الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
أما اللسان فإنه رحب الميدان واسع المضطرب خفيف المؤنة سهل التناول لا يحتاج إلى آلات وأدوات للمعصية به فكان الأولى ترك الكلام وإمساك اللسان. والإنصاف أن الصمت في نفسه ليس بفضيلة لأنه أمر عدمي والنطق في نفسه فضيلة، وإنما يصير رذيلة لأسباب عرضية مما عددها ذلك القائل فيرجع الحق إلى ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم «رحم الله امرأ قال خيرًا فغنم أو سكت فسلم» قالوا: ترك الكلام له أربعة أسماء: الصمت وهو أعمها حتى إنه يستعمل فيما ليس يقوى على النطق كقولهم مال ناطق أو صامت. والسكوت وهو ترك الكلام ممن يقدر على الكلام والإنصات هو السكوت مع استماع قال تعالى: {فاستمعوا له وأنصتوا} [الأعراف: 204] والإصاخة وهو الاستماع إلى ما يصعب إدراكه كالسر والصوت من المكان البعيد. أما العقدة فقيل: إنها كانت في أصل خلقته وعن ابن عباس أنه في حال صباه أخذ بلحية فرعون ونتفها فهم فرعون بقتله وقال: هذا هو الذي يزول ملكي على يده فقالت آسية: إنه صبي لا يعقل وإن شئت فامتحنه بالتمرة والجمرة. وقيل: بالياقوت والجمر. فأحضرا بين يديه فأراد مد اليد إلى الياقوت فحول جبرائيل يده إلى الجمرة فأخذها ووضعها في فيه فظهر به تعقد وتحبس عن بعض الحروف. فإن صحت هذه الرواية فالنار إنما أحرقته وأثرت فيه إطفاء لثائرة غضب فرعون وإلا فالله سبحانه قادر على دفع الإحراق عن طبع النار كما في حق إبراهيم صلوات الرحمن عليه، وكما في حق موسى حين ألقي في التنور. ويروى أن يده احترقت أيضًا وأن فرعون اجتهد في علاجها فلم يبرأ ولما دعاه قال: الي أيّ رب تدعوني؟ قال: إلى الذين أبرأ يدي وقد عجزت عنها. وعن بعض العلماء أنه لم تبرأ يده لئلا ينعقد بينه وبين فرعون حرمة المؤاكلة من قصعة واحدة. وقيل: لم تحرق يده لأن الصولة ظهرت باليد، وإنما احترق اللسان لأنه خاطبه بقوله: يا أبت.وما الحكمة في طلب حل العقدة؟ الأظهر كيلا يقع في أداء الرسالة خلل فلهذا {قال يفقهوا قولي} وقيل: لأن العقدة في اللسان قد تقتضي الاستخفاف بالقائل وعدم الالتفات إليه. وقيل: إظهارًا للمعجزة فكما أن حبس لسان زكريا عن الكلام كان معجزًا له فكذا إطلاق لسان موسى كان معجزًا في حقه. وهل زالت تلك العقدة بالكلية؟ فعن الحسن نعم لقوله: {قد أوتيت سؤلك يا موسى} والأصح أنه بقي بعضها لقوله تعالى حكاية عن فرعون {أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين} [الزخرف: 52] أي يقارب أن لا يبين. وكان في لسان الحسين بن علي رضي الله عنه رتة أي عجمة في الكلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ورثها من عمه موسى» وفي تنكير عقدة أيّ عقدة من عقد دلالة على أنه طلب حل بعضها بحيث يفهم عنه فهمًا جيدًا ولم يطلب الفصاحة الكاملة. وقال أهل التحقيق: وذلك لأن حل العقدة بالكلية نصيب محمد صلى الله عليه وسلم فكان أفصح العرب والعجم وقد قال تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} [الإسراء: 34] فلما كان ذلك حقًا ليتيم أبي طالب لا جرم ما دار حوله. ومن مطالب موسى قوله: {واجعل لي وزيرًا من أهلي هرون} قال أهل الاشتقاق: الوزير من الوزر بالكسر لأنه يتحمل عن الملك أوزاره ومؤنة، أو من الوزر بفتحتين وهو الملجأ لأن الملك يعتصم برأيه ويلجيء إليه أموره، أو من الموازرة وهي المعاونة فيكون من الأزر والقوة ومنه قوله