الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من فوائد الشعراوي في الآية: قال رحمه الله:{قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}.نعرف أن هناك صدقًا ينفع يوم القيامة وهو الصدق الموصول بصدق الدنيا. وهناك صدق لا ينفع يوم القيامة ومثال ذلك قول إبليس اللعين كما يحكي القرآن الكريم: {إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} [إبراهيم: 22].مثل هذا الصدق لا ينفع أحدًا؛ لأن الآخرة ليست دار التكليف. لكن الصدق الموصول بصدق الدنيا هو قول عيسى عليه السلام: {إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ}. ولذلك يقول الله في الصدق الموصول: {هذا يَوْمُ يَنفَعُ الصادقين صِدْقُهُمْ}.ذلك أن صدق الصادقين يوم القيامة هو صدق موصول بصدقهم في زمن التكليف وهو الدنيا ويتلقون رضاء الله: {لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} وإن تساءل إنسان: كيف يرضى العبد عن ربه؟.نقول: إن العباد المؤمنين عندما يعاينون الجزاء المعد لهم في الآخرة يمتلئون بالحبور ويقولون: {الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرض نَتَبَوَّأُ مِنَ الجنة حَيْثُ نَشَاءُ} [الزمر: 74].هذه الآية التي تتحدث عن يوم ينفع الصادقين صدقهم بقوله: {ذلك الفوز العظيم} كأن هناك فوزًا سطحيًا، وفوزًا عظيمًا، والفوز السطحي: هو ما يعطيه الإنسان لنفسه في دار التكليف من متعة قصيرة العمر والأجل فيبدو ظاهريًا وكأنه قد فاز، وفي الحقيقة ليس هو الفوز العظيم لأن الندم سيعقبه، وأي لذة يعقبها الندم ليست فوزًا؛ لأن الدنيا بكل ما فيها من نعيم هو نعيم على قدر إمكانات الإنسان وتصوره، وهو نعيم مهدد بشيئين؛ أن يزول النعيم عن الإنسان، وكثيرًا ما رأينا منعمين زال عنهم النعيم، أو أن يترك الإنسان هذا النعيم بالموت، ونرى ذلك كثيرًا. أما النعيم الذي هو الفوز العظيم فهو النعيم الموصول الذي لا يمنعه أحد، ولا يقطعه شيء. اهـ..تفسير الآية رقم (120): قوله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)}.مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:ولما كان هذا الذي أباحه لهم وأباحهم إياه لا يكون إلا بأسباب لا تسعها العقول، ولا تكتنه بفروع ولا أصول، علل إعطاءه إياه وسهولته لديه بقوله مشيرًا إلى أن كل ما ادعيت فيه الإلهية مما تقدم في هذه السورة وغيرها بعيد عن ذلك، لأنه ملكه وفي ملكه وتحت قهره: {لله} أي الملك الذي لا تكتنه عظمته ولا تضعف قدرته، لا لغيره {ملك السماوات} بدأ بها لأنها أشرف وأكبر، وآياتها أدل وأكثر {والأرض} على اتساعهما وعظمهما وتباعد ما بينهما {وما فيهن} أي من جوهر وعرض.ولما كان ذلك أنهى ما نعلمه، عمم بقوله: {وهو على كل شيء} أي من ذلك وغيره من كل ما يريد {قدير} فلذلك هو يحكم ما يريد لأنه هو الإله وحده، وهو قادر على إسعاد من شاء وإشقاء من شاء، وإحلال ما شاء وتحريم ما شاء، والحكم بما يريد ونفع الصادقين الموفين بالعقود الثابتين على العهود، لأن له ملك هذه العوالم وما فيها مما ادعى فيه الإلهية من عيسى وغيره، والكل بالنسبة إليه أموات، بل موات جديرون بأن يعبر عنهم بـ«ما» لا بـ«من»، فمن يستحق معه شيئًا ومن يملك معه ضرًا أو نفعًا! وقد انطبق آخر السورة على أولها كما ترى أي انطباق، واتسقت جميع آياتها أخذًا بعضها بحجز بعض أيّ اتساق؛ فسبحان من أنزل هذا القرآن على أعظم البيان! مخجلًا لمن أباه من الأمم، معجزًا لأصحاب السيف والقلم، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال الفخر: قيل: إن هذا جواب عن سؤال مقدر كأنه قيل: من يعطيهم ذلك الفوز العظيم؟ فقيل: الذي له ملك السموات والأرض.وفي هذه الخاتمة الشريفة أسرار كثيرة ونحن نذكر القليل منها.فالأول: أنه تعالى قال: {للَّهِ مُلْكُ السموات والأرض وَمَا فِيهِنَّ} ولم يقل ومن فيهن فغلب غير العقلاء على العقلاء، والسبب فيه التنبيه على أن كل المخلوقات مسخرون في قبضة قهره وقدرته وقضائه وقدره، وهم في ذلك التسخير كالجمادات التي لا قدرة لها وكالبهائم التي لا عقل لها، فعلم الكل بالنسبة إلى علمه كلا علم، وقدرة الكل بالنسبة إلى قدرته كلا قدرة.والثاني: أن مفتتح السورة كان بذكر العهد المنعقد بين الربوبية والعبودية فقال: {يَا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود} [المائدة: 1] وكمال حال المؤمن في أن يشرع في العبودية وينتهي إلى الفناء المحض عن نفسه بالكلية.فالأول هو الشريعة وهو البداية والآخر هو الحقيقة وهو النهاية.فمفتتح السورة من الشريعة ومختتمها بذكر كبرياء الله وجلاله وعزته وقدرته وعلوه، وذلك هو الوصول إلى مقام الحقيقة فما أحسن المناسبة بين ذلك المفتتح، وهذا المختتم! والثالث: أن السورة اشتملت على أنواع كثيرة من العلوم.فمنها: بيان الشرائع والأحكام والتكاليف.ومنها المناظرة مع اليهود في إنكارهم شريعة محمد عليه الصلاة والسلام، ومنها المناظرة مع النصارى في قولهم بالتثليث فختم السورة بهذه النكتة الوافية بإثبات كل هذه المطالب.فإنه قال: {للَّهِ مُلْكُ السموات والارض وَمَا فِيهِنَّ} ومعناه أن كل ما سوى الحق سبحانه فإنه ممكن لذاته موجود بإيجاده تعالى.وإذا كان الأمر كذلك كان مالكًا لجميع الممكنات والكائنات موجدًا لجميع الأرواح والأجساد، وإذا ثبت هذا لزم منه ثبوت كل المطالب المذكورة في هذه السورة.وأما حسن التكليف كيف شاء وأراد، فذاك ثابت، لأنه سبحانه لما كان مالكًا للكل، كان له أن يتصرف في الكل بالأمر والنهي والثواب والعقاب كيف شاء وأراد.فصح القول بالتكليف على أي وجه أراده الحق سبحانه وتعالى.وأما الرد على اليهود فلأنه سبحانه لما كان مالك الملك فله بحكم المالكية أن ينسخ شرع موسى ويضع شرع محمد عليهما الصلاة والسلام وأما الرد على النصارى فلأن عيسى ومريم داخلان فيما سوى الله لأنا بينا أن الموجد إما أن يكون هو الله تعالى أو غيره، وعيسى ومريم لا شك في كونهما داخلين في هذا القسم.فإذا دللنا على أن كل ما سوى الله تعالى ممكن لذاته موجود بإيجاد الله كائن بتكوين الله كان عيسى ومريم عليهما السلام كذلك.ولا معنى للعبودية إلا ذلك.فثبت كونهما عبدين مخلوقين فظهر بالتقرير الذي ذكرناه أن هذه الآية التي جعلها الله خاتمة لهذه السورة برهان قاطع في صحة جميع العلوم التي اشتملت هذه السورة عليها.والله أعلم بأسرار كلامه. اهـ..قال ابن عطية: قوله تعالى: {لله ملك السماوات}... الآية، يحتمل أن يكون مما يقال يوم القيامة، ويحتمل أنه مقطوع من ذلك مخاطب به محمد صلى الله عليه وسلم وأمته. وعلى الوجهين ففيه عضد ما قال عيسى، إن تعذب الناس فإنهم عبادك على تقدم من تأويل الجمهور. اهـ..قال القرطبي: قوله تعالى: {للَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض} الآية جاء هذا عقب ما جرى من دعوى النصارى في عيسى أنه إله، فأخبر تعالى أن ملك السموات والأرض له دون عيسى ودون سائر المخلوقين.