الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.فوائد لغوية وإعرابية: قال ابن عادل:قوله: {إِذَا فَرِيقٌ}: {إذا} هنا فُجَائِيَّة، وقد تقدَّم أن فيها ثلاثة مَذَاهِب:أحدُها- وهو الأصَحُّ: أنها ظَرْف مكان.والثَّاني: أنها زمان.والثَّالث: أنها حَرفٌ.قيل في {إذا} هَذِه: إنها فجَائِية مَكَانِيَّة، وأنها جوابٌ لـ {لَمَّا} في قوله: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ}، وعلى هَذَا فَفِيها وَجْهَان:أحدُهُما: أنها خَبَر مقدَّمٌ، و{فريق}: مبتدأ، و{منهم}: صفةٌ لـ {فَرِيقٌ}، وكذلك {يَخْشَون}، ويجُوزُ أن يكونَ {يَخْشَون} حالًا من {فريق} لاختصاصه بالوَصْفِ، والتَّقْديرُ: فبالحضرة فريق فهو كائن منهم خَاشُون أو خَاشِين.والثاني: أن يكون {فريقٌ} مُبْتَدأ، و{منهم}: صفته، وهو المُسَوِّغُ للابْتِداء به، و{يَخْشَوْن}: جملة خبريةٌ وهو العَامِلُ في {إذا}، وعلى القَوْلِ الأوَّلِ: العَامِلُ فيها مَحْذُوفٌ على قَاعِدة الظُّرُوف الوَاقِعة خبرًا.وقيل: إنَّها هنا ظَرْفُ زمانٍ، وهذا فَاسِدٌ؛ لأنها إذْ ذَاك لابد لها من عَامِلٍ، وعامِلُها إمَّا ما قَبْلَها، وإمَّا ما بَعْدَها، لا جائز أن يكُون ما قَبْلَها لأن ما قبلها وهو {كُتب} ماضٍ لفظًا ومعنى، وهي للاسْتِقْبال، فاستحال ذلك.فإن قيل: تُجْعَلُ هنا للمُضِيِّ بمعنى {إذا}.قيل: لا يجُوز ذلك؛ لأنه يصيرُ التقدير: فلمَّا كُتِب عَلَيْهم القِتَال في وَقْتِ خَشْيةِ فَرِيقٍ مِنْهُم، وهذا يفتقرُ إلى جَوَابِ {لَمَّا} ولا جَوابَ لها، ولا جَائزٌ أن يَكُونَ ما بَعْدها؛ لأنَّ العَامِل فيها إذا كان بعدها، كان جوابًا لها، ولا جَوابَ لها هُنَا، وكان قد تَقَدَّم أوَّلَ البقرة أنَّ في {لَمَّا} قولين: قولَ سيبويه: أنَّها حَرْف وجوب لوُجُوب، وقول الفَارِسي: إنها ظَرْفُ زمانٍ بِمَعْنى حين وتقدَّم الردُّ عليه، بأنَّها أُجيبت بمَا النَّافِية وإذا الفُجَائِية، وأنَّ ما بَعْدَها لا يَعْمَل فيما قَبْلَها، فأغْنى عن إعادته، ولا يجُوزُ أن يعمل ما يَلِيها فيها؛ لأنه في مَحَلِّ خَفْض بالإضَافَةِ على زَعْمِه، والمُضَافُ إليه لا يَعْمَل في المُضَافِ.وقد أجابَ بعضهم، بأنَّ العامل فيها هنا مَعْنى {يخشون}؛ كأنه قيل: جَزِعوا، قال: وجزعُوا هو العَامِلُ في إذا، وهذا الآية مُشكلةٌ؛ لأنَّ فيها ظَرْفَيْن: أحدُهما لما مَضَى، والآخرُ لِما يُسْتَقْبَل.قوله: {كخشية الله} فيه ثلاثةُ أوجه:أحَدُها- وهو المَشْهُور عند المُعْربين: أنها نَعْتُ مصدرٍ مَحْذُوفٍ، أي: خشيةٌ كخَشْيِة الله.والثاني:- وهو المُقَرَّر من مذهب سيبويه غيرَ مرة-: أنَّها في مَحَلِّ نصب على الحَالِ من ضَمِير الخَشْيَة المَحذُوف، أي: يَخْشَوْنها النَّاسَ، أي: يَخْشون الخَشْيَة الناس مشبهةً خَشْيَة الله.والثالث: أنَّها في مَحَلِّ نصبٍ على الحال من الضمير في يخشون أي: يَخْشَون النَّاسَ مثلَ أهل خَشْيَة الله، أي: مُشْبهين لأهل خَشْيَة الله أو أشدَّ خشية، أي: أشدَّ خَشْيَةً من أهل خَشْيَة الله.وأشدَّ مَعْطُوف على الحَالِ؛ قاله الزمخشري، ثم قال: فإنْ قُلْتَ: لِمَ عَدَلْتَ عن الظَّاهِر، وهو كَوْنُه صِفة للمَصْدَر ولم تُقَدِّرْه: يَخْشون خَشْية مثل خَشْيَة الله، بمعنى: مثل ما يَخْشَى الله.قلت: أبَى ذلك قوله: {وأشد خشية}؛ لأنه وما عُطِفَ عليه في حُكْمٍ واحدٍ، ولو قلت: {يخشون الناس أشد خشية} لم يكن إلا حَالًا من ضَمِير الفريقِ، ولم ينتَصِب انتِصَابَ المَصْدَر؛ لأنك لا تَقُول: خَشِي فُلانٌ أشَدَّ خشيةً فتنْصِبُ خشية وأنْتَ تريد المَصدر، إنَّما تَقَول: أشدَّ خَشْيةٍ فتجرُّها، وإذا نَصَبْتَها لم يكن أشدَّ خشيةً إلا عِبَارةً عن الفاعل حالًا منه، اللَّهم إلا أن تجعل الخَشْيَة خَاشِيةً على حدِّ قولهم: جَدَّ جَدُّه فتزعم أنَّ مَعْنَاه: يخشون الناسَ خَشْيَةً مثل خشيةٍ أشدَّ خَشْيَة من خَشْيَة الله، ويجُوز على هذا أن يكُون مَحَلُّ أشدَّ مَجْرُورًا، عطفًا على خشية الله تريد: كَخَشْيَة الله، أو كَخَشْيَةٍ أشدَّ منها. انتهى.ويجوز نصبُ {خشيةً} على وجْه آخَر؛ وهو العَطْف على مَحَلِّ الكَافِ، وينتصب {أشدَّ} حينئذ على الحَالِ من {خَشْيَة}؛ لأنه في الأصْلِ نعتُ نكرةٍ قُدِّم عليها، والأصل: يَخْشَوْن النَّاسَ مثلَ خَشْيَةِ الله أو خَشْيَةً أشدَّ منها، فلا ينتصب {خَشيَة} تمييزًا، حتى يَلْزَم منه ما ذكره الزَّمَخْشَرِي ويُعْتذر عنه، وقد تقدَّم نحو من هذا عِنْد قوله: {أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 200]. والمصدرُ مُضَاف إلى المَفْعُول والفَاعِل مَحْذُوف، أي: كَخشيتهم اللَّهَ.