تعالى: {اشدد به أزري} أي ظهري لأنه محل القوة. قال الجوهري: آزرت فلانًا أي عاونته، والعامة تقول: وازرته. وعلى هذا فيكون القياس أزيرًا بالهمز على ما حكي عن الأصمعي ووجه القلب حمل فعيل على مفاعل لاتحاد معنييهما في نحو عشير وجليس وصديق وغيرها. وحمله على أخوته من نحو الموازرة ويوازر والاستعانة بالوزير وبحسن رأيه دأب الملوك العقلاء وقد استحسنه نبينا صلى الله عليه وسلم فقال: «إذا أراد الله بملك خيرًا قيض له وزيرًا صالحًا إن نسي ذكره وإن نوى خيرًا أعانه عليه، وإن أراد شرًا كفه» وكان أنو شروان يقول: لا يستغني أجود السيوف عن الصقل، ولا أكرم الدواب عن السوط، ولا أعلم الملوك عن الوزير. وكفى بمرتبة الوزارة منقبة وفخرًا وشرفًا وذكرًا أن النبي صلى الله عليه وسلم المؤيد بالمعجزات الباهرة ابتهل إلى الله سبحانه في مقام القرب والمكالمة يطلبه منه، فيجب على من أوتي هذه الرتبة أن يؤدي إلى الله حقها ولا يغتر بالدنيا وما فيها، ويزرع في أرض الوزارة ما لم يندم عليه وقت حصاده. وقيل: إن موسى خاف على نفسه العجز عن القيام بذلك الأمر العظيم والخطب الجسيم فطلب المعين. والأظهر أنه رأى أن التعاون على الدين والتظاهر عليه مع خلوص النية وصفاء الطوية أبعد عن التهمة وأعون على الغرض، ولهذا حكى عن عيسى أنه قال: {من أنصاري إلى الله} [الصف: 14] وخوطب نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} [الأنفال: 64] وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن لي في السماء وزيرين وفي الارض وزيرين فاللذان في السماء جبرائيل وميكائيل واللذان في الأرض أبو بكر وعمر» ثم إن موسى طلب أن يكون ذلك الوزير من أهله أي من أقاربه لتكون الثقة به أكثر وليكون الشرف في بيته أوفر وإنه كان واثقًا بأخيه هارون فأراد أن يخصه بهذا المنصب الشريف قضاء لحقوق الإخاء، فمن منع المستوجبين فقد ظلم وكان أفصح منه لسانًا وأكبر سنًا وألين جانبًا.قال جار الله: {وزيرًا} و{هرون} مفعولًا {اجعل} قدم ثانيهما عناية بأمر الوزارة، أو {لي} و{وزيرًا} مفعولان {هرون} عطف بيان للوزير و{أخي} في الوجهين بدل من {هرون} أو عطف بيان آخر. وقيل: يجوز فيمن قرأ {اشدد} على الأمر أن يجعل {أخي} مرفوعًا على الابتداء و{اشدد} خبره فيوقف على {هرون} وشد الأزر به عبارة عن تقويته به وأن يجعله ناصرًا له فيما عسى يرد عليه من الشدائد والخطوب، بل يجعله وسيلة له في أمر النبوة وطريق الرسالة لأنه صرح بذلك في قوله: {وأشركه في أمري}. ثم ذكر غاية الأدعية فإن المقصد الأسنى هو الاستغراق في بحر التوحيد ونفي الإشراك، فإن التعاون مهيج الرغبات ومسهل سلوك سبل الخيرات فقال: {كي نسبحك كثيرًا} أي تسبيحًا كثيرًا {ونذكرك} ذكرًا {كثيرًا} وقدم التسبيح وهو التنزيه لأن النفي مقدم على الإثبات، فبالأول تزول العقائد الفاسدة، وبالثاني ترتسم النقوش الحسنة المفيدة. ثم ختم الأدعية بقوله: {إنك كنت بنا بصيرًا} وفيه فوائد منها: أنه فوض استجابة الدعوات إلى عمله بأحوالهما وأنهما يصدد أهلية الإجابة أم لا، وفيه من حسن الأدب ما لا يخفى. ومنها أنه عرض فقره واحتياجه على علمه وأنه مفتقر إلى التعاون والتعاضد ولهذا سأل ما سأل. ومنها أنه أعلم بأحوال أخيه هل يصلح لوزارته أم لا، وأن وزارته هل تصير سببًا لكثرة التسبيح والذكر. وحين راعى من دقائق الأدب وأنواع حسن الطلب ما يجب رعايته فلا جرم أجاب الله تعالى مطالبه وأنجح مآربة قائلًا {قد أوتيت سؤلك} والسؤل بمعنى المسؤول كالخبز بمعنى المخبوز والأكل بمعنى المأكول. وزيادة قوله: {يا موسى} بعد رعاية الفاصلة لأجل كمال التمييز والتعيين والله أعلم. بمصالح عبيده. اهـ.
