الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.فوائد لغوية وإعرابية: قال مجد الدين الفيروزابادي:بصيرة في يوم:اليوم يُعَبِّر به عن وَقْت طُلُوع الفجر إِلى غروب الشمس، وقيل: يُعبَّر به عن مدّة من الزَّمان أي مدّة كانت، والجمع: أَيَّامٌ.ويوم أَيوم، ويوم كفَرحٍ ووَوِمٌ، وذُو أَيَّام، وذُوا أَياويمَ: آخِرُ يوم في الشَّهْر، أَو معناه شَدِيدٌ، مثلُ لَيْلٍ أَلْيَلَ.وأَيّام الله: نِعَمة.وياوَمَهُ يِواماً ومُياوَمَةً: عامَلَهُ لِلْيوم.وقيل: ليس للدِّين عِوَضٌ، ولا لِلْبَدنِ خَلَفٌ، ولا لِلْيوم بَدَلٌ، ومن كانت مَطِيَّتُه اللَّيل والنَّهار، فإِنَّه يُسارُ به وإِنْ لم يَسِرْ.وفيه يقول القائل:وقال آخر: وقال آخر في ذلك: وقيل: الأَيّام خمسةٌ: يوم المِيثاق، وهو يوم الشهاد؛ ويوم دُخُولك في الدُّنْيا، وهو يوم الوِلادَة؛ ويوم خُرُوجك منها، وهو يوم ظهور الشَّقاوَة والسَّعادة؛ ويوم خُروجِك من القَبْر، وهو يوم الإِعادَة؛ ويوم نُزولِك في الجَنَّة أَو النَّار، وهو يوم الزِيادة، فلأَهل النار {زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ}، ولأَهل الجنَّة {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}.وفى بعض الآثار: (ما مِنْ يوم طَلَعَت شَمْسُه إِلاَّ ويَقول: يا بن آدَمَ، أَنا يوم جَدِيدٌ، وإِنِّى على ما تَعْمَلُ شَهِيد، فاغْتَنِمْ طُلوع شَمْسِى، فلو غابَتْ وغَرَبَتْ لمْ تَرَنى إِلى يوم القيامة).وذُكِرَ اليوم في القرآن على قسْمَين: الأَول أَيّام مخْتَلِفاتٌ، والثانى مُقْتَرناتٌ بأَسماءِ القيامة.أَمّا المختلفات.1- فقوله تعالى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}، {كُلَّ يوم هُوَ فِي شَأْنٍ}.2- قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ...} إلى قوله: {يوم خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}.3- {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يوميْنِ}.4- {خَلَقَ الأَرْضَ فِي يوميْنِ}.5- {وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ}.6- {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}.7- {لاَ عَاصِمَ الْيوم مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}.8- {فِي يوم نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ}.9- {تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ}.10- {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يوم الظُّلَّةِ}.11- {وَلاَ تُخْزِنِي يوم يُبْعَثُونَ}.12- {وَقال هذا يوم عَصِيبٌ}.13- {مَوْعِدُكُمْ يوم الزِّينَةِ}.14- {ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً}.15- {وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يوم وُلِدَ وَيوم يَمُوتُ وَيوم يُبْعَثُ حَياً}.16- {وَالسَّلاَمُ على يوم وُلِدْتُّ وَيوم أَمُوتُ وَيوم أُبْعَثُ حَيّاً}.17- {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيوم إِنسِيّاً}.18- {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يوم عَظِيمٍ}، {وَيَخَافُونَ يوماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً}.19- {يوم هُمْ على النَّارِ يُفْتَنُونَ}.20- {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيوم}، {هذا يومكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}.وأَمّا اليوم المُقْتَرِن بأَسماءِ القِيامة وصفاتها:فقوله تعالى: {الْيوم تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ}، وقوله تعالى: {يوم يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ}.