الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقيل: كفيلًا بأمورهم؛ حكاه الفراء.وقيل: ربًّا يتوكّلون عليه في أمورهم؛ قاله الكلبي.وقال الفراء: كافيا؛ والتقدير: عهدنا إليه في الكتاب ألا تتخذوا من دوني وكيلًا.وقيل: التقدير لئلا تتخذوا.والوكيل: من يُوكَل إليه الأمر.{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)} أي يا ذرية من حملنا، على النداء؛ قاله مجاهد ورواه عنه ابن أبي نَجيح.والمراد بالذرية كلُّ من احتج عليه بالقرآن، وهم جميع مَن على الأرض؛ ذكره المهدوِيّ.وقال الماوَرْدِيّ: يعني موسى وقومه من بني إسرائيل، والمعنى يا ذرية من حملنا مع نوح لا تشركوا.وذكر نوحًا ليذكّرهم نِعمة الإنجاء من الغرق على آبائهم.وروى سفيان عن حُميد عن مجاهد أنه قرأ {ذَرِّيّة} بفتح الذال وتشديد الراء والياء.وروى هذه القراءة عامر بن الواجد عن زيد بن ثابت.ورُوي عن زيد بن ثابت أيضًا {ذِرِّية} بكسر الذال وشدّ الراء والياء.ثم بين أن نوحًا كان عبدًا شكورًا يشكر الله على نعمه ولا يرى الخير إلا من عنده.قال قتادة: كان إذا لبس ثوبًا قال: بسم الله، فإذا نزعه قال: الحمد لله.كذا روى عنه معمر.وروى معمر عن منصور عن إبراهيم قال: شكره إذا أكل قال: بسم الله، فإذا فرغ من الأكل قال: الحمد لله.قال سلمان الفارسي: لأنه كان يحمَد الله على طعامه.وقال عمران بن سليم: إنما سمي نوحًا عبدًا شكورًا لأنه كان إذا أكل قال: الحمد لله الذي أطعمني ولو شاء لأجاعني، وإذا شرب قال: الحمد لله الذي سقاني ولو شاء لأظمأني، وإذا اكتسى قال: الحمد لله الذي كساني ولو شاء لأعراني، وإذا احتذى قال: الحمد لله الذي حذاني ولو شاء لأحفاني، وإذا قضى حاجته قال: الحمد لله الذي أخرج عني الأذى ولو شاء لحبسه فيّ.ومقصود الآية: إنكم من ذرية نوح وقد كان عبدًا شكورًا فأنتم أحق بالاقتداء به دون آبائكم الجهال.وقيل: المعنى أن موسى كان عبدًا شكورًا بإذ جعله الله من ذرية نوح.وقيل: يجوز أن يكون {ذرية} مفعولًا ثانيًا لـ {تتخذوا}، ويكون قوله: {وكيلا} يراد به الجمع فيسوغ ذلك في القراءتين جميعًا أعني الياء والتاء في {تتخذوا}.ويجوز أيضًا في القراءتين جميعًا أن يكون {ذرية} بدلًا من قوله: {وكيلًا} لأنه بمعنى الجمع؛ فكأنه قال لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح.ويجوز نصبها بإضمار أعني وأمدح، والعرب قد تنصب على المدح والذم.ويجوز رفعها على البدل من المضمر في {تتخذوا} في قراءة من قرأ بالياء؛ ولا يحسن ذلك لمن قرأ بالتاء لأن المخاطب لا يبدل منه الغائب.ويجوز جرها على البدل من بني إسرائيل في الوجهين.فأما أنْ من قوله: {ألا تتخذوا} فهي على قراءة من قرأ بالياء في موضع نصب بحذف الجار، التقدير: هديناهم لئلا يتخذوا.ويصلح على قراءة التاء أن تكون زائدة والقول مضمر كما تقدّم.ويصلح أن تكون مفسرة بمعنى أي، لا موضع لها من الإعراب، وتكون لا للنهي فيكون خروجًا من الخبر إلى النهي. اهـ.
