الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال:
وقال: ثم قال: وأشباه هذا مما إذا تتبعته في شعره وجدته فجعل كما ترى مع غثاثة هذه الألفاظ للدهر أخدعا ويدا تقطع من الزند وكأنه يصرع ويحل ويشرق بالكرام ويبتسم وان الأيام تنزلع والزمان أبلق وجعل للممدوح يدا وجعل للأيام ظهرا يركب والزمان كأنه صب عليه ماء ولننظر الآن في ماء الملام- عند أبي تمام- أهو تعبير طبيعي؟ أهو تعبير سائغ مستحسن؟ إن إطلاق الماء وإضافته إلى البكاء يثب بالذهن أولا إلى الصورة المباشرة المعروفة للماء الذي يشرب والماء في البحار والمحيطات والأنهار ثم ماء المطر ومجرد أن تنطلق كلمة بكاء يتضاءل المعنى الأول فجأة وينكمش إلى صورة جزئية هي بضع قطرات من الدمع ولكن على أية حال هناك صلة تجعل الصورة محتملة، أما ماء الملام فلا صلة البتة بين الماء والملام وإذا انطلقت كلمة ماء بمعانيها الاصلية والربطية ومعها كلمة الملام ومعانيها الربطية فلا يجمع بينهما صلة أو رابط مشترك من الصور الجزئية لذلك كان التعبير باردا مختلا لا يدل في الذهن على شيء لأنه لا صلة بين الملام والماء، أما ما احتج به الصولي من القرآن فلا يبرر ما اعتمده فإن كلمة السيئة اقترنت بكلمة الجزاء فأثارت معنى آخر مقابلا هو القصاص وقد سماه القرآن سيئة ولكن أصحاب البديع يحاولون الاستشهاد بالشاهد القرآني ليبرروا صناعة أبي تمام ومن نحا نحوه.ووجدت للسكاكي رأيا يستهجن فيه قول أبي تمام قال فيه: إن الاستعارة التخييلية فيه منفكة عن الاستعارة بالكناية وصاحب الإيضاح يمنع الانفكاك فيه مستندا بأنه يجوز أن يكون قد شبه الملام بظرف شراب مكروه فيكون استعارة بالكناية واضافة الماء تخييلية أو أنه تشبيه من قبيل لجين الماء لا استعارة قال: ووجه الشبه ان اللوم يسكن حرارة الغرام كما أن الماء يسكن غليل الأوام، وقال الفاضل الجلبي في حاشية المطول: فيه نظر لأن المناسب للعاشق أن يدعي أن حرارة غرامه لا تسكن بالملام ولا بشيء آخر فكيف يجعل ذلك وجه شبهه. اهـ. كلامه.ورأيت في كتاب الكشكول للعاملي رأيا مطولا فيه ننقل خلاصته تتمة للبحث قال: إن للبيت محملا آخر كنت أظن اني لم أسبق اليه حتى رأيته في التبيان وهو أن يكون ماء الملام من قبيل المشاكلة لذكر ماء البكاء ولا تظن أن تأخر ذكر ماء البكاء يمنع المشاكلة فانهم حرصوا في قوله تعالى: {فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين} وان تسميته الزحف على البطن مشيا لمشاكلة ما بعده، وهذا الحمل إنما يتمشى على تقدير عدم صحة الحكاية المنقولة ثم أقول: هذا الحمل أولى مما ذكره صاحب الإيضاح فإن الوجهين اللذين ذكرهما في غاية البعد إذ لا دلالة في البيت على أن الماء مكروه كما قاله المحقق التفتازاني في المطول، والتشبيه لا يتم بدونه، وأما ما ذكره صاحب المثل السائر من أن وجه الشبه ان الملام قول يعنف به الملوم وهو مختص بالسمع فنقله أبو تمام إلى ما يختص بالحلق كأنه قال: لا تذقني الملام، ولما كان السمع يتجرع الملام أولا كتجرع الحلق الماء صار كأنه شبيه به فهو وجه في غاية البعد أيضا كما لا يخفى، والعجب منه أن جعله قريبا وغاب عنه عدم الملاءمة بين الماء والملام، هذا وقد أجاب بعضهم عن نظر الفاضل الجلبي في كلام صاحب الإيضاح بأن تشبيه الشاعر الملام بالماء في تسكين نار الغرام إنما هو على وفق معتقد اللوام بأن حرارة غرام العشاق تسكن بورود الملام وليس ذلك على وفق معتقده فلعل معتقده أن نار الغرام تزيد بالملام قال أبو الشيص: أو أن تلك النار لا يؤثر فيها الملام أصلا كما قال الآخر: فقول الجلبي: لأن المناسب للعاشق إلى آخره غير جيد فان صاحب الإيضاح لم يقل إن التشبيه معتقد العاشق وعقب العاملي صاحب الكشكول على ذلك: إن ذكر صاحب الإيضاح الكراهة في الشراب صريح بأنه غير راض بهذا الجواب.2- صورة مجسدّة لطاعة الوالدين:هذا ولابد من التنويه بالصورة المجسدة التي رسمتها الآية لطاعة الوالدين وبرهما، ليتدبرها البنون ويكتنهوا سرها الخفي وقد أفصح عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بجلاء حين شكا إليه رجل أباه وانه يأخذ ماله فدعا به فاذا شيخ يتوكأ عصا فسأله فقال أنه كان ضعيفا وأنا قوي وفقيرا وأنا غني فكنت لا أمنعه شيئا من مالي واليوم أنا ضعيف وهو قوي وأنا فقير وهو غني ويبخل علي بماله ثم التفت إلى ابنه منشدا: فبكى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال: ما من حجر ولا مدر يسمع هذا إلا بكى ثم قال للولد: أنت ومالك لأبيك.