.قال الشوكاني في الآيات السابقة: قوله: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا موسى}.قال الزجاج والفراء: إن {تلك} اسم ناقص وصلت {بيمينك} أي ما التي بيمينك؟ وروي عن الفراء أنه قال: تلك بمعنى هذه، ولو قال: ما ذلك لجاز، أي ما ذلك الشيء؟ وبالأوّل قال الكوفيون.قال الزجاج: ومعنى سؤال موسى عمّا في يده من العصا التنبيه له عليها لتقع المعجزة بها بعد التثبيت فيها والتأمل لها.قال الفراء: ومقصود السؤال تقرير الأمر حتى يقول موسى: هي عصاي لتثبيت الحجة عليه بعد ما اعترف، وإلا فقد علم الله ما هي في الأزل، ومحل {ما} الرفع على الابتداء، و{تلك} خبره، و{بيمينك} في محل نصب على الحال إن كانت تلك اسم إشارة على ما هو ظاهر اللفظ، وإن كانت اسمًا موصولًا كان {بيمينك} صلة للموصول.{قَالَ هِيَ عَصَايَ} قرأ ابن أبي إسحاق: {عصى} على لغة هذيل.وقرأ الحسن: {عَصَايَ} بكسر الياء لالتقاء الساكنين {أتوكأ عليها} أي أتحامل عليها في المشي وأعتمدها عند الإعياء والوقوف، ومنه الاتكاء.{وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِي} هش بالعصا يهش هشًا: إذا خبط بها الشجر ليسقط منه الورق.قال الشاعر:وقرأ النخعي {أهس} بالسين المهملة، وهو زجر الغنم، وكذا قرأ عكرمة، وقيل: هما لغتان لمعنى واحد {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أخرى} أي حوائج، واحدها مَأْرَبَة ومَأْرُبُة ومأربة مثلث الراء، كذا قال ابن الأعرابي وقطرب، ذكر تفصيل منافع العصا، ثم عقبه بالإجمال.وقد تعرّض قوم لتعداد منافع العصا، فذكروا من ذلك أشياء منها قول بعض العرب: عصاي أركزها لصلاتي، وأعدّها لعداتي، وأسوق بها دابتي، وأقوى بها على سفري، وأعتمد بها في مشيتي، ليتسع خطوي، وأثب بها النهر، وتؤمنني العثر، وألقي عليها كسائي، فتقيني الحرّ، وتدفيني من القرّ، وتدني إليّ ما بعد مني وهي تحمل سفرتي، وعلاقة إداوتي، أعصي بها عند الضراب، وأقرع بها الأبواب، وأقي بها عقور الكلاب، وتنوب عن الرمح في الطعان، وعن السيف عند منازلة الأقران، ورثتها عن أبي وأورثها بعدي بنيّ.انتهى.وقد وقفت على مصنف في مجلد لطيف في منافع العصا لبعض المتأخرين، وذكر فيه أخبارًا وأشعارًا وفوائد لطيفة ونكتًا رشيقة.وقد جمع الله سبحانه لموسى في عصاه من البراهين العظام والآيات الجسام ما أمن به من كيد السحرة ومعرّة المعاندين، واتخذها سليمان لخطبته وموعظته وطول صلاته، وكان ابن مسعود صاحب عصا النبيّ صلى الله عليه وسلم وعنزته، وكان يخطب بالقضيب وكذلك الخلفاء من بعده، وكان عادة العرب العرباء أخذ العصا والاعتماد عليها عند الكلام، وفي المحافل والخطب.{قَالَ أَلْقِهَا ياموسى} هذه جملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر، أمره سبحانه بإلقائها ليريه ما جعل له فيها من المعجزة الظاهرة {فألقاها} موسى على الأرض {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تسعى} وذلك بقلب الله سبحانه لأوصافها وأعراضها حتى صارت حية تسعى، أي تمشي بسرعة وخفة، قيل: كانت عصا ذات شعبتين فصار الشعبتان فما وباقيها جسم حية، تنتقل من مكان إلى مكان وتلتقم الحجارة مع عظم جرمها وفظاعة منظرها، فلما رآها كذلك خاف وفزع وولى مدبرًا ولم يعقب، فعند ذلك {قَالَ} سبحانه: {خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الأولى} قال الأخفش والزجاج: التقدير: إلى سيرتها، مثل {واختار موسى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155].