الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الجزء الخامس عشر الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} بِتَسْلِيطِنَا إِيَّاهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْخَلْقِ، وَتَسْخِيرِنَا سَائِرَ الْخَلْقِ لَهُمْ {وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ} عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ وَالْمَرَاكِبِ (وَ) فِي (الْبَحْرِ) فِي الْفُلْكِ الَّتِي سَخَّرْنَاهَا لَهُمْ {وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} يَقُولُ: مِنْ طَيِّبَاتِ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ، وَهِيَ حَلَالُهَا وَلَذِيذَاتُهَا {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} ذَكَرَ لَنَا أَنَّ ذَلِكَ تُمَكِّنُهُمْ مِنَ الْعَمَلِ بِأَيْدِيهِمْ، وَأَخَذِ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ بِهَا وَرَفَعِهَا بِهَا إِلَى أَفْوَاهِهِمْ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَيَسِّرٍ لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْخَلْقِ. كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}.... الْآيَةَ، قَالَ {وَفَضَّلْنَاهُمْ} فِي الْيَدَيْنِ يَأْكُلُ بِهِمَا، وَيَعْمَلُ بِهِمَا، وَمَا سِوَى الْإِنْسِ يَأْكُلُ بِغَيْرِ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فِي قَوْلِهِ {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} قَالَ: قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَعْطَيْتَ بَنِي آدَمَ الدُّنْيَا يَأْكُلُونَ مِنْهَا، وَيَتَنَعَّمُونَ، وَلَمْ تُعْطِنَا ذَلِكَ، فَاعْطِنَاهُ فِي الْآخِرَةِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِي لَا أَجْعَلُ ذَرِّيَّةَ مَنْ خَلْقَتُ بِيَدِي، كَمَنْ قُلْتُ لَهُ كُنْ فَكَانَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا}. اخْتَلَفَتْ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَعْنَى الْإِمَامِ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ يَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ نَبِيُّهُ، وَمَنْ كَانَ يُقْتَدَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَيَأْتَمُّ بِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: ثَنَا فَضِيلٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} قَالَ: نَبِيُّهُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بِزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} قَالَ: نَبِيُّهُمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٌ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ (بِإِمَامِهِمْ) قَالَ: نَبِيُّهُمْ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} قَالَ: نَبِيُّهُمْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَا ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَدْعُوهُمْ بِكُتُبِ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} قَالَ: الْإِمَامُ: مَا عَمِلَ وَأَمْلَى، فَكُتِبَ عَلَيْهِ، فَمَنْ بُعِثَ مُتَّقِيًا لِلَّهِ جُعِلَ كِتَابُهُ بِيَمِينِهِ، فَقَرَأَهُ وَاسْتَبْشَرَ، وَلَمْ يُظْلِمْ فَتِيلًا وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ} وَالْإِمَامُ: مَا أَمْلَى وَعَمِلَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} قَالَ: بِأَعْمَالِهِمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: بِكِتَابِهِمُ الَّذِي فِيهِ أَعْمَالُهُمْ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} يَقُولُ: بِكِتَابِهِمْ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: بِأَعْمَالِهِمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِكِتَابِهِمُ الَّذِي أَنْزَلْتُ عَلَيْهِمْ فِيهِ أَمْرِي وَنَهْيِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} قَالَ: بِكِتَابِهِمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ فِيهِ أَمْرُ اللَّهِ وَنَهْيُهُ وَفَرَائِضُهُ، وَالَّذِي عَلَيْهِ يُحَاسِبُونَ، وَقَرَأَ {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} قَالَ: الشِّرْعَةُ: الدِّينُ، وَالْمِنْهَاجُ: السُّنَّةُ، وَقَرَأَ {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} قَالَ: فَنُوحٌ أَوَّلُهُمْ، وَأَنْتَ آخِرُهُمْ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} بِكِتَابِهِمْ. وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمُ الَّذِي كَانُوا يَقْتَدُونَ بِهِ، وَيَأْتَمُّونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا، لِأَنَّ الْأَغْلَبَ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ الْإِمَامَ فِيمَا ائْتَمَّ وَاقْتَدِي بِهِ، وَتَوْجِيهُ مَعَانِي كَلَامِ اللَّهِ إِلَى الْأَشْهُرِ أَوْلَى مَا لَمْ تَثْبُتْ حُجَّةٌ بِخِلَافِهِ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا. وَقَوْلُهُ {فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} يَقُولُ: فَمَنْ أُعْطِيَ كِتَابَ عَمَلِهُ بِيَمِينِهِ {فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ} ذَلِكَ حَتَّى يَعْرِفُوا جَمِيعَ مَا فِيهِ {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا يَظْلِمُهُمُ اللَّهُ مِنْ جَزَاءِ أَعْمَالِهِمْ فَتِيلًا وَهُوَ الْمُنْفَتِلُ الَّذِي فِي شَقِّ بَطْنِ النَّوَاةِ. وَقَدْ مَضَى الْبَيَانُ عَنِ الْفَتِيلِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} قَالَ: الَّذِي فِي شِقِّ النَّوَاةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي أُشِيرُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ هَذِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى النِّعَمِ الَّتِي عَدَّدَهَا تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} فَقَالَ {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا}.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى، قَالَ: سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا} فَقَالَ: قَالَ {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} قَالَ: مَنْ عَمِّيَ عَنْ شُكْرِ هَذِهِ النِّعَمِ فِي الدُّنْيَا، فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَعْمَى عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ فِيهَا وَحُجَجِهِ، فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى} يَقُولُ: مَنْ عَمِيَ عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى}. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فِي هَذِهِ أَعْمَى} قَالَ: الدُّنْيَا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} يَقُولُ: مَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَعْمَى عَمَّا عَايَنَ فِيهَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ وَعَجَائِبِهِ {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا} فِيمَا يَغِيبُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ وَأَعْمَى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى} فِي الدُّنْيَا فِيمَا أَرَاهُ اللَّهُ مِنْ آيَاتِهِ مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ وَالنُّجُومِ {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ} الْغَائِبَةِ الَّتِي لَمْ يَرَهَا {أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا}. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا} فَقَرَأَ {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} وَقَرَأَ {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} وَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} قَالَ: كُلٌّ لَهُ مُطِيعُونَ، إِلَّا ابْنَ آدَمَ. قَالَ: فَمَنْ كَانَتْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي يَعْرِفُ أَنَّهَا مِنَّا، وَيَشْهَدُ عَلَيْهَا وَهُوَ يَرَى قُدْرَتَنَا وَنِعْمَتَنَا أَعْمَى، فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ الَّتِي لَمْ يَرَهَا أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَعْمَى عَنْ حُجَجِ اللَّهِ عَلَى أَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِخَلْقِهَا وَتَدْبِيرِهَا، وَتَصْرِيفِ مَا فِيهَا، فَهُوَ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ الَّتِي لَمْ يَرَهَا وَلَمْ يُعَايِنْهَا، وَفِيمَا هُوَ كَائِنٌ فِيهَا أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا يَقُولُ: وَأَضَلُّ طَرِيقًا مِنْهُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا الَّتِي قَدْ عَايَنَهَا وَرَآهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ أَوْلَى تَأْوِيلَاتِهِ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يُخَصِّصْ فِي قَوْلِهِ {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ} الدُّنْيَا (أَعْمَى) عَمَى الْكَافِرِ بِهِ عَنْ بَعْضِ حُجَجِهِ عَلَيْهِ فِيهَا دُونَ بَعْضٍ، فَيُوَجِّهُ ذَلِكَ إِلَى عَمَاهُ عَنْ نِعَمِهِ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ تَكْرِيمِهِ بُنِيَ آدَمَ، وَحَمْلِهِ إِيَّاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَمَا عَدَّدَ فِي الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا نِعَمَهُ عَلَيْهِمْ، بَلْ عَمَّ بِالْخَبَرِ عَنْ عَمَاهُ فِي الدُّنْيَا، فَهُمْ كَمَا عَمَّ تَعَالَى ذِكْرُهُ. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} فَكَسَرَتِ الْقَرأةُ جَمِيعًا أَعْنِي الْحَرْفَ الْأَوَّلَ قَوْلَهُ {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى}. وَأَمَّا قَوْلُهُ {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} فَإِنَّ عَامَّةَ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ أَمَالَتْ أَيْضًا قَوْلَهُ {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} وَأَمَّا بَعْضُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ فَإِنَّهُ فَتَحَهُ، وَتَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى: فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَشَدُّ عَمًى، وَاسْتُشْهِدَ لِصِحَّةِ قِرَاءَتِهِ بِقَوْلِهِ {وَأَضَلُّ سَبِيلًا}. وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ هِيَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ لِلشَّاهِدِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ قَارِئِهِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَرِهَ مِنْ كَرِهِ قِرَاءَتِهِ كَذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مَقْصُودٌ بِهِ قَصْدَ عَمَى الْعَيْنَيْنِ الَّذِي لَا يُوصَفُ أَحَدٌ بِأَنَّهُ أَعْمَى مِنْ آخَرَ أَعْمَى، إِذْ كَانَ عَمَى الْبَصَرِ لَا يَتَفَاوَتُ، فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا أَزْيَدَ عَمًى مِنَ الْآخَرِ، إِلَّا بِإِدْخَالِ: أَشُدُّ أَوْ أَبْيَنُ، فَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ مِنْ عَمَى الْقَلْبِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ التَّفَاوُتُ، فَإِنَّمَا عُنِيَ بِهِ عَمَى قُلُوبِ الْكُفَّارِ، عَنْ حُجَجِ اللَّهِ الَّتِي قَدْ عَايَنَتْهَا أَبْصَارُهُمْ، فَلِذَلِكَ جَازَ ذَلِكَ وَحَسُنَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} قَالَ: أَعْمَى عَنْ حُجَّتِهِ فِي الْآخِرَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيالْفِتْنَةِ الَّتِي كَادَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَفْتِنُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا عَنِ الَّذِي أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِلَى غَيْرِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ الْإِلْمَامُ بِالْآلِهَةِ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ دَعَوْهُ إِلَى ذَلِكَ، فَهَمَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ الْقَمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، فَمَنَعَتْهُ قُرَيْشٌ، وَقَالُوا: لَا نَدَعُهُ حَتَّى يُلِمَّ بِآلِهَتِنَا، فَحَدَّثَ نَفْسَهُ، وَقَالَ: مَا عَلَيَّ أَنْ أُلِمَ بِهَا بَعْدَ أَنْ يَدَعُونِي أَسْتَلِمُ الْحَجَرَ، وَاللَّهَ يَعْلَمُ أَنِّي لَهَا كَارِهٌ، فَأَبَى اللَّهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ} الْآيَة». حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ قُرَيْشًا خَلَوْا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى الصُّبْحِ يُكَلِّمُونَهُ وَيُفَخِّمُونَهُ وَيُسَوِّدُونَهُ وَيُقَارِبُونَهُ، وَكَانَ فِي قَوْلِهِمْ أَنْ قَالُوا: إِنَّكَ تَأْتِي بِشَيْءٍ لَا يَأْتِي بِهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، فَمَا زَالُوا يُكَلِّمُونَهُ حَتَّى كَادَ أَنْ يُقَارِفَهُمْ ثُمَّ مَنَعَهُ اللَّهُ وَعَصَمَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا}». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ} قَالَ: «أَطَافُوا بِهِ لَيْلَةً، فَقَالُوا: أَنْتَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، فَأَرَادُوهُ عَلَى بَعْضِ مَا يُرِيدُونَ فَهَمَّ أَنْ يُقَارِفَهُمْ فِي بَعْضِ مَا يُرِيدُونَ، ثُمَّ عَصَمَهُ اللَّهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا}» الَّذِي أَرَادُوا فَهَمَّ أَنْ يُقَارِفَهُمْ فِيهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالُوا لَهُ: ائْتِ آلِهَتَنَا فَامْسَسْهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ {شَيْئًا قَلِيلًا}. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ أَنْ يَنْظُرَ قَوْمًا بِإِسْلَامِهِمْ إِلَى مُدَّةٍ سَأَلُوهُ الْإِنْظَارَ إِلَيْهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا} وَذَلِكَ «أَنْ ثَقِيفًا كَانُوا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِّلْنَا سَنَةً حَتَّى يُهْدَى لِآلِهَتِنَا، فَإِذَا قَبَضْنَا الَّذِي يُهْدَى لِآلِهَتِنَا أَخَذْنَاهُ، ثُمَّ أَسْلَمْنَا وَكَسَرْنَا الْآلِهَةَ، فَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ، وَأَنْ يُؤَجِّلَهُمْ، فَقَالَ اللَّهُ {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا}»). وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَادُوا أَنْ يَفْتِنُوهُ عَمَّا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيْهِ لِيَعْمَلَ بِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الِافْتِرَاءُ عَلَى اللَّهِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ مَا ذُكْرَ عَنْهُمْ مِنْ ذِكْرِ أَنَّهُمْ دَعَوْهُ أَنْ يَمَسَّ آلِهَتُهُمْ، وَيُلِمَّ بِهَا، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ ذَلِكَ مَا ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَمْرٍ ثَقِيفٍ، وَمَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ مَا سَأَلُوهُ مِمَّا ذَكَّرْنَا، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَا بَيَانَ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي خَبَرٍ يَقْطَعُ الْعُذْرَ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ مَوْجُودٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَلَا شَيْءَ فِيهِ أَصْوَبُ مِنَ الْإِيمَانِ بِظَاهِرِهِ، حَتَّى يَأْتِيَ خَبَرٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ بِبَيَانٍ مَا عُنِيَ بِذَلِكَ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ {وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْ فَعَلَتْ مَا دَعَوْكَ إِلَيْهِ مِنَ الْفِتْنَةِ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لَاتَّخَذُوكَ إِذَا لِأَنْفُسِهِمْ خَلِيلًا وَكُنْتَ لَهُمْ وَكَانُوا لَكَ أَوْلِيَاءَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ بِعِصْمَتِنَا إِيَّاكَ عَمَّا دَعَاكَ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْفِتْنَةِ {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} يَقُولُ: لَقَدْ كِدْتَ تَمِيلُ إِلَيْهِمْ وَتَطْمَئِنُّ شَيْئًا قَلِيلًا وَذَلِكَ مَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِهِ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ بَعْضَ الَّذِي كَانُوا سَأَلُوهُ فِعْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرَ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِيقَوْلِهِ {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْن».
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَوْ رَكَنَتْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَا مُحَمَّدُ شَيْئًا قَلِيلًا فِيمَا سَأَلُوكَ إِذَنْ لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ عَذَابِ الْحَيَاةِ، وَضِعْفَ عَذَابِ الْمَمَاتِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} يَعْنِي: ضِعْفَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ {ضَعْفَ الْحَيَاةِ} قَالَ: عَذَابُهَا {وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} قَالَ: عَذَابُ الْآخِرَةِّ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ (إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضَعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ): أَيْ عَذَابَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} قَالَ: عَذَابُ الدُّنْيَا وَعَذَابُ الْآخِرَةِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} يَعْنِي عَذَابَ الدُّنْيَا وَعَذَابَ الْآخِرَةِ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ} مُخْتَصَرٌ، كَقَوْلِكَ: ضِعُفَ عَذَابِ الْحَيَاةِ {وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} فَهُمَا عَذَابَانِ، عَذَابُ الْمَمَاتِ بِهِ ضُوعِفَ عَذَابُ الْحَيَاةِ. وَقَوْلُهُ {ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} يَقُولُ: ثُمَّلَا تَجِدُ لَكَ يَا مُحَمَّدُ إِنْ نَحْنُ أَذَقْنَاكَ لِرُكُونِكَ إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَوْ رَكَنَتْ إِلَيْهِمْ، عَذَابَ الْحَيَاةِ وَعَذَابَ الْمَمَاتِ- عَلَيْنَا نَصِيرًا يَنْصُرُكَ عَلَيْنَا، وَيَمْنَعُكَ مِنْ عَذَابِكَ، وَيُنْقِذُكَ مِمَّا نَالَكَ مِنَّا مِنْ عُقُوبَةٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا}. يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ كَادَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ: يَقُولُ: لَيَسْتَخِفُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ بِهَا لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا {وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} يَقُولُ: وَلَوْ أَخْرَجُوكَ مِنْهَا لَمْ يَلْبَثُوا بِعَدِّكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى أُهْلِكَهُمْ بِعَذَابٍ عَاجِلٍ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيالَّذِينَ كَادُوا أَنْ يَسْتَفِزُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْرِجُوهُ مِنَ الْأَرْضِ وَفِي الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادُوا أَنْ يُخْرِجُوهُ مِنْهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الَّذِينَ كَادُوا أَنْ يَسْتَفِزُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ الْيَهُودُ، وَالْأَرْضُ الَّتِي أَرَادُوا أَنْ يُخْرِجُوهُ مِنْهَا الْمَدِينَةُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «زَعْمَ حَضْرَمِيٌّ أَنَّهُ بَلَّغَهُ أَنَّ بَعْضَ الْيَهُودِ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَرْضَ الْأَنْبِيَاءِ أَرْضُ الشَّامِ، وَإِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِأَرْضِ الْأَنْبِيَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا}». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ الْقَوْمُ الَّذِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ قُرَيْشًا، وَالْأَرْضُ مَكَّةَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} وَقَدْ هَمَّ أَهْلُ مَكَّةَ بِإِخْرَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، وَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَمَا تَوَطَّنُوا، وَلَكِنَّ اللَّهَ كَفَّهُمْ عَنْ إِخْرَاجِهِ حَتَّى أَمْرَهُ، وَلَقَلَّمَا مَعَ ذَلِكَ لَبِثُوا بَعْدَ خُرُوجِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ يَوْمَ بَدْرٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ} قَالَ: قَدْ فَعَلُوا بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَلَمْ يَلْبَثُوا بَعْدَهُ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ. وَكَذَلِكَ كَانَتْ سُنَّةُ اللَّهِ فِي الرُّسُلِ إِذَا فَعَلَ بِهِمْ قَوْمُهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} قَالَ: لَوْ أَخْرَجَتْ قُرَيْشٌ مُحَمَّدًا لَعُذِّبُوا بِذَلِكَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ قَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ} فِي سِيَاقِ خَبَرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ قُرَيْشٍ وَذِكْرِهِ إِيَّاهُمْ، وَلَمْ يَجْرِ لِلْيَهُودِ قَبْلَ ذَلِكَ ذِكْرٌ، فَيُوَجِّهُ قَوْلَهُ {وَإِنْ كَادُوا} إِلَى أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْهُمْ، فَهُوَ بِأَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَمَّنْ جَرَى لَهُ ذِكْرُ أُولَى مِنْ غَيْرِهِ. وَأَمَّا الْقَلِيلُالَّذِي اسْتَثْنَاهُ اللَّهُ جُلَّ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ {وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا}فَإِنَّهُ فِيمَا قِيلَ، مَا بَيْنَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَنَّ قَتْلَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَ مِنْ مُشْرِكِيهِمْ بِبَدْرٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} يَعْنِي بِالْقَلِيلِ يَوْمَ أَخْذِهِمْ بِبَدْرٍ، فَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الْقَلِيلُ الَّذِي لَبِثُوا بَعْدُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعَتِ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ (وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خَلْفَكَ إِلَّا قَلِيلًا) كَانَ الْقَلِيلُ الَّذِي لَبِثُوا بَعْدَ خُرُوجِ النَّبِيِّ مِنْ بَيْنٍ أَظْهُرِهِمْ إِلَى بَدْرٍ، فَأَخَذَهُمْ بِالْعَذَابِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ خِلَافِكَ بِعَدَكَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: عَقَـبَ الـرَّذَاذُ خِلَافَهَـا فَكَأنَّمَـا *** بَسَـطَ الشَّـوَاطِبُ بَيْنَهُـنَّ حَـصِيرًا يَعْنِي بِقَوْلِهِ: خِلَافَهَا: بَعْدَهَا. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: خَلْفَكَ. وَمَعْنَى ذَلِكَ، وَمَعْنَى الْخِلَافِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَاحِدٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَوْ أَخْرَجُوكَ لَمْ يَلْبَثُوا خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا وَلَأَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِنَا، سُنَّتُنَا فَيَمُنُّ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا، فَإِنَّا كَذَلِكَ كُنَّا نَفْعَلُ بِالْأُمَمِ إِذَا أَخْرَجَتْ رُسُلَهَا مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، وَنُصِبَتِ السُّنَةُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ {لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: لَعَذَّبْنَاهُمْ بَعْدَ قَلِيلٍ كَسُنَّتِنَا فِي أُمَمِ مَنْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا، وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا عَمَّا جَرَتْ بِهِ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا}: أَيْسُنَّةَ الْأُمَمِ وَالرُّسُلِ كَانَتْ قَبْلَكَ كَذَلِكَ إِذَا كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ وَأَخْرَجُوهُمْ، لَمْ يُنَاظَرُوا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ عَذَابَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَقِمِ الصَّلَاةَ} يَا مُحَمَّدُ {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيالْوَقْتِ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ بِدُلُوكِ الشَّمْسِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ وَقْتُ غُرُوبِهَا، وَالصَّلَاةُ الَّتِي أَمَرَ بِإِقَامَتِهَا حِينَئِذٍ: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ فَضِيلٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، يَعْنِي الشَّيْبَانِيَّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَلَى سَطْحٍ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَرَأَ {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}. حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ هَذَا لَحِينَ دَلَكَتِ الشَّمْسُ وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ وَوَقْتُ الصَّلَاةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَقَبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، أَنَّ عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كُتُبِ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الْمَغْرِبَ. وَيُفْطِرُ عِنْدَهَا إِنْ كَانَ صَائِمًا، وَيُقْسِمُ عَلَيْهَا يَمِينًا مَا يُقْسِمُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنْ هَذِهِ السَّاعَةَ لِمِيقَاتُ هَذِهِ الصَّلَاةِ، وَيَقْرَأُ فِيهَا تَفْسِيرَهَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: هَذَا دُلُوكُ الشَّمْسِ، وَهَذَا غَسَقُ اللَّيْلِ، وَأَشَارَ إِلَى الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: دُلُوكُ الشَّمْسِ: غُرُوبُهَا، يَقُولُ: دَلَكَتْ بِرَاح. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ دَلَكَتْ، يَعْنِي بِرَاحَ مَكَانًا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دُلُوكُهَا: غُرُوبُهَا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَدْ ذُكِرَ لَنَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُصَلِّيهَا إِذَا وَجَبَتْ وَعِنْدَهَا يُفْطِرُ إِذَا كَانَ صَائِمًا، ثُمَّ يُقْسِمُ عَلَيْهَا قَسَمًا لَا يُقْسِمُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ لِمِيقَاتُ هَذِهِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَقْرَأُ وَيُصَلِّيهَا وَتَصْدِيقُهَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} قَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ: دَلُوكُهَا: حِينَ تُرِيدُ الشَّمْسُ تَغْرُبُ إِلَى أَنْ يَغْسِقَ اللَّيْلُ، قَالَ: هِيَ الْمَغْرِبُ حِينَ يَغْسِقُ اللَّيْلُ، وَتَدْلُكُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، سَمِعَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَقُولُ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ حِينَ يَغْرُبُ حَاجِبُ الشَّمْسِ، وَيَحْلِفُ أَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغَيَّرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَقْتُ هَذِهِ الصَّلَاةِ. وَقَالَ: دُلُوكُهَا: غُرُوبُهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: دُلُوكُ الشَّمْسِ: مَيْلُهَا لِلزَّوَالِ، وَالصَّلَاةُ الَّتِي أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِقَامَتِهَا عِنْدَ دُلُوكِهَا: الظَّهْرُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عِمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: دُلُوكُهَا: مَيْلُهَا، يَعْنِي الشَّمْسَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغَيَّرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ، فِي قَوْلِهِ {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} قَالَ: دَلُوكُهَا: زَوَالُهَا. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي قَوْلِهِ {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} قَالَ: دُلُوكُهَا: مَيْلُهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلَامَةَ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، قَوْلَهُ {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} قَالَ: إِذَا زَالَتْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ مَرَّةً أُخْرَى، قَالَ: ثَنَا أَبُو تَمِيلَةَ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، قَالَ: ثَنَا سَيَّارُ بْنُ سَلَامَةَ الرِّيَاحَيُّ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا بَرْزَةَ فَسَأَلَهُ وَالِدِي عَنْ مَوَاقِيتِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ تَلَا {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}». حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّدَائِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، قَالَ: ثَنَا مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} قَالَ: الظُّهْرُ دُلُوكُهَا، إِذَا زَالَتْ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ، وَكَانَ لَهَا فِي الْأَرْضِ فَيْءٌ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} قَالَ: دُلُوكُهَا: زَوَالُهَا. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، مِثْلَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ فِي {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} قَالَ: لِزَوَالِ الشَّمْسِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ دُلُوكُ الشَّمْسِ: زَيْغُهَا بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ، يَعْنِي الظِّلَّ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: دُلُوكُ الشَّمْسِ، قَالَ: حِينَ تَزِيغُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} أَيْ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} قَالَ: حِينَ تَزِيغُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: دُلُوكُ الشَّمْسِ: حِينَ تَزِيغُ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِقَوْلِهِ {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}: صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ الدُّلُوكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْمَيْلُ، يُقَالُ مِنْهُ: دَلَكَ فُلَانٌ إِلَى كَذَا: إِذَا مَالَ إِلَيْهِ. وَمِنْهُ الْخَبَرُ الَّذِي رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: أَيُدَالِكُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ؟ يَعْنِي بِذَلِكَ: أَيُمِيلُ بِهَا إِلَى الْمُمَاطَلَةِ بِحَقِّهَا. وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ: هَـذَا مَقَـامُ قَـدَمَيْ رَبـاحِ *** غُـدْوَةَ حَـتَّى دَلَكَـتْ بِـرَاحِ وَيُرْوَى: بَرَاحِ بِفَتْحِ الْبَاءِ، فَمَنْ رَوَى ذَلِكَ: بِرَاحِ، بِكَسْرِ الْبَاءِ، فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَنَّهُ يَضَعُ النَّاظِرَ كَفَّهُ عَلَى حَاجِبِهِ مِنْ شُعَاعِهَا، لِيَنْظُرَ مَا لَقِيَ مِنْ غِيَارِهَا، وَهَذَا تَفْسِيرُ أَهْلِ الْغَرِيبِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَالْأَصْمَعِيِّ وَأَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رَوَيْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: دَلَكَتْ بِرَاحٌ، يَعْنِي: بِرَاحٌ مَكَانًا، وَلَسْتُ أَدْرِي هَذَا التَّفْسِيرَ، أَعْنِي قَوْلَهُ: بِرَاحٌ مَكَانًا مِنْ كَلَامِ مَنْ هُوَ مِمَّنْ فِي الْإِسْنَادِ، أَوْ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنْ يَكُنْ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ أَعْلَمَ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْغَرِيبِ الَّذِينَ ذَكَرْتُ قَوْلَهُمْ، وَأَنَّ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ، دُونَ قَوْلِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ كَانُوا أَعْلَمَ بِذَلِكَ مِنْهُ، وَلَمَّا قَالَ أَهْلُ الْغَرِيبِ فِي ذَلِكَ شَاهِدًا مِنْ قَوْلِ الْعَجَاجِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: والشَّـمْسُ قَـدْ كَـادَتْ تَكُـونُ دَنَفًـا *** أدْفَعُهَـا بِـالرَّاحِ كَـيْ تَزَحْلَفَـا فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَدْفَعُ شُعَاعَهَا لِيَنْظُرَ إِلَى مَغِيبِهَا بِرَاحِهِ. وَمَنْ رَوَى ذَلِكَ بِفَتْحِ الْبَاءِ، فَإِنَّهُ جَعَلَهُ اسْمًا لِلشَّمْسِ وَكَسَرَ الْحَاءَ لِإِخْرَاجِهِ إِيَّاهُ عَلَى تَقْدِيرِ قَطَامِ وحَذَامِ وَرَقَاشِ، فَإِذَا كَانَ مَعْنَى الدُّلُوكُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الْمَيْلُ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا زَالَتْ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ، فَقَدْ مَالَتْ لِلْغُرُوبِ، وَذَلِكَ وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَبِذَلِكَ وَرَدَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِ بَعْضِهِ بَعْضُ النَّظَرِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: ثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عَقَبَةَ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَانِي جُبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ حِينَ زَالَتْ فَصَلَّى بِيَ الظُّهْر». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو تَمِيلَةَ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، قَالَ: ثَنِي سَيَّارُ بْنُ سَلَامَةَ الرِّيَاحَيُّ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَرْزَةَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ تَلَا {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا الْحُكْمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «دَعَوْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ شَاءَ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَطَعِمُوا عِنْدِي، ثُمَّ خَرَجُوا حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: “ اخْرُجْ يَا أَبَا بَكْرٍ قَدْ دَلَكَتِ الشَّمْس». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الرَّازِيُّ، قَالَ: ثَنَا سَهْلُ بْنُ بِكَارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عِوَانَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ نُبَيْحِ الْعَنْزِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْو حَدِيثِ ابْنِ حُمَيْدٍ. فَإِذَا كَانَ صَحِيحًا مَا قُلْنَا بِالَّذِي بِهِ اسْتَشْهَدْنَا، فَبَيِّنٌ إِذَنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} أَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِحُدُودِهِمَا مِمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْكَ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا الصَّلَاتَانِ اللَّتَانِ فَرَضَهُمَا اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ مِنْ وَقْتِ دُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ، وَغَسَقُ اللَّيْلِ: هُوَ إِقْبَالُهُ وَدُنُوُّهُ بِظَلَامِهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: آبَ هَذَا اللَّيْلُ إِذْ غَسَقَا *** وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِقَامَتِهَا عِنْدَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الصَّلَاةُ الَّتِي أُمِرَ بِإِقَامَتِهَا عِنْدَهُ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} قَالَ: غَسَقُ اللَّيْلِ: بِدُوُّ اللَّيْلِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} قَالَ: بِدُوُّ اللَّيْلِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: غَسَقُ اللَّيْلِ: غُرُوبُ الشَّمْسِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {غَسَقِ اللَّيْلِ}: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} بِدُوُّ اللَّيْلِ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ. وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْفِطْرَةِ مَا صَلَّوْا الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ تَبْدُوَ النُّجُوم». حُدِّثُتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ. قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} يَعْنِي ظَلَامَ اللَّيْلِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ أَبِي يَقُولُ {غَسَقِ اللَّيْلِ}: ظُلْمَةُ اللَّيْلِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} قَالَ: صَلَاةُ الْعَصْرِ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: الصَّلَاةُ الَّتِي أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِقَامَتِهَا عِنْدَ غَسَقِ اللَّيْلِ، هِيَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ دُونَ غَيْرِهَا، لِأَنَّ غَسَقَ اللَّيْلِ هُوَ مَا وَصَفْنَا مِنْ إِقْبَالِ اللَّيْلِ وَظَلَامِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ. فَأَمَّا صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَإِنَّهَا مِمَّا تُقَامُ بَيْنَ ابْتِدَاءِ دُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ، لَا عِنْدَ غَسَقِ اللَّيْلِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} فَإِنَّ مَعْنَاهُ وَأَقِمْ قُرْآنَ الْفَجْرَ: أَي مَا تَقْرَأُ بِهِ صَلَاةَ الْفَجْرَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَالْقُرْآنُ مَعْطُوفٌ عَلَى الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: نُصِبَ قَوْلُهُ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} عَلَى الْإِغْرَاءِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَعَلَيْكَ قُرْآنَ الْفَجْرِ {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} يَقُولُ: أَنَّمَا تَقْرَأُ بِهِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنَ الْقُرْآنِ كَانَ مَشْهُودًا، يَشْهَدُهُ فِيمَا ذُكِرَ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ: وَجَاءَتِ الْآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ أَسْبَاطِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} قَالَ: “ تَشْهَدُهُ مِلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَار». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا آدَمُ، قَالَ: ثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، قَالَ ثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زِيَادَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَفْتَحُ الذِّكْرَ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ يَبْقِينَ مِنَ اللَّيْلِ: فِي السَّاعَةِ الْأُولَى مِنْهُنَّ يَنْظُرُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي لَا يَنْظُرُ فِيهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ فَيَمْحُوَا مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ، ثُمَّ يَنْزِلُ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى جَنَّةِ عَدْنٍ، وَهِيَ دَارُهُ الَّتِي لَمْ تَرَهَا عَيْنٌ، وَلَا تَخْطُرُ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَهِيَ مَسْكَنُهُ، وَلَا يَسْكُنُ مَعَهُ مِنْ بَنِي آدَمَ غَيْرُ ثَلَاثَةٍ: النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ ثُمَّ يَقُولُ: طُوبَى لِمَنْ دَخَلَكِ، ثُمَّ يَنْزِلُ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِرُوحِهِ وَمَلَائِكَتِهِ فَتَنْتَفِضُ، فَيَقُولُ: قُومِي بِعَوْنِي، ثُمَّ يَطَّلِعُ إِلَى عِبَادِهِ، فَيَقُولُ: مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي أَغْفِرْ لَهُ، مَنْ يَسْأَلْنِي أُعْطِهِ، مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}» قَالَ مُوسَى فِي حَدِيثِهِ: «شَهْدَهُ اللَّهُ وَمَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَار». وَقَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي حَدِيثِهِ: «فَيَشْهَدُهُ اللَّهُ وَمَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَار». حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَقَبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّ صَلَاةَ الْفَجْرَ عِنْدَهَا يَجْتَمِعُ الْحَرَسَانِ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ، وَيَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} وَقُرْآنُ الْفَجْرَ: صَلَاةُ الصُّبْحِ، كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّ عِنْدَهَا يَجْتَمِعُ الْحَرَسَانِ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ حَرَسِ اللَّيْلِ وَحَرَسِ النَّهَارِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} صَلَاةُ الْفَجْرَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ {كَانَ مَشْهُودًا} فَإِنَّهُ يَقُولُ: مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ يَشْهَدُونَ تِلْكَ الصَّلَاةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} قَالَ: تَنْزِلُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَتَصْعَدُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ فَضِيلٍ، عَنْ ضِرَارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، فِي قَوْلِهِ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} قَالَ: يَشْهَدُهُ حَرَسُ اللَّيْلِ وَحَرَسُ النَّهَارِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرَ. حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ تَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَتَشْهَدُ فِيهَا جَمِيعًا، ثُمَّ يَصْعَدُ هَؤُلَاءِ وَيُقِيمُ هَؤُلَاءِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} يَعْنِي صَلَاةَ الصُّبْحِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} قَالَ: صَلَاةُ الصُّبْحِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} صَلَاةَ الصُّبْحِ {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} قَالَ: تَجْتَمِعُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} يَعْنِي صَلَاةَ الْغَدَاةِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} قَالَ: صَلَاةُ الْفَجْرَ {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} قَالَ: مَشْهُودًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِيمَا يَذْكُرُونَ. قَالَ: وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَقُولَانِ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى الَّتِي حَضَّ اللَّهُ عَلَيْهَا: صَلَاةُ الصُّبْحِ. قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَصَلَاةَ الْعَصْرِ: صَلَاتَا النَّهَارِ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعَشَاءَ: صَلَاتَا اللَّيْلِ، وَهِيَ بَيْنُهَا، وَهِيَ صَلَاةُ نَوْمٍ، مَا نَعْمَلُ صَلَاةً يُغْفَلُ عَنْهَا مِثْلَهَا. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ الْجَرِيرِيِّ، عَنْ أَبِي الْوَرْدِ بْنِ ثُمَامَةَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: ثَنَا كَعْبٌ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ كَعْبٍ بِيَدِهِ، إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} إِنَّهَا لَصَلَاةُ الْفَجْرِ إِنَّهَا لَمَشْهُودَةٌ. حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنِ الزَّهْرِيِّ، قَالَ: ثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ “، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} قَالَ: صَلَاةُ الْفَجْرِ تَجْتَمِعُ فِيهَا مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْهَرْ بَعْدَ نَوْمَةٍ يَا مُحَمَّدُ بِالْقُرْآنِ، نَافِلَةً لَكَ خَالِصَةً دُونَ أُمَّتِكَ.وَالتَّهَجُّدُ: التَّيَقُّظُ وَالسَّهَرُبَعْدَ نَوْمَةٍ مِنَ اللَّيْلِ. وَأَمَّا الْهُجُودُ نَفْسُهُ: فَالنَّوْمُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: أَلَّا طَرَقَتْنَـا وَالرِّفَـاقُ هُجُـودٌ *** فَبَـاتَتْ بِعُـلَّاتِ النَّـوَالِ تَجُـودُ وَقَالَ الْحُطَيْئَةُ أَلَّا طَـرَقَتْ هِنْـدُ الْهُنُـودِ وَصُحْـبَتِي *** بِحَـوْرَانَ حَـورَانِ الْجُـنُودِ هُجُـودُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثَنَا أَبِي وَشُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي هِلَالٍ، عَنِ الْأَعْرَجِ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَمِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، «عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: لَأَنْظُرُنَّ كَيْفَ يُصَلِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَتَلَا أَرْبَعَ آيَاتٍ مِنْ آخَرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} حَتَّى مَرَّ بِالْأَرْبَعِ، ثُمَّ أَهْوَى إِلَى الْقِرْبَةِ، فَأَخَذَ سِوَاكًا فَاسْتَنَّ بِهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَصَنَعَ كَصُنْعِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، » وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ التَّهَجُّدُ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَا ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْودِ أَنَّهُمَا قَالَا: التَّهَجُّدُ بَعْدَ نَوْمَةٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: التَّهَجُّدُ: بَعْدَ نَوْمَةٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: ثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْودِ، بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: التَّهَجُّدُ: بَعْدَ النَّوْمِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: التَّهَجُّدُ: مَا كَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ. حُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: إِنَّمَا التَّهَجُّدُ بَعْدَ رَقْدَةٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ {نَافِلَةً لَكَ} فَإِنَّهُ يَقُولُ: نَفْلًا لَكَ عَنْ فَرَائِضِكَ الَّتِي فَرَضْتُهَا عَلَيْكَ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خُصَّ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ كَوْنِ صَلَاةِ كُلِّ مُصَلٍّ بَعْدَ هُجُودِهِ، إِذَا كَانَ قَبْلَ هُجُودِهِ قَدْ كَانَ أَدَّى فَرَائِضَهُ نَافِلَةً نَفْلًا إِذْ كَانَتْ غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى خُصُوصِهِ بِذَلِكَ: هُوَ أَنَّهَا كَانَتْ فَرِيضَةٌ عَلَيْهِ، وَهِيَ لِغَيْرِهِ تَطَوُّعٌ، وَقِيلَ لَهُ: أَقِمْهَا نَافِلَةً لَكَ: أَيْ فَضْلًا لَكَ مِنَ الْفَرَائِضِ الَّتِي فَرَضْتُهَا عَلَيْكَ عَمَّا فَرَضْتُ عَلَى غَيْرِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} يَعْنِي بِالنَّافِلَةِ أَنَّهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً، أُمِرَ بِقِيَامِ اللَّيْلِ وَكُتِبَ عَلَيْهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ قِيلَ ذَلِكَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ ذَلِكَ يُكَفِّرُ عَنْهُ شَيْئًا مِنَ الذُّنُوبِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ قَدْ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَكَانَ لَهُ نَافِلَةَ فَضْلٍ، فَأَمَّا غَيْرُهُ فَهُوَ لَهُ كَفَّارَةٌ، وَلَيْسَ هُوَ لَهُ نَافِلَةٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: النَّافِلَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً مِنْ أَجْلٍ أَنَّهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَمَا عَمِلَ مِنْ عَمَلٍ سِوَى الْمَكْتُوبَةِ، فَهُوَ نَافِلَةٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ ذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الذُّنُوبِ، فَهِيَ نَوَافِلُ وَزِيَادَةٌ، وَالنَّاسُ يَعْمَلُونَ مَا سِوَى الْمَكْتُوبَةِ لِذُنُوبِهِمْ فِي كَفَّارَتِهَا، فَلَيْسَتِ لِلنَّاسِ نَوَافِلَ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَلِكَ أَنَّرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ خَصَّهُ بِمَا فَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، دُونَ سَائِرِ أُمَّتِهِ، فَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي ذَلِكَ، فَقَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ أَكْثَرُ مَا كَانَ اسْتِغْفَارًا لِذُنُوبِهِ بَعْدَ نُزُولِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ مَنْ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} عَامَ قُبِضَ. وَقِيلَ لَهُ فِيهَا {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} «فَكَانَ يُعَدُّ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ اسْتِغْفَارَ مِائَةِ مَرَّة» وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ إِلَّا لِمَا يُغْفَرُ لَهُ بِاسْتِغْفَارِهِ ذَلِكَ، فَبَيِّنٌ إِذَنْ وَجْهُ فَسَادِ مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَمَرٍ عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: إِنَّمَا كَانَتِ النَّافِلَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {نَافِلَةً لَكَ} قَالَ: تَطَوَّعًا وَفَضِيلَةً لَكَ. وَقَوْلُهُ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} وَعَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ، وَإِنَّمَا وُجِّهَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ: عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ، لِعِلْمِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَدْعُ أَنْ يَفْعَلَ بِعِبَادِهِ مَا أَطْمَعَهُمْ فِيهِ مِنَ الْجَزَاءِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَالْعَوَضِ عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ لَيْسَ مِنْ صِفَتِهِ الْغُرُورُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ أَطْمَعَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ لَهُ فِي نَفْعِهِ، إِذَا هُوَ تُعَاهَدَهُ وَلَزِمَهُ، فَإِنْ لَزِمَ الْمَقُولُ لَهُ ذَلِكَ وَتَعَاهَدُهُ ثُمَّ لَمْ يَنْفَعْهُ، وَلَا سَبَبَ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْعِهِ إِيَّاهُ مَعَ الْأطْمَاعِ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْهُ لِصَاحِبِهِ عَلَى تَعَاهُدِهِ إِيَّاهُ وَلُزُومِهِ، فَإِنَّهُ لِصَاحِبِهِ غَارٌّ بِمَا كَانَ مِنْ إِخْلَافِهِ إِيَّاهُ فِيمَا كَانَ أَطْمَعَهُ فِيهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي قَالَ لَهُ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَنْ صَفَّتْهُ الْغُرُورُ لِعِبَادِهِ صَحَّ وَوَجَبَ أَنَّ كُلَّ مَا أَطْمَعَهُمْ فِيهِ مَنْ طَمِعٍ عَلَى طَاعَتِهِ، أَوْ عَلَى فِعْلٍ مِنَ الْأَفْعَالِ، أَوْ أَمَرٍ أَوْ نَهْيٍ أَمَرَهُمْ بِهِ، أَوْ نَهَاهُمْ عَنْهُ، فَإِنَّهُ مُوَفٍّ لَهُمْ بِهِ، وَإِنَّهُمْ مِنْهُ كَالْعِدَّةِ الَّتِي لَا يُخْلِفُ الْوَفَاءَ بِهَا، قَالُوا: عَسَى وَلَعَلَّ مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: أَقِمِ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ يَا مُحَمَّدُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي أَمَرْتُكَ بِإِقَامَتِهَا فِيهَا، وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدَ فَرْضًا فَرَضْتُهُ عَلَيْكَ، لَعَلَّ رَبَّكَ أَنْ يَبْعَثَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَقَامًا تَقُومُ فِيهِ مَحْمُودًا تَحْمَدُهُ، وَتُغْبَطَ فِيهِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: ذَلِكَ هُوَ الْمَقَامُ الَّذِي هُوَ يَقُومُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلشَّفَاعَةِ لِلنَّاسِ لِيُرِيحَهُمْ رَبُّهُمْ مِنْ عَظِيمِ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ شِدَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: «يُجْمَعُ النَّاسُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنَفْذُهُمُ الْبَصَرُ، حُفَاةً عُرَاةً كَمَا خُلِقُوا، قِيَامًا لَا تُكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، يُنَادَى: يَا مُحَمَّدُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، وَالْمَهْدِي مَنْ هَدَيْتَ، عَبْدُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَبِكَ وَإِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، سُبْحَانَكَ رَبَّ هَذَا الْبَيْت»؛ فَهَذَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: «يُجْمَعُ النَّاسُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ. فَلَا تُكَلَّمُ نَفْسٌ، فَأَوَّلُ مَا يَدْعُو مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُقَوِّمُ مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَه». حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الرّقِّيُّ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ: الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ: مَقَامُ الشَّفَاعَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كَهَيْلٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو الزَّعْرَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قِصَّةٍ ذَكَرَهَا، قَالَ: ثُمَّ يُؤْمَرُ بِالصِّرَاطِ فَيُضْرَبُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ، فَيَمُرُّ النَّاسُ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ؛ يَمُرُّ أَوَّلُهُمْ كَالْبَرْقِ، وَكَمَرِّ الرِّيحِ، وَكَمَرِّ الطَّيْرِ، وَكَأَسْرَعِ الْبَهَائِمِ، ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ سَعْيًا، ثُمَّ مَشَيَا، حَتَّى يَجِيءَ آخِرُهُمْ يَتَلَبَّطُ عَلَى بَطْنِهِ، فَيَقُولُ: رَبِّ لِمَا أَبْطَأَتْ بِي، فَيَقُولُ: إِنِّي لَمْ أُبْطِأْ بِكَ، إِنَّمَا أَبْطَأَ بِكَ عَمَلُكُ، قَالَ: ثُمَّ يَأْذَنُ اللَّهُ فِي الشَّفَاعَةِ، فَيَكُونُ أَوَّلُ شَافِعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، رُوحُ الْقُدُسِ، ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ مُوسَى، أَوْ عِيسَى قَالَ أَبُو الزَّعْرَاءِ: لَا أَدْرِي أَيَّهُمَا قَالَ، قَالَ: ثُمَّ يَقُومُ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَابِعًا، فَلَا يَشْفَعُ أَحَدٌ بَعْدَهُ فِيمَا يَشْفَعُ فِيهِ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ: الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ: مَقَامُ الشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى: وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ: شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: هُوَ الشَّفَاعَةُ، يُشَفِّعُهُ اللَّهُ فِي أُمَّتِهِ، فَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} وَقَدْ «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا عَبَدَا، أَوْ مَلَكًا نَبِيًّا، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنْ تَوَاضَعْ، فَاخْتَارَ نَبِيُّ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا، فَأُعْطِيَ بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ ثِنْتَيْنِ: أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَأَوَّلُ شَافِع». وَكَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ يَرَوْنَ أَنَّهُ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} شَفَاعَةُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ: هِيَ الشَّفَاعَةُ، يُشَفِّعُهُ اللَّهُ فِي أُمَّتِهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَالثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةِ بْنِ زُفَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ: «يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ حَيْثُ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، فَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ حُفَاةً عُرَاةً، كَمَا خُلِقُوا سُكُوتًا لَا تُكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، قَالَ: فَيُنَادَى مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، وَالْمَهْدِي مَنْ هَدَيْتَ، وَعَبْدُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَلَكَ وَإِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، سُبْحَانَكَ رَبَّ الْبَيْتِ، » قَالَ: فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، قَالَ حُذَيْفَةُ: «يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، حَيْثُ يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، حُفَاةً عُرَاةً كَمَا خُلِقُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ يَقُومُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ: “ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ “، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: هُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُود». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَالْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَبْعَثَهُ إِيَّاهُ، هُوَ أَنْ يُقَاعِدَهُ مَعَهُ عَلَى عَرْشِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ: يُجْلِسُهُ مَعَهُ عَلَى عَرْشِهِ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ. وَذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} سُئِلَ عَنْهَا، قَالَ: “ هِىَ الشَّفَاعَة». حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ بْنُ يَزِيدَ الْأَوِدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فِي قَوْلِهِ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ: “ هُوَ الْمَقَامُ الَّذِي أَشْفَعُ فِيهِ لِأُمَّتِي». حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ الْحِمْصِيُّ أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: ثَنَا بَقِيَّةُ بْنَ الْوَلِيدِ، عَنِ الزُّبَيْدِيّ، عَنِ الزَّهْرِيّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ فَيَكْسُونِي رَبِّي حُلَّةً خَضْرَاءَ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي، فَأَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَقُولَ، فَذَاكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُود». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، قَالَ: ثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّمْسَ لَتَدْنُوَ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الْأُذُنِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَقُولُ لَسْتُ صَاحِبَ ذَلِكَ ثُمَّ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَقُولُ كَذَلِكَ، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ فَيَشْفَعُ بَيْنَ الْخَلْقِ حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الْجَنَّةِ فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا». حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثَنِي عُثْمَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ وَعَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَقُومُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ “ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا ذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ ذَاكَ إِذَا جِيءَ بِكُمْ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيُؤْتَى بِرَيْطَتَيْنِ بَيْضَاوَيْنِ، فَيَلْبِسْهُمَا، ثُمَّ يَقْعُدُ مُسْتَقْبِلَ الْعَرْشِ، ثُمَّ أُوتَى بِكِسْوَتِي فَأَلْبَسُهَا، فَأَقُومُ عَنْ يَمِينِهِ مَقَامًا لَا يَقُومُهُ غَيْرِي يَغْبِطُنِي فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، ثُمَّ يُفْتَحُ نَهَرٌ مِنَ الْكَوْثَرِ إِلَى الْحَوْض». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزَّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «“ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَدَّ اللَّهُ الْأَرْضَ مَدَّ الْأَدِيمِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِبَشَرٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُدْعَى وجَبْرَائِيلُ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَاللَّهِ مَا رَآهُ قَبْلَهَا، فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ إِنَّ هَذَا أَخْبَرَنِي أَنَّكَ أَرْسَلْتَهُ إِلَيَّ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: صَدَقَ، ثُمَّ أَشْفَعُ، قَالَ: فَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُود». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزَّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ “، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ: “ ثُمَّ أَشْفَعُ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ عِبَادُكَ عَبَدُوكَ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُود». حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ آدَمَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: «إِنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَجِيءُ مَعَ كُلِّ نَبِيٍّ أُمَّتُهُ، ثُمَّ يَجِيءُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ الْأُمَمِ هُوَ وَأُمَّتُهُ، فَيَرْقَى هُوَ وَأُمَّتُهُ عَلَى كَوْمٍ فَوْقَ النَّاسِ، فَيَقُولُ: يَا فُلَانٌ اشْفَعْ، وَيَا فُلَانٌ اشْفَعْ، وَيَا فُلَانٌ اشْفَعْ، فَمَا زَالَ يَرُدُّهَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَرْجعُ ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ إِيَّاه». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: ثَنَا حَيْوَةُ وَرَبِيعٌ، قَالَا ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ، فَيَكْسُونِي رَبِيَ عَزَّ وَجَلَّ حُلَّةً خَضْرَاءَ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي فَأَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَقُولَ، فَذَاكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُود». وَهَذَا وَإِنْ كَانَ هُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الرِّوَايَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ، فَإِنَّ مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يُقْعِدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَرْشِهِ، قَوْلٌ غَيْرُ مَدْفُوعٍ صِحَّتَهُ، لَا مِنْ جِهَةِ خَبَرٍ وَلَا نَظَرٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا خَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا عَنِ التَّابِعَيْنِ بِإِحَالَةِ ذَلِكَ. فَأَمَّا مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ، فَإِنَّ جَمِيعَ مَنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ إِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ: فَقَالَتْ فُرْقَةٌ مِنْهُمْ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ كَانَ قَبْلَ خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ، ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ فَلَمْ يُمَاسْهَا، وَهُوَ كَمَا لَمْ يَزَلْ، غَيْرَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي خَلَقَهَا، إِذْ لَمْ يَكُنْ هُوَ لَهَا مُمَاسًّا، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا مُبَايِنًا، إِذْ لَا فِعَالَ لِلْأَشْيَاءِ إِلَّا وَهُوَ مُمَاسٌّ لِلْأَجْسَامِ أَوْ مُبَايِنٌ لَهَا. قَالُوا: فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَاعِلُ الْأَشْيَاءِ، وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُمَاسٌّ لِلْأَشْيَاءِ، وَجَبَ بِزَعْمِهِمْ أَنَّهُ لَهَا مُبَايِنٌ، فَعَلَى مَذْهَبٍ هَؤُلَاءِ سَوَاءٌ أَقْعَدَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَرْشِهِ، أَوْ عَلَى الْأَرْضِ إِذْ كَانَ مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ بَيْنُونَتَهُ مَنْ عَرَّشَهُ، وَبَيْنُونَتَهُ مَنْ أَرْضِهِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي أَنَّهُ بَائِنٌ مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا، غَيْرُ مُمَاسٍّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى: كَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَبْلَ خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ، لَا شَيْءَ يُمَاسُّهُ، وَلَا شَيْءَ يُبَايِنُهُ، ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ فَأَقَامَهَا بِقُدْرَتِهِ، وَهُوَ كَمَا لَمْ يَزَلْ قَبْلَ خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ لَا شَيْءَ يُمَاسُّهُ وَلَا شَيْءَ يُبَايِنُهُ، فَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَيْضًا سَوَاءٌ أَقْعَدَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَرْشِهِ، أَوْ عَلَى أَرْضِهِ، إِذْ كَانَ سَوَاءً عَلَى قَوْلِهِمْ عَرْشُهُ وَأَرْضُهُ فِي أَنَّهُ لَا مُمَاسَّ وَلَا مُبَايِنَ لِهَذَا، كَمَا أَنَّهُ لَا مُمَاسَّ وَلَا مُبَايِنَ لِهَذِهِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى: كَانَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرِهِ قَبْلَ خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ لَا شَيْءَ وَلَا شَيْءَ يُمَاسِهِ، وَلَا شَيْءَ يُبَايِنُهُ، ثُمَّ أَحْدَثَ الْأَشْيَاءَ وَخَلَقَهَا، فَخَلَقَ لِنَفْسِهِ عَرْشًا اسْتَوَى عَلَيْهِ جَالِسًا، وَصَارَ لَهُ مُمَاسًّا، كَمَا أَنَّهُ قَدْ كَانَ قَبْلَ خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ لَا شَيْءَ يَرْزُقُهُ رِزْقًا، وَلَا شَيْءَ يَحْرِمُهُ ذَلِكَ، ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ فَرَزَقَ هَذَا وَحَرَمَ هَذَا، وَأَعْطَى هَذَا، وَمَنَعَ هَذَا، قَالُوا: فَكَذَلِكَ كَانَ قَبْلَ خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ يُمَاسُهُ وَلَا يُبَايِنُهُ، وَخَلْقَ الْأَشْيَاءَ فَمَاسَّ الْعَرْشَ بِجُلُوسِهِ عَلَيْهِ دُونَ سَائِرِ خَلْقِهِ، فَهُوَ مُمَاسٌّ مَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَمُبَايِنٌ مَا شَاءَ مِنْهُ، فَعَلَى مَذْهَبِ هَؤُلَاءِ أَيْضًا سَوَاءٌ أَقْعَدَ مُحَمَّدًا عَلَى عَرْشِهِ، أَوْ أَقْعَدَهُ عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ نُورٍ، إِذْ كَانَ مِنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّ جُلُوسَ الرَّبِّ عَلَى عَرْشِهِ، لَيْسَ بِجُلُوسٍ يَشْغَلُ جَمِيعَ الْعَرْشِ، وَلَا فِي إِقْعَادِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوجِبًا لَهُ صِفَةَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَلَا مُخْرِجَهُ مِنْ صِفَةِ الْعُبُودِيَّةِ لِرَبِّهِ، كَمَا أَنَّ مُبَايَنَةَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ مُبَايِنًا لَهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لَهُ صِفَةَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَلَا مُخْرِجَتِهِ مِنْ صِفَةِ الْعُبُودِيَّةِ لِرَبِّهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ لَهُ مُبَايِنٌ، كَمَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَوْصُوفٌ عَلَى قَوْلِ قَائِلٍ هَذِهِ الْمَقَالَةَ بِأَنَّهُ مُبَايِنٌ لَهَا، هُوَ مُبَايِنٌ لَهُ. قَالُوا: فَإِذَا كَانَ مَعْنَى مُبَايِنٍ، وَمُبَايِنٌ لَا يُوجِبُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُرُوجَ مِنْ صِفَةِ الْعُبُودَةِ وَالدُّخُولِ فِي مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ، فَكَذَلِكَ لَا يُوجِبُ لَهُ ذَلِكَ قُعُودُهُ عَلَى عَرْشِ الرَّحْمَنِ، فَقَدْ تَبَيَّنَ إِذًا بِمَا قُلْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُحَالٍ فِي قَوْلِ أَحَدٍ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُقْعِدُ مُحَمَّدًا عَلَى عَرْشِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّا لَا نُنْكِرُ إِقْعَادَ اللَّهِ مُحَمَّدًا عَلَى عَرْشِهِ، وَإِنَّمَا نُنْكِرُ إِقْعَادُهُ... حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْجَرِيرِيِّ، عَنْ سَيْفٍ السَّدُوسيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى كُرْسِيِّ الرَّبِّ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَإِنَّمَا يُنْكَرُ إِقْعَادَهُ إِيَّاهُ مَعَهُ، قِيلَ: أَفَجَائِزٌ عِنْدَكَ أَنْ يُقْعِدَهُ عَلَيْهِ لَا مَعَهُ. فَإِنْ أَجَازَ ذَلِكَ صَارَ إِلَى الْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ إِمَّا مَعَهُ، أَوْ إِلَى أَنَّهُ يُقْعِدُهُ، وَاللَّهُ لِلْعَرْشِ مُبَايِنٌ، أَوْ لَا مُمَاسٌّ وَلَا مُبَايِنٌ، وَبِأَيِّ ذَلِكَ قَالَ كَانَ مِنْهُ دُخُولًا فِي بَعْضِ مَا كَانَ يُنْكِرُهُ وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ غَيْرَ جَائِزٍ كَانَ مِنْهُ خُرُوجًا مِنْ قَوْلِ جَمِيعِ الْفَرْقِ الَّتِي حَكَيْنَا قَوْلَهُمْ، وَذَلِكَ فِرَاقٌ لِقَوْلِ جَمِيعِ مَنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ، إِذْ كَانَ لَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ إِلَّا الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي حَكَيْنَاهَا، وَغَيْرَ مُحَالٍ فِي قَوْلِ مِنْهَا مَا قَالَ مُجَاهِدٌ فِي ذَلِكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صَدَقٍ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَعْنَى مُدْخَلَ الصِّدْقِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْغَبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يُدْخِلَهُ إِيَّاهُ، وَفِي مُخْرَجِ الصِّدْقِ الَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يَرْغَبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يُخْرِجَهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِمُدْخَلِ الصِّدْقِ: مُدْخَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، حِينَ هَاجَرَ إِلَيْهَا، وَمُخْرَجِ الصِّدْقِ: مُخْرَجَهُ مِنْ مَكَّةَ، حِينَ خَرَجَ مِنْهَا مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَابْنُ حَمِيدٍ، قَالَا ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ، {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا}. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ عَوْفٍ عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ {أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} قَالَ: كَفَّارُ أَهْلِ مَكَّةَ لَمَّا ائْتَمَرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقْتُلُوهُ، أَوْ يَطْرُدُوهُ، أَوْ يُوثِقُوهُ، وَأَرَادَ اللَّهُ قِتَالَ أَهْلِ مَكَّةَ، فَأَمْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ {أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ}. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {مُدْخَلَ صِدْقٍ} قَالَ: الْمَدِينَةُ {مُخْرَجَ صِدْقٍ} قَالَ: مَكَّةُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْهِجْرَةِ بِالْمَدِينَةِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} قَالَ: الْمَدِينَةُ حِينَ هَاجَرَ إِلَيْهَا، وَمُخْرَجُ صِدْقٍ: مَكَّةُ حِينَ خَرَجَ مِنْهَا مُخْرِجَ صِدْقٍ، قَالَ ذَلِكَ حِينَ خَرَجَ مُهَاجِرًا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَقُلْ رَبِّ أَمَتِّنِي إِمَاتَةَ صِدْقٍ، وَأَخْرِجْنِي بَعْدَ الْمَمَاتِ مِنْ قَبْرِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُخْرِجَ صِدْقٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ}.... الْآيَةَ، قَالَ: يَعْنِي بِالْإِدْخَالِ: الْمَوْتَ، وَالْإِخْرَاجِ: الْحَيَاةَ بَعْدَ الْمَمَاتِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ: أَدْخِلْنِي فِي أَمْرِكَ الَّذِي أَرْسَلَتْنِي بِهِ مِنَ النُّبُوَّةِ مُدْخَلَ صِدْقٍ، وَأَخْرِجْنِي مِنْهُ مُخْرَجَ صِدْقٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} قَالَ: فِيمَا أَرْسَلَتْنِي بِهِ مِنْ أَمْرِكَ {وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} قَالَ كَذَلِكَ أَيْضًا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ: الْجَنَّةُ، وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ: مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ {أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} الْجَنَّةُ و {مُخْرَجَ صِدْقٍ} مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَدْخِلْنِي فِي الْإِسْلَامِ مُدْخَلَ صِدْقٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَدْخِلْنِي فِي الْإِسْلَامِ مُدْخَلَ صِدْقٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ {رَبِ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} قَالَ: أَدْخِلْنِي فِي الْإِسْلَامِ مُدْخَلَ صِدْقٍ {وَأَخْرِجْنِي} مِنْهُ {مُخْرَجَ صِدْقٍ}. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَدْخِلْنِي مَكَّةَ آمِنًا، وَأَخْرِجْنِي مِنْهَا آمِنًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثَتْ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ قَالَ فِي قَوْلِهِ {رَبِ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} يَعْنِي مَكَّةَ، دَخَلَ فِيهَا آمِنًا، وَخَرَجَ مِنْهَا آمِنًا. وَأَشْبَهُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَدْخِلْنِي الْمَدِينَةَ مُدْخَلَ صِدْقٍ، وَأَخْرِجْنِي مِنْ مَكَّةَ مُخْرِجَ صِدْقٍ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ عَقِيبَ قَوْلِهِ {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا}. وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى، عَلَى أَنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ أَهْلَ مَكَّةَ؛ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ عَقِيبَ خَبَرِ اللَّهِ عَمَّا كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَرَادُوا مِنَ اسْتِفْزَازِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِيُخْرِجُوهُ عَنْ مَكَّةَ، كَانَ بَيِّنًا، إِذْ كَانَ اللَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ مِنْهَا، أَنَّ قَوْلَهُ {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} أَمْرٌ مِنْهُ لَهُ بِالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي أَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ الْبَلْدَةِ الَّتِي هَمَّ الْمُشْرِكُونَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْهَا مُخْرِجَ صِدْقٍ، وَأَنْ يُدْخِلَهُ الْبَلْدَةَ الَّتِي نَقَلَهُ اللَّهُ إِلَيْهَا مُدْخَلَ صِدْقٍ. وَقَوْلُهُ {وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَاجْعَلْ لِي مَلَكًا نَاصِرًا يَنْصُرُنِي عَلَى مَنْ نَاوَأَنِي، وَعِزًّا أُقِيمُ بِهِ دِينَكَ، وَأَدْفَعُ بِهِ عَنْهُ مَنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} يُوعِدُهُ لَيَنْزَعَنَّ مُلْكَ فَارِسَ، وَعِزَّ فَارِسَ، وَلَيَجْعَلْنَّهُ لَهُ، وَعِزَّ الرُّومِ، وَمُلْكَ الرُّومِ، وَلَيَجْعَلْنَّهُ لَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ عَلِمَ أَنْ لَا طَاقَةَ لَهُ بِهَذَا الْأَمْرِ إِلَّا بِسُلْطَانٍ، فَسَأَلَ سُلْطَانًا نَصِيرًا لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلِحُدُودِ اللَّهِ، وَلِفَرَائِضِ اللَّهِ، وَلِإِقَامَةِ دِينِ اللَّهِ، وَإِنَّ السُّلْطَانَ رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ جَعَلَهَا بَيْنَ أَظْهُرِ عِبَادِهِ، لَوْلَا ذَلِكَ لَأَغَارَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَأَكَلَ شَدِيدُهُمْ ضَعِيفَهُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ حُجَّةً بَيِّنَةً.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {سُلْطَانًا نَصِيرًا} قَالَ: حُجَّةً بَيِّنَةً. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: ذَلِكَأَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ بِالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي أَنْ يُؤْتِيَهُ سُلْطَانًا نَصِيرًالَهُ عَلَى مَنْ بَغَاهُ وَكَادَهُ، وَحَاوَلَ مَنْعَهُ مِنْ إِقَامَتِهِ فَرَائِضَ اللَّهِ فِي نَفْسِهِ وَعِبَادِهِ. وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ ذَلِكَ عَقِيبَ خَبَرِ اللَّهِ عَمَّا كَانَ الْمُشْرِكُونَ هَمُّوا بِهِ مِنْ إِخْرَاجِهِ مِنْ مَكَّةَ، فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُمْ لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ عُوجِلُوا بِالْعَذَابِ عَنْ قَرِيبٍ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي إِخْرَاجِهِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ إِخْرَاجَ صِدْقٍ يُحَاوِلُهُ عَلَيْهِمْ، وَيُدْخِلُهُ بَلْدَةً غَيْرَهَا، بِمُدْخَلِ صِدْقٍ يُحَاوِلُهُ عَلَيْهِمْ وَلِأَهْلِهَا فِي دُخُولِهَا إِلَيْهَا، وَأَنْ يَجْعَلَ لَهُ سُلْطَانًا نَصِيرًا عَلَى أَهْلِ الْبَلْدَةِ الَّتِي أَخْرَجَهُ أَهْلُهَا مِنْهَا، وَعَلَى كُلٍّ مَنْ كَانَ لَهُمْ شَبِيهًا، وَإِذَا أُوتِيَ ذَلِكَ، فَقَدْ أُوتِيَ لَا شَكَّ حُجَّةً بَيِّنَةً. وَأَمَّا قَوْلُهُ (نَصِيرًا) فَإِنَّ ابْنَ زَيْدٍ كَانَ يَقُولُ فِيهِ، نَحْوَ قَوْلِنَا الَّذِي قُلْنَا فِيهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} قَالَ: يَنْصُرُنِي، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ لِمُوسَى {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا} هَذَا مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ، إِنَّمَا هُوَ سُلْطَانٌ بِآيَاتِنَا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا وَنُنَزِلُّ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَادُوا أَنْ يَسْتَفِزُّوكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ}. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَعْنَى الْحَقِّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ، وَالْبَاطِلُ الَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يُعْلِمَهُمْ أَنَّهُ قَدْ زَهَقَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْحَقُّ: هُوَ الْقُرْآنُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالْبَاطِلُ: هُوَ الشَّيْطَانُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ} قَالَ: الْحَقُّ: الْقُرْآنُ {وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ} قَالَ: الْقُرْآنُ {وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} قَالَ: هَلَكَ الْبَاطِلُ وَهُوَ الشَّيْطَانُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِالْحَقِّ جِهَادَ الْمُشْرِكِينَ وَبِالْبَاطِلِ الشِّرْكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ} قَالَ: دَنَا الْقِتَالُ {وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} قَالَ: الشِّرْكُ وَمَا هُمْ فِيهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «دَخْلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، وَحَوْلَ الْبَيْتِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ صَنَمًا، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا وَيَقُولُ {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}»). وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْبِرَ الْمُشْرِكِينَ أَنَّ الْحَقَّ قَدْ جَاءَ، وَهُوَ كُلُّ مَا كَانَ لِلَّهِ فِيهِ رِضًا وَطَاعَةٌ، وَأَنَّ الْبَاطِلَ قَدْ زَهَقَ: يَقُولُ: وَذَهَبَ كُلُّ مَا كَانَ لَا رِضَا لِلَّهِ فِيهِ وَلَا طَاعَةَ مِمَّا هُوَ لَهُ مَعْصِيَةٌ وَلِلشَّيْطَانِ طَاعَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَقَّ هُوَ كُلُّ مَا خَالَفَ طَاعَةَ إِبْلِيسٍ، وَأَنَّ الْبَاطِلَ: هُوَ كُلُّ مَا وَافَقَ طَاعَتَهُ، وَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ بِالْخَبَرِ عَنْ بَعْضِ طَاعَاتِهِ، وَلَا ذِهَابَ بَعْضِ مَعَاصِيهِ، بَلْ عَمَّ الْخَيْرُ عَنْ مَجِيءِ جَمِيعِ الْحَقِّ، وَذَهَابِ جَمِيعِ الْبَاطِلِ، وَبِذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآنُ وَالتَّنْزِيلُ، وَعَلَى ذَلِكَ قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ، أَعِنِّي عَلَى إِقَامَةِ جَمِيعِ الْحَقِّ، وَإِبْطَالِ جَمِيعِ الْبَاطِلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} فَإِنَّ مَعْنَاهُ: ذَهَبَ الْبَاطِلُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: زَهَقَتْ نَفْسُهُ: إِذَا خَرَجَتْ وَأَزْهَقْتُهَا أَنَا؛ وَمِنْ قَوْلِهِمْ: أَزْهَقَ السَّهْمُ: إِذَا جَاوَزَ الْغَرَضَ فَاسْتَمَرَّ عَلَى جِهَتِهِ، يُقَالُ مِنْهُ: زَهَقَ الْبَاطِلُ، يَزْهَقُ زُهُوقًا، وَأَزْهَقَهُ اللَّهُ: أَيْ أَذْهَبُهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عِلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} يَقُولُ: ذَاهِبًا. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَنُنَزِّلُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ يُسْتَشْفَى بِهِ مِنَ الْجَهْلِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَيُبَصَّرُ بِهِ مِنَ الْعَمَى لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لَهُمْ دُونَ الْكَافِرِينَ بِهِ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ، وَيُحِلُّونَ حَلَالَهُ، وَيُحَرِّمُونَ حَرَامَهُ فَيُدْخِلُهُمْ بِذَلِكَ الْجَنَّةَ، وَيُنْجِيهِمْ مِنْ عَذَابِهِ، فَهُوَ لَهُمْ رَحْمَةٌ وَنِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ، أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِمْ {وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} يَقُولُ: وَلَا يَزِيدُ هَذَا الَّذِي نُنَزِّلُ عَلَيْكَ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَافِرِينَ بِهِ إِلَّا خَسَارًا: يَقُولُ: إِهْلَاكًا، لِأَنَّهُمْ كُلَّمَا نَزَلَ فِيهِ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ بِشَيْءٍ أَوْ نَهْيٌ عَنْ شَيْءٍ كَفَرُوا بِهِ، فَلَمْ يَأْتَمِرُوا لِأَمْرِهِ، وَلَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ، فَزَادَهُمْ ذَلِكَ خَسَارًا إِلَى مَا كَانُوا فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْخَسَارِ، وَرِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ قَبْلُ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} إِذَا سَمِعَهُ الْمُؤْمِنُ انْتَفَعَ بِهِ وَحَفِظَهُ وَوَعَاهُ {وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ} بِهِ {إِلَّا خَسَارًا} أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يَحْفَظُهُ وَلَا يَعِيهِ، وَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ هَذَا الْقُرْآنَ شِفَاءً وَرَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا}. يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَإِذَا أَنْعَمَنَا عَلَى الْإِنْسَانِ، فَنَجَّيْنَاهُ مِنْ كَرْبِ مَا هُوَ فِيهِ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ مَا قَدْ أَشْرَفَ فِيهِ عَلَيْهِ مِنَ الْهَلَاكِ بِعُصُوفِ الرِّيحِ عَلَيْهِ إِلَى الْبَرِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ نَعِمْنَا، أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِنَا، وَقَدْ كَانَ بِنَا مُسْتَغِيثًا دُونَ كُلِّ أَحَدٍ سِوَانَا فِي حَالِ الشِّدَّةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} يَقُولُ: وَبَعُدَ مِنَّا بِجَانِبِهِ، يَعْنِي بِنَفْسِهِ، {كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} قَبْلَ ذَلِكَ. كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعً عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} قَالَ: تَبَاعَدَ مِنَّا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. وَالْقِرَاءَةُ عَلَى تَصْيِيرِ الْهَمْزَةِ فِي نَأَى قَبْلَ الْأَلِفِ، وَهِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ، وَبِهَا نَقْرَأُ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَقْرَأُ ذَلِكَ “ وَنَاءٍ “ فَيُصَيِّرُ الْهَمْزَةَ بَعْدَ الْأَلْفِ، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لُغَةً جَائِزَةً قَدْ جَاءَتْ عَنِ الْعَرَبِ بِتَقْدِيمِهِمْ فِي نَظَائِرَ ذَلِكَ الْهَمْزِ فِي مَوْضِعٍ هُوَ فِيهِ مُؤَخَّرٌّ، وَتَأْخِيرُهُمُوهُ فِي مَوْضِعٍ، هُوَ مُقَدَّمٌ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: أَعْـلَامٌ يُقَلِّـلُ رَاءً رُؤْيَـا *** فَهْـوَ يَهْـذِي بِمَـا رَأَى فِـي الْمَنـامِ وَكَمَا قَالَ آبَارُ وَهِيَ أَبْآرُ، فَقَدَّمُوا الْهَمْزَةَ، فَلَيْسَ ذَلِكَ هُوَ اللُّغَةُ الْجُودَى، بَلِ الْأُخْرَى هِيَ الْفَصِيحَةُ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا} يَقُولُ: وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ وَالشِّدَّةُ كَانَ قَنُوطًا مِنَ الْفَرَجِ وَالرَّوْحِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي الْيَئُوسِ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا} يَقُولُ: قَنُوطًا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا} يَقُولُ: إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ أَيِسَ وَقَنَطَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا}. يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلنَّاسِ: كُلُّكُمْ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ: عَلَى نَاحِيَتِهِ وَطَرِيقَتِهِ {فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ} هُوَ مِنْكُمْ {أَهْدَى سَبِيلًا} يَقُولُ: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ مِنْكُمْ أَهْدَى طَرِيقًا إِلَى الْحَقِّ مِنْ غَيْرِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} يَقُولُ: عَلَى نَاحِيَتِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ {عَلَى شَاكِلَتِهِ} قَالَ: عَلَى نَاحِيَتِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} قَالَ: عَلَى طَبِيعَتِهِ عَلَى حِدَتِهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} يَقُولُ: عَلَى نَاحِيَتِهِ وَعَلَى مَا يَنْوِي. وَقَالَ آخَرُونَ: الشَّاكِلَةُ: الدِّينُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} قَالَ: عَلَى دِينِهِ، الشَّاكِلَةُ: الدِّينُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيَسْأَلُكَ الْكُفَّارُ بِاللَّهِ مَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ عَنِ الرُّوحِ مَا هِيَ؟ قُلْ لَهُمْ: الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، وَمَا أُوتِيتُمْ أَنْتُمْ وَجَمِيعُ النَّاسِ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا وَذُكِرَ أَنَّ الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّوحِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِمَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ عَنْهَا، كَانُوا قَوْمًا مِنَ الْيَهُودِ. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرْثِ بِالْمَدِينَةِ، وَمَعَهُ عَسِيبٌ يَتَوَكَّأُ عَلَيْهِ، فَمَرَّ بِقَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اسْأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَسْأَلُوهُ، فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَسِيبِهِ، فَقُمْتُ خَلْفَهُ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَقَالَ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَمْ نَقُلْ لَكُمْ لَا تَسْأَلُوه». حَدَّثَنَا يُحْيِي بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «بَيَّنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرَّةٍ بِالْمَدِينَةِ، إِذْ مَرَرْنَا عَلَى يَهُودَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَقَالُوا: مَا أَرْبُكُمْ إِلَى أَنْ تَسْمَعُوا مَا تَكْرَهُونَ، فَقَامُوا إِلَيْهِ، فَسَأَلُوهُ، فَقَامَ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَقُمْتُ مَكَانِي، ثُمَّ قَرَأَ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} فَقَالُوا: أَلَمْ نَنْهَكُمْ أَنْ تَسْأَلُوه». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «سَأَلَ أَهْلُ الْكِتَابِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّوْحِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} فَقَالُوا: أَتَزْعُمُ إِنَّا لَمْ نُؤْتَ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا وَقَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ، وَهِيَ الْحِكْمَةُ، {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} قَالَ: فَنَزَلَتْ {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} قَالَ: مَا أُوتِيتُمْ مِنْ عِلْمٍ، فَنَجَّاكُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ النَّارِ، فَهُوَ كَثِيرٌ طَيِّبٌ، وَهُوَ فِي عِلْمِ اللَّهِ قَلِيل». حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، قَالَ: ثَنَا الْأَشْجَعِيُّ أَبُو عَاصِمٍ الْحِمْصيُّ، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى أَبُو يَعْقُوبَ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «إِنِّي لَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ، إِذْ أَتَاهُ يَهُودِيٌّ، قَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، مَا الرُّوحُ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}». حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} «لَقِيَتِ الْيَهُودُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَغَشَّوْهُ وَسَأَلُوهُ وَقَالُوا: إِنْ كَانَ نَبِيًّا عَلِمَ، فَسَيَعْلَمُ ذَلِكَ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، وَعَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَعَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ذَلِكَ كُلَّهُ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} يَعْنِي الْيَهُود». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} قَالَ: يَهُودُ تَسْأَلُ عَنْهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} قَالَ: يَهُودُ تَسْأَلُهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ}.... الْآيَةَ: “ وَذَلِكَ أَنَّ «الْيَهُودَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْبِرْنَا مَا الرُّوحُ، وَكَيْفَ تُعَذَّبُ الرُّوحُ الَّتِي فِي الْجَسَدِ، وَإِنَّمَا الرُّوحُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يَكُنْ نَزَلَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ، فَلَمْ يُجِرِ إِلَيْهِمْ شَيْئًا، فَأَتَاهُ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ لَهُ {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} فَأَخْبَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، قَالُوا لَهُ: مَنْ جَاءَكَ بِهَذَا؟ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ جَاءَنِي بِهِ جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَقَالُوا: وَاللَّهُ مَا قَالَهُ لَكَ إِلَّا عَدُوٌّ لَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ}... الْآيَة». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغَيَّرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَمَرَرْنَا بِأُنَاسٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا الرُّوحُ؟ فَأُسْكِتَ. فَرَأَيْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، قَالَ: فَتَنَحَّيْتُ عَنْهُ إِلَى سُبَاطَةٍ، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ}.... الْآيَةَ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: هَكَذَا نَجِدُهُ عِنْدَنَا». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الرُّوحِ الَّذِي ذَكَرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا هِيَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} قَالَ: هُوَ جَبْرَائِيلُ، قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَكْتُمُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} قَالَ: الرُّوحُ: مَلَكٌ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي أَبُو مَرْوَانَ يَزِيدُ بْنُ سَمُرَةَ صَاحِبُ قَيْسَارِيَةَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} قَالَ: هُوَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ وَجْهٍ، لِكُلِّ وَجْهٍ مِنْهَا سَبْعُونَ أَلْفَ لِسَانٍ، لِكُلِّ لِسَانٍ مِنْهَا سَبْعُونَ أَلْفَ لُغَةٍ يُسَبِّحُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِتِلْكَ اللُّغَاتِ كُلِّهَا، يَخْلُقُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ تَسْبِيحَةٍ مَلَكًا يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَدْ بَيَّنَا مَعْنَى الرُّوحُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كِتَابِنَا، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ {مِنْ أَمْرِ رَبِّي} فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَنَّهُ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي يَعْلَمُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ دُونَكُمْ، فَلَا تَعْلَمُونَهُ وَيَعْلَمُ مَا هُوَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِيالْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ: الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّوحِ وَجَمِيعُ النَّاسِ غَيْرُهُمْ، وَلَكِنْ لَمَّا ضُمَّ غَيْرُ الْمُخَاطَبِ إِلَى الْمُخَاطَبِ، خَرَجَ الْكَلَامُ عَلَى الْمُخَاطَبَةِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ كَذَلِكَ تَفْعَلُ إِذَا اجْتَمَعَ فِي الْكَلَامِ مُخْبَرٌ عَنْهُ غَائِبٌ وَمُخَاطَبٌ، أَخْرَجُوا الْكَلَامَ خِطَابًا لِلْجَمِيعِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: نَزَلَتْ بِمَكَّةَ {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} «فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَتَاهُ أَحْبَارُ يَهُودَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّكَ تَقُولُ {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} أَفَعَنَيْتَنَا أَمْ قَوْمَكَ؟ قَالَ: كُلًّا قَدْ عَنَيْتُ، قَالُوا: فَإِنَّكَ تَتْلُو أَنَّا أُوتِينَا التَّوْرَاةَ وَفِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ فِي عِلْمِ اللَّهِ قَلِيلٌ، وَقَدْ آتَاكُمْ مَا إِنْ عَمِلْتُمْ بِهِ انْتَفَعْتُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ}.... إِلَى قَوْلِهِ {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} قَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَالنَّاسُ أَجْمَعُونَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّوحِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} يَعْنِي: الْيَهُودَ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: خَرَجَ الْكَلَامُ خِطَابًا لِمَنْ خُوطِبَ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الْخَلْقِ، لِأَنَّ عِلْمَ كُلِّ أَحَدٍ سِوَى اللَّهِ، وَإِنْ كَثُرَ فِي عِلْمِ اللَّهِ قَلِيلٌ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَا أُوتِيتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا يَعْلَمُ اللَّهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي آتَيْنَاكَ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ لَنَذْهَبَنَّ بِهِ، فَلَا تَعْلَمُهُ، ثُمَّ لَا تَجِدُ لِنَفْسِكَ بِمَا نَفْعَلُ بِكَ مِنْ ذَلِكَ وَكَيْلَا يَعْنِيَ: قَيِّمًا يَقُومُ لَكَ، فَيَمْنَعُنَا مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ بِكَ، وَلَا نَاصِرًا يَنْصُرُكَ، فَيَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَا نُرِيدُ بِكَ، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَتَأَوَّلُ مَعْنَى ذَهَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ: رَفْعُهُ مِنْ صُدُورِ قَارِئِيهِ. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رَفِيعٍ، عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ مَعْقِلٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يُسْرَى عَلَى الْقُرْآنِ، كَيْفَ وَقَدْ أَثْبَتْنَاهُ فِي صُدُورِنَا وَمَصَاحِفِنَا؟ قَالَ: يُسْرَى عَلَيْهِ لَيْلًا فَلَا يَبْقَى مِنْهُ فِي مُصْحَفٍ وَلَا فِي صَدْرِ رَجُلٍ، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: “ تَطْرُقُ النَّاسَ رِيحٌ حَمْرَاءُ مِنْ نَحْوِ الشَّامِ، فَلَا يَبْقَى فِي مُصْحَفِ رَجُلٍ وَلَا قَلْبِهِ آيَةٌ. قَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي قَدْ جَمَعْتُ الْقُرْآنَ، قَالَ: لَا يَبْقَى فِي صَدْرِكَ مِنْهُ شَيْءٌ. ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}. “
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا}. يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ} يَا مُحَمَّدُ {بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} وَلَكِنَّهُ لَا يَشَاءُ ذَلِكَ، رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَتَفَضُّلًا مِنْهُ عَلَيْكَ {إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا} بِاصْطِفَائِهِ إِيَّاكَ لِرِسَالَتِهِ، وَإِنْزِالَهِ عَلَيْكَ كِتَابَهُ، وَسَائِرِ نِعَمِهِ عَلَيْكَ الَّتِي لَا تُحْصَى.
|