وعن ابن عمر أنه رأى رجلا في الطواف يحمل أمه ويقول: تظنني جازيتها يا ابن عمر؟ قال: لا ولو زفرة واحدة. .الفوائد: 1- القول في {أف}:اختلف النحاة في أسماء الأفعال هل هي ألفاظ نائبة عن الأفعال أو لمعانيها من الأحداث والأزمنة أو أسماء للمصادر النائبة عن الافعال أو هي أفعال والصحيح أنها أسماء أفعال وانها لا موضع لها من الاعراب وقد قدمنا أقسامها ونقول إن {أف} اسم فعل مضارع ومعناه أتضجر وفيه أربعون لغة وحاصلها أن الهمزة إما أن تكون مضمومة أو مكسورة أو مفتوحة فإن كانت مضمومة فاثنتان وعشرون لغة وحاصل ضبطها أنها إما مجردة عن اللواحق أو ملحقة بزائد والمجردة إما أن يكون آخرها ساكنا أو متحركا والمتحركة إما أن تكون مشددة أو مخففة وكل منهما مثلث الآخر مع التنوين وعدمه فهذه اثنتا عشرة والساكنة إما مشددة أو مخففة فهذه أربع عشرة واللواحق لها من الزوائد إما هاء السكت أو حرف المد فإن كان هاء السكت فالفاء مثلثة مشددة فهذه سبع عشرة وإن كان حرف مد فهو إما واو أو ياء أو ألف والفاء فيهن مشددة والألف إما مفخمة أو بالإمالة المحضة أو بين بين فهذه خمس أخرى مع السبع عشرة وإن كانت مكسورة فإحدى عشرة مثلثة الفاء مخففة مع التنوين وعدمه فهذه ست، وفتح الفاء وكسرها بالتشديد فيهما مع التنوين وعدمه، فهذه أربع لغات والحادية عشرة أفي بالإمالة وإن كانت مفتوحة فالفاء مشددة مع الفتح والكسر والتنوين وعدمه والخامسة أف بالسكون والسادسة أفي بالامالة والسابعة أفاه بهاء السكت فهذه السبع مكملة للأربعين وقد قرئ من هذه اللغات بسبع:ثلاث في المتواتر وأربع في الشواذ وقراءة حفص وهي قراءتنا أف بالكسر والتنوين مع التشديد.2- لمحة في العقوق:ومما جاء في العقوق ما يروى عن جرير فقد كان أعق الناس بأبيه وكان بلال ابنه كذلك فراجع جرير بلالا في الكلام فقال له: الكاذب بيني وبينك.. أمه، فأقبلت أمه عليه وقالت: يا عدو اللّه تقول هذا لأبيك فقال جرير: دعيه فكأنه سمعها مني وأنا أقولها لأبي.وممن شهر عنه العقوق بوالديه الحطيئة الشاعر المخضرم قال يهجو أباه:وقال يهجو أمه: وممن هجا أباه علي بن بسام، قال في أبيه: وقال فيه أيضا: ولقد كذب، كان أبو جعفر محمد بن منصور بن بسام في نهاية السؤدد والمروءة والنظافة، كان رجلا مترفا نبيل المركب مليح الملبس له همة في تشييد البنيان وما رثاه به ابن الرومي يدل على كذب ابنه، قال ابن الرومي فيه: .[سورة الإسراء: الآيات 26- 31] {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28) وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيرًا (31)}..اللغة: {فَتَقْعُدَ}: فتصير وهو من المجاز قال في الأساس: ومن المجاز فعد عن الأمر تركه وقعد له اهتم به وقعد يشتمني أقبل، وأرهف شفرته حتى قعدت كأنها حربة: صارت، وقال الدّيان الحارثي:وتقاعد عن الأمر وتقعّد وما قعد به عن نيل المساعي وما تقعده وما أقعده إلا لؤم عنصره وقال: {مَحْسُورًا}: منقطعا لا شيء عندك من حسره السفر إذا بلغ منه وفي المختار: والحسرة شدة التلهف على الشيء الفائت تقول حسر على الشيء من باب طرب وحسرة أيضا فهو حسير وحسّره غيره تحسيرا.{وَيَقْدِرُ}: يقال قدر عليه رزقه وقدّر قتر وضيق.{إِمْلاقٍ}: فقر وفاقة يقال أملق الرجل: أنفق ماله حتى افتقر ورجل مملق وقال أعرابي: قاتل اللّه النساء كم يتملقن العلل لكأنها تخرج من تحت أقدامهن أي يستخرجنها.{خِطْأً}: مصدر خطىء من باب علم. .