قال: ويجوز أن يكون مصدرًا؛ لأن معنى سنعيدها: سنسيرها، ويجوز أن يكون المصدر بمعنى اسم الفاعل، أي سائرة، أو بمعنى اسم المفعول، أي مسيرة.والمعنى: سنعيدها بعد أخذك لها إلى حالتها الأولى التي هي العصوية.قيل: إنه لما قيل له: {لا تخف} بلغ من عدم الخوف إلى أن كان يدخل يده في فمها ويأخذ بلحيها.{واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ} قال الفراء والزجاج: جناح الإنسان عضده، وقال قطرب: جناح الإنسان جنبه.وعبر عن الجنب بالجناح؛ لأنه في محل الجناح، وقيل: إلى بمعنى مع، أي مع جناحك، وجواب الأمر {تَخْرُجْ بَيْضَاء} أي تخرج يدك حال كونها بيضاء، ومحل {مِنْ غَيْرِ سُوء} النصب على الحال، أي كائنة من غير سوء.والسوء: العيب، كني به عن البرص، أي تخرج بيضاء ساطعًا نورها تضيء بالليل والنهار كضوء الشمس من غير برص.وانتصاب {آيةً أُخْرَى} على الحال أيضًا، أي معجزة أخرى غير العصا.وقال الأخفش: إن آية منتصبة على أنها بدل من بيضاء.قال النحاس: وهو قول حسن.وقال الزجاج: المعنى: آتيناك أو نؤتيك آية أخرى لأنه لما قال: {تَخْرُجْ بَيْضَاء} دلّ على أنه قد آتاه آية أخرى، ثم علل سبحانه ذلك بقوله: {لِنُرِيَكَ مِنْ ءاياتنا الكبرى} قيل: والتقدير: فعلنا ذلك لنريك، و{من آياتنا} متعلق بمحذوف وقع حالًا، و{الكبرى} معناها: العظمى، وهو صفة لموصوف محذوف، والتقدير: لنريك من آياتنا الآية الكبرى، أي لنريك بهاتين الآيتين يعني: اليد والعصا بعض آياتنا الكبرى، فلا يلزم أن تكون اليد هي الآية الكبرى وحدها حتى تكون أعظم من العصا، فيرد على ذلك أنه لم يكن في اليد إلا تغير اللون فقط بخلاف العصا، فإن فيها مع تغير اللون الزيادة في الحجم وخلق الحياة والقدرة على الأمور الخارقة.ثم صرّح سبحانه بالغرض المقصود من هذه المعجزات، فقال: {اذهب إلى فِرْعَوْنَ} وخصه بالذكر؛ لأن قومه تبع له، ثم علل ذلك بقوله: {إِنَّهُ طغى} أي عصى وتكبر وكفر وتجبر وتجاوز الحدّ، وجملة {قَالَ رَبّ اشرح لِي صَدْرِي} مستأنفة جواب سؤال مقدّر، كأنه قيل: فماذا قال؟ ومعنى شرح الصدر: توسيعه، تضرّع عليه السلام إلى ربه وأظهر عجزه بقوله: {وَيَضِيقُ صَدْرِى وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِى} [الشعراء: 13]، ومعنى تيسير الأمر: تسهيله.{واحلل عُقْدَةً مّن لّسَانِى} يعني: العجمة التي كانت فيه من الجمرة التي ألقاها في فيه وهو طفل، أي أطلق عن لساني العقدة التي فيه، قيل: أذهب الله سبحانه تلك العقدة جميعها بدليل قوله: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى}.وقيل: لم تذهب كلها؛ لأنه لم يسأل حلّ عقدة لسانه بالكلية، بل سأل حلّ عقدة تمنع الإفهام بدليل قوله: {مّن لّسَانِي} أي كائنة من عقد لساني، ويؤيد ذلك قوله: {هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَانًا} [القصص: 34]، وقوله حكاية عن فرعون: {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف: 52]، وجواب الأمر قوله: {يَفْقَهُواْ قَوْلِي} أي يفهموا كلامي، والفقه في كلام العرب: الفهم، ثم خص به علم الشريعة والعالم به فقيه، قاله الجوهري.