وقوله تعالى: {يوم يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ} وقوله تعالى: {يوم يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} وقوله تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يومئِذٍ شَأْنٌ يغنيه} وقوله تعالى: {يوم نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم} وقوله تعالى: {يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يومئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} وقوله تعالى: {عَن رَّبِّهِمْ يومئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} وقوله تعالى: {يوم يَقُومُ الْحِسَابُ} وقوله تعالى: {يوم يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} وقوله تعالى: {وَنُخْرِجُ لَهُ يوم الْقِيَامَةِ كتاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً}، وقال تعالى: {وَالْوَزْنُ يومئِذٍ الْحَقُّ} وقال تعالى: {فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يومئِذٍ} وقال تعالى: {يوم يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ}، وقال تعالى: {يوماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً}، وقال تعالى: {حَتَّى يُلاَقُواْ يومهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} قال تعالى: {لِيوم الْفَصْلِ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يوم الْفَصْلِ} وقال تعالى: {إِلَى مِيقَاتِ يوم مَّعْلُومٍ}، وقال تعالى: {يومئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً} وقال تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يوم الْحَسْرَةِ}، وقال تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يوم الأَزِفَةِ}، وقال تعالى: {فَيومئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} وقال تعالى: {يوم ترجف الراجفة تَتْبَعُهَا الرادفة قُلُوبٌ يومئِذٍ وَاجِفَةٌ} وقال تعالى: {يوم ترجف الأَرْضُ وَالْجِبَالُ} وقال تعالى: {وُجُوهٌ يومئِذٍ خاشِعة}، وقال تعالى: {وُجُوهٌ يومئِذٍ نَّاعِمَةٌ}، وقال تعالى: {وُجُوهٌ يومئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يومئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ}، وقال تعالى: {وُجُوهٌ يومئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يومئِذٍ بَاسِرَةٌ}، وقال تعالى: {يوم تَبْيَضُّ وُجُوهٌ} وقال تعالى: {إِلَى يوم الْبَعْثِ فَهذا يوم الْبَعْثِ} وقال تعالى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يومئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} وقال تعالى: {ذَلِكَ يوم الْخُرُوجِ}، وقال تعالى: {ذَلِكَ يوم الُخُلُودِ} وقال تعالى: {فِي يوم كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} وقال تعالى: {يوم يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ}، وقال تعالى: {يوم يَقُومُ الرُّوحُ} وقال تعالى: {يوم يُنفَخُ فِي الصُّورِ} وقال تعالى: {وَذَلِكَ يوم مَّشْهُودٌ}، وقال تعالى: {وَالْيوم الْمَوْعُودِ}، قال تعالى: {وَيوم يَقُومُ الأَشْهَادُ}، وقال تعالى: {يوم لاَ يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} قال تعالى: {يوم التَّنَادِ} وقال تعالى: {يوم تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ}، وقال تعالى: {ذَلِكَ يوم الْوَعِيدِ} قال تعالى: {فَبَصَرُكَ الْيوم حَدِيدٌ} وقال تعالى: {يوم تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً} وقال تعالى: {يوم يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} وقال تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يومئِذٍ شَأْنٌ يغنيه}، وقال تعالى: {يومئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}، وقال تعالى: {لاَّ تَدْعُواْ الْيوم ثُبُوراً وَاحدًّا} وقال تعالى: {يومئِذٍ يوم عَسِيرٌ}، وقال تعالى: {يوم تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً}، وقال تعالى: {لاَ تَعْتَذِرُواْ الْيوم}، وقال تعالى: {هذا يوم لاَ يَنطِقُونَ} وقال تعالى: {وَيوم نُسَيِّرُ الْجِبَالَ}، وقال تعالى: {يوماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً}، وقال تعالى: {وَامْتَازُواْ الْيوم أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ}، وقال تعالى: {يوم هُم بَارِزُونَ}، وقال تعالى: {فَالْيوم لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ}، وقال تعالى: {يوم تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم}، وقال تعالى: {يوم نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً} وقال تعالى: {فَيومئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ أنس وَلاَ جَآنٌّ} وقال تعالى: {يومئِذٍ تُعْرَضُونَ}، وقال تعالى: {وَيوم يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُواْ على النَّارِ}، وقال تعالى: {وَيوم يَعَضُّ الظَّالِمُ على يَدَيْهِ}، {وَتُنذِرَ يوم الْجَمْعِ}، وقال تعالى: {يوم يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا}، وقال تعالى: {يوم يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً}، وقال تعالى: {يوماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ}، وقال تعالى: {يوم يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} وقال تعالى: {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يومئِذٍ زُرْقاً} وقال تعالى: {وَيوم تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ}، وقال تعالى: {لِيُنذِرَ يوم التَّلاَقِ} وقال تعالى: {يومهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ}، وقال تعالى: {إِلَى رَبِّكَ يومئِذٍ الْمَسَاقُ} وقال تعالى: {يوم تُبَدَّلُ الأَرْضُ} وقال تعالى: {يوم تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا}، وقال تعالى: {يوم تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ}، وقال تعالى: {وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يوماً ثَقِيلاً}، وقال تعالى: {وَيْلٌ يومئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ}، وقال تعالى: {يوم الْقِيَامَةِ} وقال تعالى: {الْيوم نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ} وقال تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يوم الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}، وقال تعالى: {عَذَابُ يوم عَقِيمٍ}، وقال تعالى: {يوم لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} قال تعالى: {وَيَخَافُونَ يوماً}، وقال تعالى: {الْيوم نَنسَاكُمْ}، وقال تعالى: {يومئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ} وقال تعالى: {مَالِكِ يوم الدِّينِ}، وقال تعالى: {يوم تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ}، وقال: {يوم هُمْ على النَّارِ يُفْتَنُونَ} وقال تعالى: {ذَلِكَ يوم التَّغَابُنِ}، وقال تعالى: {إِنَّ الْخِزْيَ الْيوم} وقال تعالى: {وَيوم تَقُومُ السَّاعَةُ يومئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ}، {يومئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} {وَيوم تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ} {يوم تُبْلَى السَّرَآئِرُ}، وقال تعالى: {يوم نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} وقال تعالى: {يوم لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً} وقال تعالى: {يوم لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} وقال تعالى: {فَهِيَ يومئِذٍ وَاهِيَةٌ}، وقال تعالى: {يوم لاَ يُخْزِى اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ}. اهـ. .تفسير الآيات (7- 17): قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كتاب الْفُجَّارِ لَفِي سجين (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سجين (8) كتاب مرقوم (9) وَيْلٌ يومئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيوم الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قال أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يومئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الجحيم (16) ثُمَّ يُقال هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)}.مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:ولما أنهى سبحانه ما أراد من تعظيم ذلك اليوم والتعجيب ممن لم يفده براهينه أن يجوزه والإنكار عليه، وكان مع ما فيه من التقريع مفهماً للتقرير، نفى بأداة الردع للمبالغة في النفي مضمون ما وقع الاستفهام عنه فقال: {كلا} أي لا يظن أولئك ذلك بوجه من الوجوه لكثافة طباعهم ووقوفهم مع المحسوس دأب البهائم بل لا يجوزونه، ولو جوزوه لما وقعوا في ظلم أحد من يسألون عنه في ذلك اليوم المهول، وما أوجب لهم الوقوع في الجرائم إلا الإعراض عنه، وقال الحسن رحمه الله تعالى: هي بمعنى حقًّا متصلة بما بعدها- انتهى.