.قال أبو حيان: ولما ذكر تشريف الرسول صلى الله عليه وسلم بالإسراء وإراءته الآيات ذكر تشريف موسى بإيتائه التوراة {وآتينا} معطوف على الجملة السابقة من تنزيه الله تعالى وبراءته من السوء، ولا يلزم من عطف الجمل المشاركة في الخبر أو غيره.وقال ابن عطية: عطف قوله وآتينا على ما في قوله أسرى بعبده من تقدير الخبر كأنه قال: أسرينا بعبدنا وأريناه آياتنا وآتينا.وقال العكبري وآتينا معطوف على أسرى انتهى.وفيه بعد و{الكتاب} هنا التوراة، والظاهر عود الضمير من وجعلناه على الكتاب، ويحتمل أن يعود على موسى، ويجوز أن تكون أن تفسيرية ولا نهي وأن تكون مصدرية تعليلًا أي لأن لا يتخذوا ولا نفي، ولا يجوز أن تكون أن زائدة ويكون لا تتخذوا معمولًا لقول محذوف خلافًا لمجوز ذلك إذ ليس من مواضع زيادة أن.وقرأ ابن عباس ومجاهد وقتادة وعيسى وأبو رجاء وأبو عمرو من السبعة: يتخذوا بالياء على الغيبة وباقي السبعة بتاء الخطاب، والوكيل فعيل من التوكل أي متوكلًا عليه.وقال الزمخشري ربًا تكلون إليه أموركم.وقال ابن جرير: حفيظًا لكم سواي.وقال أبو الفرج بن الجوزي: قيل للرب وكيل لكفايته وقيامه بشؤون عباده، لا على معنى ارتفاع منزلة الموكل وانحطاط أمر الوكيل انتهى.وانتصب {ذرية} على النداء أي يا ذرّية أو على البدل من وكيلًا، أو على المفعول الثاني ليتخذوا ووكيلًا وفي معنى الجمع أي لا يتخذوا وكلاء ذرية، أو على إضمار أعني.وقرأت فرقة ذرية بالرفع وخرج على أن يكون بدلًا من الضمير في يتخذوا على قراءة من قرأ بياء الغيبة.وقال ابن عطية: ولا يجوز في القراءة بالتاء لأنك لا تبدل من ضمير مخاطب لو قلت ضربتك زيدًا على البدل لم يجز انتهى.وما ذكره من إطلاق إنك لا تبدل من ضمير مخاطب يحتاج إلى تفصيل، وذلك أنه إن كان في بدل بعض من كل وبدل اشتمال جاز بلا خلاف، وإن كان في بدل شيء من شيء وهما لعين واحدة وإن كان يفيد التوكيد جاز بلا خلاف، نحو: مررت بكم صغيركم وكبيركم وإن لم يفد التوكيد، فمذهب جمهور البصريين المنع ومذهب الأخفش والكوفيين الجواز وهو الصحيح لوجود ذلك في كلام العرب، وقد استدللنا على صحة ذلك في شرح كتاب التسهيل، وذكر من حملنا مع نوح تنبيهًا على النعمة التي نجاهم بها من الغرق.وقرأ زيد بن ثابت وأبان بن عثمان وزيد بن عليّ ومجاهد في رواية بكسر ذال ذرية.وقرأ مجاهد أيضًا بفتحها.وعن زيد بن ثابت ذرية بفتح الذال وتخفيف الراء وتشديد الياء على وزن فعليه كمطيه.والظاهر أن الضمير في أنه عائد على نوح.قال سلمان الفارسي: كان يحمد الله على طعامه.وقال إبراهيم شكره إذا أكلَّ قال: بسم الله، فإذا فرغ قال: الحمد لله.وقال قتادة: كان إذا لبس ثوبًا قال: بسم الله، وإذا نزعه قال: الحمد لله.وقيل: الضمير في أنه عائد إلى موسى انتهى.ونبه على الشكر لأنه يستلزم التوحيد إذ النعم التي يجب الشكر عليها هي من عنده تعالى، فكأنه قيل كونوا موحدين شاكرين لنعم الله مقتدين بنوح الذي أنتم ذرية من حمل معه. اهـ..