الإعراب: {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} وآت ذا القربى حقه: آت فعل أمر وفاعل مستتر تقديره أنت وذا القربى مفعول به وحقه مفعول به ثان والمسكين وابن السبيل عطف على ذا القربى ولا ناهية وتبذر مضارع مجزوم بلا وتبذيرا مفعول مطلق. {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ} إن واسمها وجملة كانوا خبرها وإخوان الشياطين خبر كان أي أمثالهم والعرب تقول لكل ملازم سنة قوم هو أخوهم والملازم للشيء هو أخ له فيقولون: فلان أخو الجود وأخو الكرم وأخو الشعر. {وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} الواو عاطفة أو حالية وكان واسمها ولربه متعلقان بكفورا، وكفورا خبر كان ولابد من تقدير مضاف أي لنعم ربه وآلائه. {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} وإما: إن شرطية وما زائدة وتعرضن فعل الشرط وهو في محل جزم والفاعل مستتر تقديره أنت وعنهم متعلقان بتعرضن وابتغاء رحمة مفعول من أجله ولك في ناصبه وجهان فإما أن تجعله فعل الشرط من وضع المسبب مكان السبب أي وان أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك ترجو أن يفتح لك فسمى الرزق رحمة فردهم ردا جميلا وإما أن تجعله جواب الشرط وقد تقدم عليه أي فقل لهم قولا كريما لينا وعدهم وعدا جميلا تطييبا لقلوبهم ابتغاء رحمة من ربك. ومن ربك صفة لرحمة وجملة ترجوها حال من رحمة أو صفة ثانية، فقل الفاء رابطة وقل فعل أمر ولهم متعلقان بقل وقولا مفعول مطلق وميسورا صفة. {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ} الواو عاطفة ولا ناهية وتجعل مضارع مجزوم بلا والفاعل مستتر تقديره أنت ويدك مفعول تجعل الأول ومغلولة مفعول تجعل الثاني والى عنقك جار ومجرور متعلقان بمغلولة.{وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} ولا تبسطها عطف على لا تجعل وكل البسط مفعول مطلق فتقعد الفاء فاء السببية وتقعد مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء المسبوقة بالنهي وستأتي الشروط التي يجب أن تسبق هذه الفاء في باب الفوائد وفاعل تقعد مستتر تقديره أنت وملوما محسورا حالين أو تجعلهما خبرين لتقعد إذا ضمنتها معنى تصير.{إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} ان واسمها وجملة يبسط خبرها والرزق مفعول به ولمن متعلقان بيبسط وجملة يشاء صلة ويقدر عطف على يبسط وان واسمها وجملة كان خبرها واسم كان مستتر تقديره هو وبعباده متعلقان بخبيرا بصيرا وهما خبر ان لكان. {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} لا ناهية وتقتلوا مجزوم بها وأولادكم مفعول به وخشية مفعول لأجله وإملاق مضاف إليه. {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيرًا} نحن مبتدأ وجملة نرزقهم خبر وإياكم عطف على الهاء وإن واسمها وجملة كان خبر إن وخطئا خبر كان واسمها مستتر تقديره هو وكبيرا صفة لخطئا..البلاغة: اشتملت هذه الآيات على طائفة من الحكم والأمثال وعلى أنواع من البلاغة نوجزها فيما يلي:1- الاستعارة التمثيلية:في قوله تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط} استعارة تمثيلية لمنع الشحيح وإعطاء المسرف فقد شبه حال البخيل في امتناعه من الانفاق بحال من يده مغلولة إلى عنقه فهو لا يقدر على التصرف في شيء وشبه حال المسرف المبذر المتلاف بحال من يبسط يده كل البسط فلا يبقي على شيء في كفه ولا يدخر شيئا ينفعه في حال الحاجة ليخلص إلى نتيجة مجدية وهي التوسط بين الأمرين والاقتصاد الذي هو وسط بين الإسراف والتقتير، وقد طابق في الاستعارة بين بسط اليد وقبضها من حيث المعنى لأن جعل اليد مغلولة هو قبضها وغلّها أبلغ في القبض وقد رمق أبو تمام سماء هذا المعنى فقال في المعتصم:2- التغاير:في قوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم} وقد تقدم بحثه في سورة الانعام وفيه سر خفي بين ما جاء في سورة الإسراء وما جاء في سورة الانعام وهو قوله: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم} فجدد به عهدا ونضيف اليه الآن ان قتل الأولاد إن كان مبعثه خوف الفقر فهو من سوء الظن باللّه واليأس من رحمته وإن كان مبعثه الغيرة على البنات فهو تدبير أرعن لا ينجم عنه إلا هدم المجتمع وتعطيل معالم الحياة.
|