وهي مع ذلك مفهمة للردع الذي ليس بعده ردع عن اعتقاد مثل ذلك والموافقة لشيء مما يوجب الخزي فيه.ولما أخبر عن إنكارهم، استأنف إثبات ما أنكروه على أبلغ وجه وأفظعه مهولاً لما يقع لهم من الشرور وفوات السرور، مؤكداً لأجل إنكارهم فقال: {إن كتاب} وأظهر موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف فقال: {الفجار} أي صحيفة حساب هؤلاء الذين حملهم على كفرهم مروقهم وكذا كل من وافقهم في صفاتهم فكان في غاية المروق مما حق ملابسته وملازمته، وأبلغ في التأكيد فقال: {لفي سجين} هو علم منقول في صيغة المبالغة عن وصف من السجن وهو الحبس لأنه سبب الحبس في جهنم أي إنه ليس فيه أهلية الصعود إلى محل الأقداس إشارة إلى أن كتابهم إذا كان في سجن عظيم أي ضيق شديد كانوا هم في أعظم، قال ابن جرير: وهي الأرض السابعة- انتهى.وهو يفهم مع هذه الحقيقة أنهم في غاية الخسارة لأنه يقال لكل من انحط: صار تراباً ولصق بالأرض- ونحو ذلك، ثم زاد في هوله بالإخبار بأنه أهل لأن يسأل عنه ويضرب إلى العالم به- إن كان يمكن- آباط الإبل فقال: {وما أدراك} أي جعلك دارياً وإن اجتهدت في ذلك {ما سجين} أي أنه بحيث لا تحتمل وصفه العقول، وهو مع ذلك في أسفل سافلين ويشهده المبعدون من الشياطين وسائر الظالمين، يصعد بالميت منهم إلى السماء فتغلق أبوابها دونه فيرد تهوي به الريح تشمت به الشياطين.وكل ما قال فيه: {وما أدراك} فقد أدراه به بخلاف {وما يدريك}.ولما أتم ما أراد من وصفه، أعرض عن بيانه إشارة إلى أنه من العظمة بحيث إنه يكل عنه الوصف، واستأنف أمر الكتاب المسجون فيه فقال محذراً منه مهولاً لأمره: {كتاب} أي عظيم لحفظه النقير والقطمير {مرقوم} أي مسطور بين الكتابة كما تبين الرقمة البيضاء في جلد الثور الأسود، ويعلم كل من رآه أنه غاية في الشر، وهو كالرقم في الثوب والنقش في الحجر لا يبلى ولا يحمى.ولما أعلم هذا بما للكتاب من الشر، استأنف الإخبار بما أنتجه مما لأصحابه فقال: {ويل} أي أعظم الهلاك {يومئذ} أي إذ يقوم الناس لما تقدم: ولما كان الأصل: لهم، أبدله بوصف ظاهر تعميماً وتعليقاً للحكم به فقال: {للمكذبين} أي الراسخين في التكذيب بكل ما ينبغي التصديق به.ولما أخبر عن ويلهم، وصفهم بما يبين ما كذبوا به ويبلغ في ذمهم فقال: {الذين يكذبون} أي يوقعون التكذيب لكل من ينبغي تصديقه، مستهينين {بيوم} أي بسب الإخبار بيوم {الذين} أي الجزاء الذي هو سر الوجود {وما} أي والحال أنه ما {يكذب} أي يوقع التكذيب {به إلا كل معتد} أي متجاوز للحد في العناد أو الجمود والتقليد لأن محطة نسبة من ثبت بالبراهين القاطعة أنه على كل شيء قدير إلى العجز عن إعادة ما ابتدأه {أثيم} أي مبالغ في الانهماك في الشهوات الموجبة للآثام، وهي الذنوب، فاسود قلبه فعمي بنظر الشهوات التي حفت بها النار عما عداها.ولما أثبت له الإبلاغ في الإثم، دل عليه بقوله بأداة التحقق: {إذا تتلى} أي من أي تال كان، مستعلية بما لها من البراهين {عليه آياتنا} أي العلامات الدالة على ما أريد بيانها له مع ما لها من العظمة بالنسبة إلينا {قال} أي من غير توقف ولا تأمل بل بحظ نفس أوقعه في شهوة المغالبة التي سببها الكبر: {أساطير الأولين} أي من الأباطيل وليست كلام الله، فكان لفرط جهله بحيث لا ينتفع بشواهد النقل كما أنه لم ينظر في دلائل العقل.ولما كان هذا قد صار كالأنعام في عدم النظر بل هو أضل سبيلاً لأنه قادر على النظر دونها، قال رادعاً له ومكذباً ومبيناً لما أدى به إلى هذا القول وهو لا يعتقده: {كلا} أي ليرتدع ارتداعاً عظيماً ولينزجر انزجاراً شديداً، فليس الأمر كما قال في المتلو ولا هو معتقد له اعتقاداً جازماً لأنه لم يقله عن بصيرة {بل ران} أي غلب وأحاط وغطى تغطية الغيم للسماء والصدأ للمرآة، وجمع اعتباراً بمعنى (كل) لئلا يتعنت متعنت، فقال معبراً بجمع الكثرة إشارة إلى كثرتهم: {على قلوبهم} أي كل من قال هذا القول {ما كانوا} أي بجبلاتهم الفاسدة {يكسبون} أي يجددون كسبه مستمرين عليه من الأعمال الردية، فإن كثرة الأفعال سبب لحصول الملكات إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً، فيتراكم الذنب على القلب فيسود، فلذلك كانوا يقولون مثل هذا الاعتقاد، بل هو شيء يسدون به المجلس ويقيمون لأنفسهم عند العامة المعاذير ويفترون به عزائم التالين بما يحرقون من قلوبهم- أحرق الله قلوبهم وبيوتهم بالنار- فإنهم لا ينقطعون في عصر من الأعصار ولا يخشون من عار ولا شنار، روى أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أذنب العبد نكتت في قلبه نكتة سوداء فإن تاب صقل منها، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي قال الله سبحانه وتعالى».