قال أبو السعود: {وَءاتَيْنَآ مُوسَى الكتاب} أي التوراة وفيه إيماءٌ إلى دعوته عليه الصلاة والسلام إلى الطور وما وقع فيه من المناجاة جمعًا بين الأمرين المتّحدين في المعنى، ولم يُذكر هاهنا العروجُ بالنبي عليه السلام إلى السماء وما كان فيه مما لا يُكتنه كنهُه حسبما نطقتْ به سورةُ النجم تقريبًا للإسراء إلى قَبول السامعين، أي آتيناه التوراةَ بعد من أسرَينا إلى الطور {وجعلناه} أي ذلك الكتابَ {هُدًى لّبَنِى إسراءيل} يهتدون بما في مطاويه {أَن لا تَتَّخِذُواْ} أي لا تتخذوا نحو كتبت إليه أن افعل كذا، وقرئ بالياء على أنّ أنْ مصدريةٌ، والمعنى آتينا موسى الكتابَ لهداية بني إسرائيل لئلا يتخذوا {مِن دُونِى وَكِيلًا} أي ربًّا تكِلون إليه أمورَكم، والإفرادُ لما أن فعيلًا مفردٌ في اللفظ جمعٌ في المعنى.{ذُرّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ}نُصب على الاختصاص أو النداءِ على قراءة النهي، والمرادُ تأكيدُ الحملِ على التوحيد بتذكير إنعامِه تعالى عليهم في ضمن إنجاءِ آبائِهم من الغرق في سفينة نوحٍ عليه السلام، أو على أنه أحدُ مفعولَيْ لا يتخذوا على قراءة النفي ومن دون حالٌ من وكيلًا فيكون كقوله تعالى: {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الملائكة والنبيين أَرْبَابًا} وقرى بالرفع على أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ أو بدلٌ من واو لا تتخذوا بإبدال الظاهرِ من ضمير المخاطَب كما هو مذهبُ بعض البغادِدَة، وقرئ ذِرّية بكسر الذال {أَنَّهُ} أي إن نوحًا عليه الصلاة والسلام {كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} كثيرَ الشكر في مجامع حالاتِه، وفيه إيذانٌ بأن إنجاءَ مَنْ معه كان ببركة شكرِه عليه الصلاة والسلام وحثٌّ للذرية على الاقتداء به وزجرٌ لهم عن الشرك الذي هو أعظمُ مراتبِ الكُفرانِ، وقيل: الضمير لموسى عليه السلام. اهـ..قال الألوسي: {وَءاتَيْنَآ مُوسَى الكتاب} أي التوراة {وجعلناه} أي الكتاب وهو الظاهر أو موسى عليه السلام {هُدًى} عظيمًا {لّبَنِى إسرائيل} متعلق بهدى أو بجعل واللام تعليلية والواو استئنافية أو عاطفة على جملة {سُبْحَانَ الذي أسرى} [الإسراء: 1]. لا على {أسرى} كما نقله في البحر عن العكبري.وحكى نظيره عن ابن عطية لبعده وتكلفه، وعقب آية الإسراء بهذه استطرادًا تمهيدًا لذكر القرآن، والجامع أن موسى عليه السلام أعطى التوراة بمسيره إلى الطور وهو بمنزلة معراجه لأنه منح ثمت التكليم وشرف باسم الكليم وطلب الرؤية مدمجًا فيه تفاوت ما بين الكتابين ومن أنزلا عليه وإن شئت فوازن بين {أسرى بِعَبْدِهِ وَءاتَيْنَآ مُوسَى} وبين {هُدًى لّبَنِى إسرائيل} {وَيَهْدِى لِلَّتِى هي أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]. {أَلاَّ تَتَّخِذُواْ} أي أي لا تتخذوا على أن تفسيرية ولا ناهية، والتفسير كما قال أبو البقاء لما تضمنه الكتاب من الأمر والنهي، وقيل لمحذوف أي آتينا موسى كتابة شيء هو لا تتخذوا، والكتاب وإن كان المراد به التوراة فهو مصدر في الأصل، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر.وجوز في البحر أن تكون أن مصدرية والجار قبلها محذوف ولا نافية أي لئلا تتخذوا، وقيل يجوز أن تكون أن وما بعدها في موضع البدل من {الكتاب} وجوز أبو البقاء أن تكون زائدة و{لاَ تَتَّخِذُواْ} معمول لقول محذوف {وَلاَ} فيه للنهي أي قلنا لا تتخذوا.