{واجعل لّى وَزِيرًا مّنْ أَهْلِى هارون أَخِي} الوزير: الموازر، كالأكيل المواكل، لأنه يحمل عن السلطان وزره، أي ثقله.قال الزجاج: واشتقاقه في اللغة من الوزر، وهو الجبل الذي يعتصم به لينج من الهلكة.والوزير: الذي يعتمد الملك على رأيه في الأمور ويلتجىء إليه.وقال الأصمعي: هو مشتق من الموازرة، وهي المعاونة.وانتصاب {وزيرًا} و{هارون} على أنهما مفعولا اجعل، وقيل: مفعولاه: لي وزيرًا، ويكون هارون عطف بيان للوزير، والأوّل أظهر، ويكون لي متعلقًا بمحذوف، أي: كائنًا لي، و{من أهلي} صفة ل {وزيرًا}، وأخي بدل من هارون.قرأ الجمهور: {اشدد} بهمزة وصل، و{أشركه} بهمزة قطع كلاهما على صيغة الدعاء، أي يا رب أحكم به قوّتي واجعله شريكي في أمر الرسالة، والأزر: القوة، يقال: آزره، أي قوّاه.وقيل: الظهر، أي أشدد به ظهري.وقرأ ابن عامر ويحيى بن الحارث وأبو حيوة والحسن وعبد الله بن أبي إسحاق {أشدد} بهمزة قطع {وأشركه} بضم الهمزة، أي أشدد أنا به أزري وأشركه أنا في أمري.قال النحاس: جعلوا الفعلين في موضع جزم جوابًا لقوله: {اجعل لي وزيرًا}، وقرأ بفتح الياء من: {أخي} ابن كثير وأبو عمرو.{كَيْ نُسَبّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} هذا التسبيح والذكر هما الغاية من الدعاء المتقدّم.والمراد التسبيح هنا باللسان.وقيل: المراد به: الصلاة، وانتصاب {كثيرًا} في الموضعين على أنه نعت مصدر محذوف، أو لزمان محذوف {إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا} البصير المبصر والبصير العالم بخفيات الأمور، وهو المراد هنا، أي إنك كنت بنا عالمًا في صغرنا فأحسنت إلينا، فأحسن إلينا أيضًا كذلك الآن.وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في عصا موسى قال: أعطاه ملك من الملائكة إذ توجه إلى مدين فكانت تضيء له بالليل، ويضرب بها الأرض فتخرج له النبات، ويهشّ بها على غنمه ورق الشجر.وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِى} قال: أضرب بها الشجر فيتساقط منه الورق على غنمي، وقد روي نحو هذا عن جماعة من السلف.وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَلِىَ فِيهَا مَآرِبُ} قال: حوائج.وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه.وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ نحوه.وأخرج أيضًا عن قتادة قال: كانت تضيء له بالليل، وكانت عصا آدم عليه السلام.وأخرج أيضًا عن ابن عباس في قوله: {فألقاها فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تسعى} قال: ولم تكن قبل ذلك حية فمرّت بشجرة فأكلتها، ومرّت بصخرة فابتلعتها، فجعل موسى يسمع وقع الصخرة في جوفها فولى مدبرًا، فنودي أن يا موسى خذها، فلم يأخذها، ثم نودي الثانية: أن خذها ولا تخف، فقيل له في الثالثة: إنك من الآمنين فأخذها.وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه: {سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الأولى} قال: حالتها الأولى.وأخرجا عنه أيضًا: {مِنْ غَيْرِ سُوء} قال: من غير برص.وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {واجعل لّي وَزِيرًا مّنْ أَهْلِي هارون أَخِي} قال: كان أكبر من موسى.وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله: {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} قال: نبىء هارون ساعتئذٍ حين نبىء موسى. اهـ.
|