وقال الغزالي في كتاب التوبة من الإحياء: قد سبق أن الإنسان لا يخلو في مبدأ خلقته عن اتباع الشهوات، وكل شهوة اتبعها الإنسان ارتفع منها ظلمة إلى قلبه كما يرتفع عن نفس الإنسان ظلمة إلى وجه المرآه الصقيلة، فإن تراكمت ظلمة الشهوات صار ريناً كما يصير بخار النفس في وجه المرآة عند تراكمه خبثاً، فإذا تراكم الرين صار طبعاً كالخبث على وجه المرآة إذا تراكم وطال زمانه غاص في جرم الحديد وأفسده وصار لا يقبل التصقيل بعده، وصار كالمطبوع من الخبث ولا يكفي في تدارك اتباع الشهوات تركها في المستقبل بل لابد من محو تلك الآثار التي انطبعت في القلب كما لا يكفي في ظهور الصورة في المرآة قطع الأنفاس والبخارات المسودة لوجهها في المستقبل ما لم يشتغل بمحو ما انطبع فيها من الآثار، وكما يرتفع إلى القلب ظلمة من المعاصي والشهوات فيرتفع إليه نور من الطاعات وترك الشهوات فتنمحي ظلمة المعصية بنور الطاعة، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: «وأتبع السيئة الحسنة تمحها».ولما كان ادعاؤهم إنما هو قول قالوه بأفواههم لا يتجاوزها عظيماً جدًّا، أعاد ردعهم عنه وتكذيبهم فيه فقال: {كلا} أي ليس الأمر كما قالوا من الأساطير لا في الواقع ولا عندهم فليرتدعوا عنه أعظم ارتداع.ولما كان قول الإنسان لما لا يعتقده ولا هو في الواقع كما في غاية العجب لا يكاد يصدق، علله مبيناً أن الحامل لهم عليه إنما هو الحجاب الذي ختم به سبحانه على قلوبهم، فقال مؤكداً لمن ينكر ذلك من المغرورين: {إنهم عن ربهم} أي عن ذكر المحسن إليهم وخشيته ورجائه {يومئذ} أي إذ قالوا هذا القول الفارغ.ولما كان المانع إنما هو الحجاب، بني للمفعول قوله: {لمحجوبون} فلذلك استولت عليهم الشياطين والأهوية، فصاروا يقولون ما لو عقلت البهائم لاستحيت من أن تقوله، والأحسن أن تكون الآية بياناً وتعليلاً لويلهم الذي سبق الإخبار به، ويكون التقدير: يوم إذ كان يوم الدين، ويكون المراد الحجاب عن الرؤية، ويكون في ذلك بشارة للمؤمنين بها.وقال البغوي: قال أكثر المفسرين: عن رؤيته، وقال: إن الإمامين الشافعي وشيخه مالكاً استدلا بهذه الآية على الرؤية، وأسند الحافظ أبو نعيم في الحلية في ترجمة الشافعي أنه قال: في هذه الآية دلالة على أن أولياءه يرونه على صفته، وقال ابن الفضل: كما حجبهم في الدنيا عن توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته، وقال الحسن: لو علم الزاهدون والعابدون أنهم لا يرون ربهم في المعاد لزهقت أنفسهم في الدنيا.وقال القشيري: ودليل الخطاب يوجب أن يكون المؤمنون يرونه كما يعرفونه اليوم انتهى.وفيه تمثيل لإهانتهم بإهانة من يمنع الدخول على الملك.ولما بين ما لهم من العذاب بالحجاب الذي هو عذاب القلب الذي لا عذاب أشد منه، لأنه يتفرع عنه جميع العذاب، شرع يبين بعض ما تفرع عنه من عذاب القالب مؤكداً لأجل إنكارهم معبراً بأداة التراخي إعلاماً بعلو رتبته في أنواع العذاب فقال: {ثم إنهم} أي بعد ما شاء الله من إمهالهم {لصلوا الجحيم} أي لدخلو النار العظمى ويقيمون فيها مقاسون لحرها ويغمسون فيها كما تغمس الشاة المصلية أي المشوية.ولما بين ما لهم من الفعل الذي هو للقلب والقالب، أتبعه القول بالتوبيخ والتبكيت الذي هو عذاب النفس، وبناه للمفعول لأن المنكئ سماعه لا كونه من معين، وإشارة إلى أنه يتمكن من قوله لهم كل من يصح منه القول من خزنة النار ومن أهل الجنة وغيرهم لأنه لا منعة عندهم: {ثم يقال} أي لهم بعد مدة تبكيتاً وتقريعاً وتنديماً وتبشيعاً: {هذا} أي العذاب الذي هو حالّ بكم {الذي كنتم} أي بما لكم من الجبلات الخبيثة {به} أي خاصة لأن تكذيبكم بغيره بالنسبة إليه لما له من القباحة ولكم من الرسوخ فيه والملازمة له (؟) {تكذبون} أي توقعون التكذيب به وتجددونه مستمرين عليه. اهـ.
|