وتعقبه أبو حيان بأن هذا الموضع ليس من مواضع زيادة أن.وكذا جوز أن تكون {لا} زائدة كما في قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} [الأعراف: 12]، والتقدير كراهة أن تتخذوا ولا يخفى ما فيه.وقرأ ابن عباس ومجاهد وعيسى وأبو رجاء وأبو عمرو من السبعة أن لا تتخذوا بياء الغيبة، وجعل غير واحد أن على ذلك مصدرية ولم يذكروا فيها احتمال كونها مفسرة، وقال شيخ زاده: لا وجه لأن تكون أن مفسرة على القراءة بياء الغيبة لأن ما في حيز المفسرة مقول من حيث المعنى والذي يلقى إليه القول لابد أن يكون مخاطبًا كما لا وجه لكونها مصدرية على قراءة الخطاب لأن بني إسرائيل غيب فتأمل.والجار عندهم على كونها مصدرية محذوف أي لأن لا يتخذوا {مِن دُونِى وَكِيلًا} أي ربًا تكلون إليه أموركم غيري فالوكيل فعيل بمعنى مفعول وهو الموكول إليه أي المفوض إليه الأمور وهو الرب، قال ابن الجوزي: قيل للرب وكيل لكفايته وقيامه بشؤون عباده لا على معنى ارتفاع منزلة الموكل وانحطاط أمر الوكيل و{مِنْ} سيف خطيب ودون بمعنى غير وقد صرح بمجيئها كذلك في غير موضع وهي مفعول ثان لتتخذوا و{وَكِيلًا} الأول.وجوز أن تكون من تبعيضية واستظهر الأول، والمراد النهي عن الإشراك به تعالى.{ذُرّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ}نصب على الاختصاص أو على النداء؛ والمراد الحمل على التوحيد بذكر إنعامه تعالى عليهم في تضمن إنجاء آبائهم من الغرق في سفينة نوح عليه السلام حين ليس لهم وكيل يتوكلون عليه سواه تعالى، وخص مكي النداء بقراءة الخطاب قال: من قرأ {يَتَّخِذُواْ} [الإسراء: 2]. بياء الغيبة يبعد معه النداء لأن الياء للغيبة والنداء للخطاب فلا يجتمعان إلا على بعد ونعم ما قال، وقول بعضهم: ليس كما زعم إذ يجوز أن ينادي الإنسان شخصًا ويخبر عن أحد فيقول: يا زيد ينطلق بكر وفعلت كذا يا زيد ليفعل عمرو كيت وكيت إن كما زعم لا يدفع البعد الذي ادعاه مكي.وجوز أن يكون أحد مفعولي {تَتَّخِذُواْ} [الإسراء: 2]، و{وَكِيلًا} [الإسراء: 2]. الآخر وهو لكونه فعيلًا بمعنى مفعول يستوي فيه الواحد المذكر وغيره فلا يرد أنه كيف يجوز أن يكون مفعولًا ثانيًا والمفعول الثاني خبر معنى وهو غير مطابق هنا {وَمِنْ دُونِى} [الإسراء: 2]. حال منه و{مِنْ} يجوز أن تكون ابتدائية.وجوز أيضًا أن يكون بدلًا من {وَكِيلًا} [الإسراء: 2]. لأن المبدل منه ليس في حكم الطرح من كل الوجوه أي لا تتخذوا من دوني ذرية من حملنا والمراد نهيهم عن اتخاذ عزير.وعيسى عليهما السلام ونحوهما أربابًا.وفي التعبير بما ذكر إيماءً إلى علة النهي من أوجه، أحدها: تذكير النعمة في إنجاء آبائهم كما ذكر، والثاني: تذكير ضعفهم، وحالهم المحوج إلى الحمل، والثالث: أنهم أضعف منهم لأنهم متولدون منهم، وفي إيثار لفظ الذرية الواقعة على الأطفال والنساء في العرف الغالب مناسبة تامة لما ذكر، وجوز أبو البقاء كونه بدلًا من {موسى} [الإسراء: 2]، وهو بعيد جدًا.
|