فإن قيل: ظاهر قوله: {أَوْ أَشَدَّ} يوهم الشَّكَّ، وذلك محالٌ على الله تعالى.فالجواب: يحتمل الأوْجُه المذكورة في قوله: {أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} ويجوز أن تكون للتنويع، يعني: أن منهم من يخشاهم كخشية الله، ومنهم من يخشاهم أشد خشية من خشية الله.{وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلًا}.قرأ ابن كَثيرٍ، وأبُو جعفَر، وحمْزَة، والكسَائِي: باليَاء رُجوعًا إلى قَولِه تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين قِيلَ لَهُمْ} والباقُون: بتاء الخِطَاب؛ كقوله: {مَتَاعُ الدنيا قَلِيلٌ} والمعنى {وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 49]، أي: لا يُنْقَصُون من ثَوَابِ أعْمَالِهِم مثل فَتِيل النَّوَاةِ، وهو ما تفلته بيدِكَ ثم تُلْقِيه احْتِقَارًا. اهـ. بتصرف يسير..التفسير المأثور: قال السيوطي:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)}أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس: أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابًا له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله كنا في عز ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة. فقال: «إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم. فلما حوله الله إلى المدينة أمره الله بالقتال فكفوا. فأنزل الله: {ألم ترَ إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم...} الآية».وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: «كان أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- وهم يومئذ بمكة قبل الهجرة- يسارعون إلى القتال، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ذرنا نتخذ معاول نقاتل بها المشركين. وذكر لنا أن عبد الرحمن بن عوف كان فيمن قال ذلك، فنهاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قال: لم أومر بذلك. فلما كانت الهجرة وأمروا بالقتال كره القوم ذلك وصنعوا فيه ما تسمعون، قال الله تعالى: {قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلًا}».وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: هم قوم أسلموا قبل أن يفرض عليهم القتال، ولم يكن عليهم إلا الصلاة والزكاة، فسألوا الله أن يفرض عليهم القتال.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ألم ترَ إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم} إلى قوله: {لاتّبعتم الشيطان إلا قليلًا} ما بين ذلك في يهود.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم} الآية. قال: نهى الله هذه الأمة أن يصنعوا صنيعهم.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {إلى أجل قريب} قال: هو الموت.وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج {إلى أجل قريب} أي إلى أن يموت موتًا.وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن هشام قال: قرأ الحسن {قل متاع الدنيا قليل} قال: رحم الله عبدًا صحبها على ذلك، ما الدنيا كلها من أولها إلى آخرها إلا كرجل نام نومة فرأى في منامه بعض ما يحب ثم انتبه فلم يرَ شيئًا.وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران قال: الدنيا قليل، وقد مضى أكثر القليل، وبقي قليل من قليل. اهـ..من روائع الشعر الإسلامي: . اهـ. .تفسير الآية رقم (78): قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)}.مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:ولما زهدهم في دار المتاعب والأكدار على تقدير طول البقاء، وكانوا كأنهم يرجون بترك القتال الخلود، أو تأخير موت يسببه القتال؛ نبههم على ما يتحققون من أن المنية منهل لابد من وروده في الوقت الذي قدر له وإن امتنع الإنسان منه في الحصون، أو رمى نفسه في المتألف فقال تعالى- مبكتًا من قال ذلك، مؤكدًا بما النافية لنقيض ما تضمنه الكلام لأن حالهم حال من ينكر الموت بغير القتال، مجيبًا بحاق الجواب بعد ما أورد الجواب الأول على سبيل التنزل-: {أينما تكونوا} أيها الناس كلكم مطيعكم وعاصيكم {يدرككم الموت} أي فإنه طالب، لا يفوته هارب {ولو كنتم في بروج} أي حصون برج داخل برج، أو كل واحد منكم في برج.
|