بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.سورة الإسراء سميت في كثير من المصاحف سورة الإسراء.وصرح الألوسي بأنها سميت بذلك، إذ قد ذكر في أولها الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم واختصت بذكره، وتسمى في عهد الصحابة سورة بني إسرائيل.ففي جامع الترمذي في أبواب الدعاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل».وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود أنه قال في بني إسرائيل والكهف ومريم: إنهن من العتاق الأول وهن من تلادي.وبذلك ترجم لها البخاري في كتاب التفسير، والترمذي في أبواب التفسير.ووجه ذلك أنها ذكر فيها من أحوال بني إسرائيل ما لم يذكر في غيرها.وهو استيلاء قوم أولى بأس الآشوريين عليهم ثم استيلاء قوم آخرين وهم الروم عليهم.وتسمى أيضا سورة سبحان، لأنها افتتحت بهذه الكلمة.قاله في بصائر ذوي التمييز.وهي مكية عند الجمهور.قيل: إلا آيتين منها، وهما {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} إلى قوله: {قَلِيلًا} [الاسراء: 73].وقيل: إلا أربعا، هاتين الآيتين، وقوله: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} [الاسراء: 60]، وقوله: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْق} [الاسراء: 80].وقيل: إلا خمسا، هاته الأربع، وقوله: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِه} [الاسراء: 107]. إلى آخر السورة.وقيل: إلا خمس آيات غير ما تقدم، وهي المبتدأة بقوله: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} الآية [الاسراء: 33]، وقوله: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} الآية [الاسراء: 32]، وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ} الآية [الاسراء: 57]، وقوله: {أَقِمِ الصَّلاة} الآيةَ[الاسراء: 78]، وقوله: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّه} الآيةُ[الاسراء: 26].وقيل إلا ثمانيا من قوله: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} إلى قوله: {سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الاسراء: 73ـ80].وأحسب أن منشأ هاته الأقوال أن ظاهر الأحكام التي اشتملت عليها تلك الأقوال يقتضي أن تلك الآي لا تناسب حالة المسلمين فيما قبل الهجرة فغلبت على ظن أصحاب تلك الأقوال مدنية.وسيأتي بيان أن ذلك غير متجه عند التعرض لتفسيرها.ويظهر أنها نزلت في زمن فيه جماعة المسلمين بمكة، وأخذ التشريع المتعلق بمعاملات جماعتهم يتطرق إلى نفوسهم، فقد ذكرت فيها أحكام متتالية لم تذكر أمثال عددها في سورة مكية غيرها عدا سورة الأنعام، وذلك من قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} إلى قوله: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الاسراء: 23ـ38].وقد اختلف في وقت الإسراء.والأصح أنه كان قبل الهجرة بنحو سنة وخمسة أشهر، فإذا كانت قد نزلت عقب وقوع الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم تكون قد نزلت في حدود سنة اثنتي عشرة بعد البعثة، وهي سنة اثنتين قبل الهجرة في منتصف السنة.وليس افتتاحها بذكر الإسراء مقتضيا أنها نزلت عقب وقوع الإسراء.بل يجوز أنها نزلت بعد الإسراء بمدة.وذكر فيها الإسراء إلى المسجد الأقصى تنويها بالمسجد الأقصى وتذكيرا بحرمته.نزلت هذه السورة بعد سورة القصص وقبل سورة يونس.وعدت السورة الخمسين في تعداد نزول سورة القرآن.وعدد آيها مائة وعشر في عد أهل المدينة، ومكة، والشام، والبصرة.ومائة وإحدى عشرة في عد أهل الكوفة.أغراضها:العماد الذي أقيمت عليه أغراض هذه السورة إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وإثبات أن القرآن وحي من الله وإثبات فضله وفضل من أنزل عليه وذكر أنه معجز ورد مطاعن المشركين فيه وفيمن جاء به، وأنهم لم يفقهوه فلذلك أعرضوا عنه وإبطال إحالتهم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أسري به إلى المسجد الأقصى.فافتتحت بمعجزة الإسراء توطئة للتنظير بين شريعة الإسلام وشريعة موسى عليه السلام على عادة القرآن في ذكر المثل والنظائر الدينية، ورمزا إلهيا إلى أن الله أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم من الفضائل أفضل مما أعطى من قبله.وأنه أكمل له الفضائل فلم يفته منها فائت.فمن أجل ذلك أحله بالمكان المقدس الذي تداولته الرسل من قبل، فلم يستأثرهم بالحلول بذلك المكان هو مهبط الشريعة الموسوية، ورمز أطوار تاريخ بني إسرائيل وأسلافهم، والذي هو نظير المسجد الحرام في أن أصل تأسيسه في عهد إبراهيم كما سننبه عليه عند تفسير قوله تعالى: {إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الاسراء: 1]، فأحل الله به محمدا عليه الصلاة والسلام بعد أن هجر وخرب إيماء إلى أن أمته تجدد مجده.