقال الفراء}كم} في موضع رفع بـ }يهد} وهذا نقض لأصول النحويين في قولهم: إن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ولا في }كم} بوجه؛ أعني ما قبلها. ومذهب أبي العباس أن }يهد} يدل على الهدى؛ والمعنى أو لم يهد لهم الهدى. وقيل: المعنى أو لم يهد الله لهم؛ فيكون معنى الياء والنون واحدا؛ أي أو لم نبين لهم إهلاكنا القرون الكافرة من قبلهم. وقال الزجاج}كم} هي موضع نصب بـ }أهلكنا}. }يمشون في مساكنهم} يحتمل الضمير في }يمشون} أن يعود على الماشين في مساكن المهلكين؛ أي وهؤلاء يمشون ولا يعتبرون. ويحتمل أن يعود على المهلكين فيكون حالا؛ والمعنى: أهلكناهم ماشين في مساكنهم. }إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون} آيات الله وعظاته فيتعظون. {أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون} قوله تعالى}أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز} أي أولم يعلموا كمال قدرتنا بسوقنا الماء إلى الأرض اليابسة التي لا نبات فيها لنحييها. الزمخشري: الجرز الأرض التي جرز نباتها، أي قطع؛ إما لعدم الماء وإما لأنه رعي وأزيل. ولا يقال للتي لا تنبت كالسباخ جرز؛ ويدل عليه قوله تعالى}فنخرج به زرعا} قال ابن عباس: هي أرض باليمن. وقال مجاهد: هي أبين. وقال عكرمة: هي الأرض الظمأى. وقال الضحاك: هي الأرض الميتة العطشى. وقال الفراء: هي الأرض التي لا نبات فيها. وقال الأصمعّي: هي الأرض التي لا تنبت شيئا. وقال محمد بن يزيد: يبعد أن تكون لأرض بعينها لدخول الألف واللام؛ إلا أنه يجوز على قول من قال: العباس والضحاك. والإسناد عن ابن عباس صحيح لا مطعن فيه. وهذا إنما هو نعت والنعت للمعرفة يكون بالألف واللام؛ وهو مشتق من قولهم: رجل جروز إذا كان لا يبقي شيء شيئا إلا أكله. قال الراجز: وكذلك ناقة جروز: إذا كانت تأكل كل شيء تجده. وسيف جراز: أي قاطع ماض. وجرزت الجراد الزرع: إذا استأصلته بالأكل. وحكى الفراء وغيره أنه يقال: أرض جُرْز وجُرُز وجَرْز وجَرَز. وكذلك بخل ورغب ووهب؛ في الأربعة أربع لغات. وقد روي أن هذه الأرض لا أنهار فيها، وهي بعيدة من البحر، وإنما يأتيها في كل عام ودان فيزرعون ثلاث مرات في كل عام. وعن مجاهد أيضا: أنها أرض النيل. }فنخرج به} أي بالماء. }زرعا تأكل منه أنعامهم} من الكلأ والحشيش. }وأنفسهم} من الحب والخضر والفواكه. }أفلا يبصرون} هذا فيعلمون أنا نقدر على إعادتهم. و}فنخرج} يكون معطوفا على }نسوق} أو منقطعا مما قبله. }تأكل منه أنعامهم} في موضع نصب على النعت. {ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين، قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون} قوله تعالى}ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين} }متى} في موضع رفع، ويجوز أن يكون في موضع نصب على الظرف. قال قتادة: الفتح القضاء. وقال الفراء والقتبّي: يعني فتح مكة. وأولى من هذا ما قاله مجاهد، قال: يعني يوم القيامة. ويروى أن المؤمنين قالوا: سيحكم الله عز وجل بيننا يوم القيامة فيثيب المحسن ويعاقب المسيء. فقال الكفار على التهزيء. متى يوم الفتح، أي هذا الحكم. ويقال للحاكم: فاتح وفتاح؛ لأن الأشياء تنفتح على يديه وتنفصل. وفي القرآن {فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون} قوله تعالى}فأعرض عنهم} معناه فأعرض عن سفههم ولا تجبهم إلا بما أمرت به. }وانتظر إنهم منتظرون} أي انتظر يوم الفتح، يوم يحكم الله لك عليهم. ابن عباس}فأعرض عنهم} أي عن مشركي قريش مكة، وأن هذا منسوخ بالسيف في }براءة} في قوله
|