ويجوز أن يكون المعنى أن الذي له ملك السموات والأرض يعطي الجنات المتقدّم ذكرها للمطيعين من عباده؛ جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه. اهـ..قال ابن الجوزي: وفي قوله: {لله ملك السموات والأرض} تنبيهٌ على عبودية عيسى، وتحريضٌ على تعليق الآمال بالله وحده. اهـ..قال أبو السعود: وقوله تعالى: {للَّهِ مُلْكُ السموات والأرض وَمَا فِيهِنَّ} تحقيقٌ للحق وتنبيهٌ على كذِب النصارى وفسادِ ما زعَموا في حق المسيحِ وأمِّه، أي له تعالى خاصةً مُلك السمواتِ والأرض وما فيهما من العقلاء وغيرِهم، يتصرَّفُ فيها كيف يشاء، إيجادًا وإعدامًا، إحياءً وإماتة، وأمرًا ونهيًا، من غير أن يكون لشيء من الأشياء مدخلٌ في ذلك، وفي إيثار (ما) على (من) المختصة بالعقلاء على تقدير تناولها للكل، مراعاةٌ للأصل وإشارةٌ إلى تساوي الفريقين في استحالة الربوبية حسَب تساويهما في تحقُّق المربوبية، وعلى تقدير اختصاصِها بغير العقلاء تنبيهٌ على كمال قصورهم عن رتبة الألوهية، وإهابةٌ بهم بتغليب غيرِهم عليهم {وَهُوَ على كُلّ شيء} من الأشياء {قَدِيرٌ} مبالِغٌ في القدرة. اهـ..قال الألوسي: {للَّهِ مُلْكُ السموات والأرض وَمَا فِيهِنَّ} تحقيق للحق وتنبيه بما فيه من تقديم الظرف المفيد للحصر على كذب النصارى وفساد ما زعموه في حق المسيح وأمه عليهما السلام.وقيل: استئناف مبني على سؤال نشأ من الكلام السابق كأنه قيل: من يملك ذلك ليعطيهم إياه؟ فقيل: {للَّهِ مُلْكُ السموات} الخ فهو المالك والقادر على الإعطاء ولا يخفى بعده وفي إيثار {مَا} على من المختصة بالعقلاء على تقدير تناولها للكل مراعاة كما قيل للأصل وإشارة إلى تساوي الفريقين في استحالته الربوبية حسب تساويهما في تحقق المربوبية.وعلى تقدير اختصاصها بغير العقلاء كما يشير إليه خبر ابن الزبعرى رضي الله تعالى عنه تنبيه على كمال قصورهم من رتبة الألوهية، وفي تغليب غير العقلاء على العقلاء على خلاف المعروف ما لا يخفى من حط قدرهم.{وَهُوَ على كُلّ شيء} من الأشياء {قَدِيرٌ} أي مبالغ في القدرة.وفسرها الغزالي بالمعنى الذي به يوجد الشيء متقدرًا بتقدير الإرادة والعلم واقعًا على وفقهما، وفسر الموصوف بها على الإطلاق بأنه الذي يخترع كل موجود اختراعًا ينفرد به ويستغني به عن معاونة غيره وليس ذاك إلا الله تعالى الواحد القهار.والظرف متعلق بقدير والتقديم لمراعاة الفاصلة، ولا يخفى ما في ذكر كبرياء الله تعالى وعزته وقهره وعلوه في آخر هذه السورة من حسن الاختتام، وأخرج أبو عبيد عن أبي الزاهرية أن عثمان رضي الله تعالى عنه كتب في آخر المائدة {ولله ملك السموات والأرض والله سميع بصير}. اهـ..قال البيضاوي: {للَّهِ مُلْكُ السموات والأرض وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.تنبيه على كذب النصارى وفساد دعواهم في المسيح وأمه، وإنما لم يقل ومن فيهن تغليبًا للعقلاء وقال: {وَمَا فِيهِنَّ} اتباعًا لهم غير أولي العقل إعلامًا بأنهم في غاية القصور عن معنى الربوبية والنزول عن رتبة العبودية، وإهانة لهم وتنبيهًا على المجانسة المنافية للألوهية، ولأن ما يطلق متناولًا للأجناس كلها فهو أولى بإرادة العموم. اهـ..قال ابن عاشور: {للَّهِ مُلْكُ السموات والأرض وَمَا فِيهِنَّ}.
|