الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **
- حديث الطَّوْف المعلل به طهارة الهر، قلت: رواه أصحاب السنن الأربعة [أبو داود في "الطهارة" ص 12، وابن ماجه ص 31، والنسائي ص 22، والترمذي في "الطهارة" ص 12.] من طريق مالك عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة [وفي سنن ابن ماجه "عبيد بن رافع".] هكذا في "الموطأ" [قلت: هكذا في "موطأ محمد" ص 82، والسنن، والطحاوي، وغيرها، لكن في "موطأ يحيى": حميدة بنت أبي عبيدة بن فردة، وكذا نقل شيخ المخرج في "الجوهر النقي" ص 245 - ج 1، فلعل بهذا قال المخرج، هكذا - في الموطأ - "يعني في النسخة التي نقل عنها". ] عن خالتها كبشة ابنة كعب بن مالك - وكانت تحت أبي قتادة - أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءًا، فجاءت هرّة تشرب، فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر اليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقلت: نعم، فقال: إن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال: "إنها ليست بنجس إنها هي من الطوافين عليكم، أو الطوافات"، انتهى. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وهو أحسن شيء في الباب، وقد جوَّده مالك، ولم يأت به أحد أتم منه، انتهى. ورواه مالك، في "الموطأ" كما تراه سواءٍ، ورواه ابن حبان في "صحيحه" في النوع السادس والستين، من القسم الثالث، ورواه الحاكم في "المستدرك"، وقال وقد صحح مالك هذا الحديث، واحتج به "موطئه" وقد شهد البخاري ومسلم لمالك أنه الحكم في حديث المدنيين، فوجب الرجوع إلى هذا الحديث، في طهارة الهرة، انتهى. قال الشيخ تقي الدين في "الإمام": ورواه ابن خزيمة وابن مندة في "صحيحيهما" ولكن ابن مندة، قال: وحميدة. وخالتها كبشة لا يعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث، ومحلها محل الجهالة، ولا يثبت هذا الخبر من وجه من الوجوه، قال الشيخ: وإذا لم لم يعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث، فلعل طريق من صححه أن يكون اعتمد على إخراج مالك لروايتهما مع شهرته بالتثبيت، انتهى. قال المنذري في "مختصره": قوله: ليست بنجَس "بفتح الجيم" وهو كل ما يستقذر، قال تعالى: {إنما المشركون نجس} [التوبة: 28].، وروي: أو الطوافات "بأو" وروي: بالواو، كلاهما عن مالك، انتهى. قوله: وسبب الشك تعارض الدلة في إباحته وحرمته، واختلاف الصحابة في طهارته ونجاسته، قلت: كلام المصنف في "سؤر البغل والحمار" والذي يظهر عَوْد الضمير إلى السؤر فتكون الأحاديث في ذلك غريبة، وإن كان الضمير راجعًا إلى اللحم، فحرمة لحم الحمار في "الصحيحين [البخاري في "المغازي" ص 606، ومسلم في "الصيد والذبائح" ص 150 - ج 2]" عن جابر أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، وإباحته في "سنن أبي داود [أبو داود في "الأطعمة" ص 126 - ج 2 والطحاوي: ص 317 - ج 2.]" من حديث غالب بن أبحر، قال: أصابتنا سنة، فلم يكن في مالي شيء أطعم أهلي إلا شيء من حُمر، وقد كان النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ حرم لحوم الحمر الأهلية، فأتيت النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقلت: يا رسول اللّه أصابتنا السنة، ولك يكن في مال ما أطعم أهلي إلا سِمَان حمر، وإنك حرمت لحوم الحمر الأهلية، فقال: "أطعم أهلك من سمين حمرك، فإنما حرمتها من أجل جوّال القرية"، انتهى. وفي إسناده اختلاف كثير واضطراب، وسوف يأتي في "الذبائح" مستوفر إن شاء اللّه تعالى. - الحديث التاسع والأربعون: - حديث التوضي بنبيذ التمر،قلت: روي من حديث ابن مسعود. ومن حديث ابن عباس. - أما حديث ابن مسعود [رواه أبو داود في "الطهور" ص 13، والترمذي في "الطهور" ص 13، وابن ماجه في "الطهور" واللفظ له ص 31] فرواه أبو داود. والترمذي. وابن ماجه من حديث أبي فزارة [عند ابن ماجه أبو فزارة العبسي، وكذا عند أحمد: ص 449 - ج 1.] عن أبي زيد مولى عمرو بن حريث عن عبد اللّه بن مسعود أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قال له ليلة الجن: "عندك طهور؟ قال: لا، إلا شيء من نبيذ في أداوة، قال: تمرة طيبة وماء طهور"، انتهى. زاد الترمذي، قال: فتوضأ منه، قال الترمذي: وإنما روي هذا الحديث عن أبي زيد عن عبد اللّه، وأبو زيد رجل مجهول عند أهل الحديث لا يعرف له غير هذا الحديث، انتهى. ووَهم شيخنا علاء الدين، فعزاه للأربعة، والنسائي لم يروه أصلًا، واللّه أعلم. ورواه أحمد في "مسنده" وزاد في لفظه: فتوضأ منه وصلى [أخرجه أحمد في ص 450 - ج 1، وفيه: فتوضأ منها وصلى، وفي: ص 402 - ج 1: فتوضأ منها ثم صلى بنا، وكذا في ص 458 - ج 1.]، وقد ضعف العلماء هذا الحديث بثلاث علل: أحدهما جهالة أبي زيد. والثاني: التردد في أبي فزارة، هل هو راشد بن كيسان أو غيره. والثالث: أن ابن مسعود، لم يشهد مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ليلة الجن، أما الأول: فقد قال الترمذي: أبو زيد رجل مجهول لا يعرف له غير هذا الحديث، وقال ابن حبان في "كتاب الضعفاء": أبو زيد شيخ يروي عن ابن مسعود، ليس يدري من هو، ولا يعرف أبوه ولا بلده، ومن كان - بهذا النعت - ثم لم يرو إلا خبرًا واحدًا خالف فيه الكتاب. والسنة. والإجماع. والقياس استحق مجانبة ما رواه، انتهى. قال ابن أبي حاتم في "كتابه العلل" [ص 440] سمعت أبا زرعة يقول: حديث أبي فزارة في "الوضوء بالنبيذ" ليس بصحيح، وأبو زيد مجهول، وذكر ابن عدي عن البخاري، قال: أبو زيد الذي روى حديث ابن مسعود في "الوضوء بالنبيذ" مجهول لا يعرف بصحبته عبد اللّه، ولا يصح هذا الحديث عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وهو خلاف القرآن، انتهى. العلة الثانية: وهي التردد في أبي فزارة، فقيل: هو راشد بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وقيل: هما رجلان، وأن هذا ليس براشد بن كيسان، وإنما هو رجل مجهول، وقد نقل عن الإمام أحمد أنه قال: أبو فزارة - في حديث ابن مسعود - رجل مجهول، وذكر البخاري أبا فزارة العبسي غير مسمى، فجعلهما اثنين، وفي كل هذا نظر، فإنه قد روى هذا الحديث عن أبي فزارة جماعة، فرواه عنه شريك، كما أخرجه أبو داود. والترمذي، ورواه عنه سفيان [الثوري" عند أحمد: ص 449 - ج 1] والجراح بن مليح، كما أخرجه ابن ماجه، ورواه عنه إسرائيل [كما أخرجه أحمد: ص 402 - ج 1، وص 250 - ج 1.] كما أخرجه البيهقي. وعبد الرزاق في "مصنفه" ورواه عنه قيس بن الربيع [ورواه عنه أبو عميس عتبة بن عبد الملك بن عتبة بن عبد اللّه بن مسعود، كما أخرجه أحمد في: ص 458 - ج 1.] كما أخرجهما عبد الرزاق [والبيهقي: ص 90]. والجهالة عند المحدثين تزول برواية اثنين فصاعدًا، فأين الجهالة بعد ذلك؟ إلا أن يراد جهالة الحال. هذا، وقد صرح [كذا قال البيهقي في "سننه" ص 10 - ج 1، أيضًا، وكذا في "التهذيب".] ابن عدي بأنه راشد بن كيسان، فقال: مدار هذا الحديث على أبي فزارة عن أبي زيد، وأبو فزارة اسمه: "راشد بن كيسان" وهو مشهور، وأبو زيد مولى عمرو بن حريث مجهول، وحكى عن الدارقطني أنه قال: أبو فزارة - في حديث النبيذ - اسمه "راشد بن كيسان". وقال ابن عبد البر في "كتاب الاستيعاب": أبو فزارة العبسي راشد بن كيسان ثقة عندهم، وذكر من روى عنه، ومن روى هو عنه، قال: وأما أبو زيد مولى عمرو بن حريث مجهول عندهم لا يعرف بغير رواية أبي فزارة، وحديثه عن ابن مسعود في "الوضوء بالنبيذ" منكر لا أصل له، ولا رواه من يوثق به، ولا يثبت، انتهى. العلة الثالثة: وهي إنكار كون ابن مسعود شهد ليلة الجن، فقد اختلف في ذلك لاختلاف ما ورد في ذلك، فما ورد أنه لم يشهد ما رواه مسلم [في "باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن" ص 184 - ج 1.] من حديث الشعبي عن علقمة، قال: سألت ابن مسعود، هل شهد منكم أحد مع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ؟ قال: لا، ولكنا كنا مع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ذات ليلة ففقدناه، فالتمسناه في الأودية والشعاب، فقلنا: استطير أو اغتيل، قال: فبتنا ليلة بشرِّ ليلة [ليس في المطوعية، من نسخة "مسلم".] بات بها قوم، فلما أصبحنا إذا هو جائي من قِبل حِراء، فقلت: يا رسول اللّه فقدناك، فطلبناك فلم نجدك، فبتنا بشرَّ ليلة، فقال: أتاني داعي الجن فذهبت معهم، فقرأت عليهم القرآن، وانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيراهم، وسألوه الزاد، فقال: "لكم كل عظم، لكم كل بعرة علفًا لدوابكم" ثم قال: "لا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم" انتهى. وفي لفظ له قال: لم أكن مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ليلة الجن، ووددت أني كنت معه، وفي لفظ: وكانوا من جن الجزيرة، ورواه أبو داود مختصرًا [في "الطهارة" ص 13 والدارقطني: ص 28 نحوه] لم يذكر القصة، ولفظه: عن علقمة، قال: قلت لعبد اللّه بن مسعود: من كان منكم مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ؟ قال: ما كان معه منا أحد، انتهى. ورواه الترمذي بتمامه في "الجامع" وفي تفسير "سورة الأحقاف"، وهذا الحديث يدفع تأويل من جمع بين الأخبار الدالة على أنه شهد، وأنه لم يشهد بأنه كان معه أو أجلسه في الحلقة، وعند مخاطبته للجن لم يكن معه، قال البيهقي في "دلائل النبوة" وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن ابن مسعود لم يكن مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ليلة الجن، وإنما كان معه حين انطلق به وبغيره يريهم آثارهم وآثار نيرانهم، قال: وقد روي أنه كان معه ليلته، ثم أسند إلى عبد اللّه بن مسعود، قال: أتانا رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقال: "إني أمرت أن أقرأ على إخوانكم من الجن، ليقم معي رجل منكم، ولا يقوم معي رجل في قلبه مثقال حبة من كبر، قال: فقمت معه، ومعي أداوة من ماء حتى إذا برزنا خط حولي خَطة، ثم قال: لا تخرجن منها، فإنك إن خرجت منها لم ترني ولم أرك إذا يوم القيامة، هل معك من وضوء؟ قلت: لا، قال: فما في أدواتك؟ قلت: نبيذ، قال: تمرة حلوة وما طيب، ثم توضأ وأقام الصلاة، فلما قضى الصلاة، قام إليه رجلان من الجن فسألاه المتاع، قال: ألم آمر لكما آمر لكما ولقومكما بما يصلحكما؟ قالا: بلى، ولكنا أحببنا أن يحضر بعضنا معك. قال: ممن أنتما؟ قالا: من أهل نصيبين، قال: قد أفلح هذان وقومهما، وأمر لهما بالطعام والرجيع، ونهانا أن نستنجي بعظم أو روث، انتهى. وهذا رواه أحمد في "مسنده" [رواه أحمد في "مسنده" ص 458 - ج 1 حدثنا يعقوب ثنا أبي عن أبي إسحاق، قال حدثني أبو عميس عتبة بن عبد الملك بن عتبة بن عبد اللّه بن مسعود عن أبي فزارة الحديث بطوله.] وابن أبي شيبة في "مصنفه" وألفاظهم متقاربة، قال البيهقي: وهذا يخالف ما في الصحيح من فقدهم إياه، حتى قيل: اغتيل. واستطير، إلا أن يكون المراد من فقده غير الذي علم بخروجه، ثم أسند البيهقي [قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو نصر بن قتادة، قال: أخبرنا أبو محمد يحيى بن منصور القاضي حدثنا أبو عبد الملك محمد بن إبراهيم البوشنجي حدثنا روح بن صلاح حدثنا موسى بن علي بن رباح عن أبيه، كذا في "ابن كثير" ص 480 - ج 2، قلت: رجال الإسناد: علي بن رباح الراوي عن ابن مسعود ثقة، وابنه موسى بن علي بن رباح صدوق، ربما أخطأ، وروح بن الصلاح المصري من رجال اللسان. ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحاكم: ثقة مأمون، وضعفه ابن عدي، وقال: له أحاديث كثيرة في بعضها نكرة، وقال الدارقطني: ضعيف الحديث، ومحمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي ثقة حافظ فقيه شافعي من رجال التذكرة والتهذيب وأبو محمد يحيى بن منصور القاضي النيسابوري روى عن علي بن عبد العزيز البغوي، وأحمد بن سلمة وطبقتهما، مات سنة 351، وأبو نصر بن قتادة، فانظر له "شذرات الذهب" ص 9 - ج 3، وذكره ابن السبكي ص 321 - ج 2، وأبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى النيسابوري الصوفي من رجال اللسان والتذكرة ضعيف، وقال ابن السبكي في "طبقاته" ص 61 - ج 3: أبو عبد الرحمن ثقة.] إلى موسى بن علي عن رباح عن أبيه عن ابن مسعود، قال: استتبعني رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقال: إن نفرًا من الجن، خمسة عشر: بني إخوة. وبني عم يأتوني الليلة، فأقرأ عليهم القرآن، فانطلقت معه إذا المكان الذي أراد، فخط لي خطا وأجلسني فيه، وقال لي: "لا تخرج من هذا، فبت فيه حتى أتاني رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ مع السحر، وفي يده عظم حائل. وروثة. وحُمَمَة، فقال لي: إذا ذهبت إلى الخلاء فلا تستنج بشيء من هؤلاء"، قال: فلما أصبحت قلت: لأعلمن علمي، حيث كان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال: فذهبت فرأيت مبرك ستين بعيرًا، انتهى. ثم أسند البيهقي إلى أبي عثمان النهدي أن ابن مسعود أبصر زطًَّا في بعض الطريق، فقال: ما هؤلاء، فقالوا: هؤلاء الزط، قال: ما رأيت شبههم إلا الجن ليلة الجن، وكانوا مستفزّين يتبع بعضهم بعضًا"، انتهى. وذكر الترمذي في "جامعه" أن ابن مسعود شهد ليلة الجن تعليقًا، فروى في "باب كرامة ما يستنجى به" من حديث حفص بن غياث عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد اللّه بن مسعود، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن"، انتهى. ثم قال: وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن إبراهيم. وغيره عن داود بن أبي هند عن اشعبي عن علقمة عن عبد اللّه أنه كان مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ليلة الجن، الحديث بطوله، قال: وكأن رواية إسماعيل أصح من رواية حفص بن غياث، انتهى. لكنه رواه متصلًا في "أبواب الأمثال" [ص 109 - ج 2] عن أبي عثمان النهدي عن ابن مسعود، قال: صلى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ العشاء، ثم انصرف فأخذ بيد ابن مسعود حتى خرج به إلى بطحاء مكة، فأجلسه، ثم خط عليه خطًا، ثم قال: "لا تبرحن مخطك، فإنه سينتهي إليك رجال لا تكلمهم، فإنهم لا يكلمونك" قال: فمضى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ حيث أراد بينما أنا جالس في خطي إذ أتاني رجال كأنهم الزط، فذكر حديثًا طويلًا، ثم قال: حديث حسن صحيح، غريب من هذا الوجه، انتهى. وروى أحمد في "مسنده" [ص 399 - ج 19. (يتبع...) (تابع... 2): - الحديث التاسع والأربعون:... ...] حدثنا عارم. وعفان [رواة الحديث: عفان بن مسلم، ومعتمر بن سليمان التيمي، وأبوه، كلهم ثقات، وعمرو البكالي صحابي، وأبو تميمة الرواي عنه، قال الطحاوي: غير الهجيمي، لكن الحديث حديث مسند أحمد، ولم يذكر الحافظ في "التهذيب"، ولا في "تعجيل المنفعة" غير الهجيمي فعنده: هو الهجيمي، قال في التعجيل" ص 317: روى حماد عن الحريري عن أبي تميمة الهجيمي سمع عمرًا البكالي بالشام، وقال: كان له صحبة، والهجيمي: "طريف بن مجلد" ثقة ثبت، وروى سليمان عنه، كما في "التهذيب".] قالا: ثنا معتمر، قال: قال أبي: حددثني أبو تميمة عن عمرو البكالي عن عبد اللّه بن مسعود، قال: استبعثني [كذا في "مسند أحمد" وفي "الجوهر" ص 11 - ج 7: استتبعني.] رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فانطلقنا حتى أتينا مكان كذا وكذا، فخط لي خَطة، وقال لي: "كن بين ظهري هذه، لا تخرج منها، فإنك إن خرجت هلكت" ثم ذكر حديثًا طويلًا، وأخرج الطحاوي هذا الحديث في كتابه المسمى: "بالرد على الكرابيسي" ثم قال: والبكالي هذا من أهل الشام، ولم يرو هذا الحديث عنه إلا أبو تميمة هذا وليس هو بالهجيمي، بل هو السلمي بصري ليس بالمعروف، انتهى. - طريق آخر لحديث ابن مسعود، رواه أحمد في "مسنده" [رواه أحمد في: ص 455، والدارقطني: ص 28 - ج 1.] والدارقطني في "سننه" عن أبي سعيد مولى بني هاشم عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي رافع عن ابن مسعود أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قال له ليلة الجن: "أمعك ماء؟ قال: لا، قال: أمعك نبيذ؟" - أحسبه قال: نعم - فتوضأ به، انتهى. قال الدارقطني: علي بن زيد ضعيف، وأبو رافع لم يثبت سماعه من ابن مسعود، انتهى. قال الشيخ تقي الدين في "الإمام": وهذا الطريق أقرب من طريق أبي فزارة، وإن كان طريق أبي فزارة أشهر، فإن علي بن زيد - وإن ضعف [ضعفه غير واحد، وروى له مسلم مقرونًا بغيره، وقال الساجي: كان من أهل الصدق، ويحتمل الرواية الجلة عنه، وليس يجري مجرى من أجمع على ثبته، قال العجلي: كان يتشيع، لا بأس به، وقال مرة: يكتب حديثه، وليس بالقوي، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صالح الحديث، وإلى اللين ما هو، قال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به، قال الترمذي: صدوق إلا أنه ربما رفع الشيء الذي يوقفه غيره، قال ابن عدي: لم أر أحدًا من البصريين امتنع من الرواية عنه، وكان يغلو في التشييع، ومع ضعفه يكتب حديثه، وقال ابن معين: ما اختلط علي بن زيد قط] - فقد ذكر بالصدق، قال: وقول الدارقطني: وأبو رافع لم يثبت سماعه من ابن مسعود، لا ينبغي أن يفهم منه أنه لا يمكن إدراكه وسماعه منه، فإن أبا رافع الصائغ جاهلي إسلامي، قال أبو عمر بن عبد البرّ في "الاستيعاب": هو مشهور من علماء التابعين، وقال في "الاستيعاب": لم ير النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فهو من كبار التابعين، اسمه "نفيع" كان أصله من المدينة، ثم انتقل إلى البصرة، روى عن أبي بكر الصديق. وعمر بن الخطاب. وعبد اللّه بن مسعود. وروى عنه خلاس بن عمرو الهجري. والحسن البصري. وقتادة. وثابت البناني. وعلي بن زيد، ولم يرو عنه أهل المدينة، وقال في "الاستيعاب": عظم روايته عن عمر. وأبي هريرة، ومن كان بهذه المثابة فلا يمتنع سماعه [قال ابن التركماني: في "الجوهر" ص 9 - ج 1 على أن صاحب "الكمال" صرح بأنه سمع منه، وكذا ذكر الصريفيني فيما قرأت بخطه، اهـ، قلت: وفي "التهذيب" روى عن عبد اللّه بن مسعود. وزيد بن ثابت.] من جميع الصحابة، اللّهم إلا أن يكون الدارقطني يشترط في الإتصال ثبوت السماع ولو مرة، وقد أطنب مسلم في الكلام على هذا المذاهب، انتهى كلامه. - طريق آخر، رواه الدارقطني من حديث محمد بن عيسى بن حيان [وفي "الميزان". واللسان" حبان "بالباء".] عن الحسن بن قتيبة عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة. وأبي الأحوص عن ابن مسعود، قال: مر بي رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقال: "خذ معك أدواة من ماء، ثم انطلق وأنا معه" فذكر حديث ليلة الجن، ثم قال: فلما أفرغت عليه من الأدواة إذا هو نبيذ، فقلت: يا رسول اللّه أخطأت بالنبيذ، فقال: "تمرة حلوة وماء عذب"، قال الدارقطني: تفرد به الحسن بن قتيبة عن يونس بن أبي إسحاق. والحسن بن قتيبة. ومحمد بن عيسى ضعيفان، انتهى. - طريق آخر أخرجه الدارقطني عن معاوية بن سلام عن أخيه زيد عن جده أبي سلام عن ابن غيلان الثقفي أنه سمع عبد اللّه بن مسعود يقول: دعاني رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ليلة الجن بوضوء فجئته بأداوة، فإذا فيها نبيد، فتوضأ رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، انتهى. قال الدارقطني: وابن غيلان هذا مجهول [وقال أبو حاتم في "العلل" ص 47 - ج 1: وابن غيلان: مجهول.] قيل: اسمه عمرو،، وقيل: عبد اللّه بن عمرو بن غيلان، انتهى. ورواه أبو نعيم في "كتاب دلائل النبوة" من طريق الطبراني بسنده إلى معاوية عن عمرو بن غيلان، واللّه أعلم. - طريق آخر أخرجه الدارقطني أيضًا عن الحسين بن عبيد اللّه العجلي ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي وائل، قال: سمعت ابن مسعود يقول: كنت مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ليلة الجن فأتاهم فقرأ عليهم القرآن، فقال لي رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في بعض الليل: أمعك ماء يا ابن مسعود؟ قلت: لا واللّه يا رسول اللّه إلا أداوة فيها نبيذ، فقال عليه السلام: "تمرة طيبة وماء طهور" فتوضأ به، قال الدارقطني: والحسين بن عبيد اللّه العجلي [قال الخطيب: غير ثقة] يضع الحديث على الثقات. - طريق آخر رواه الطحاوي في "كتابه [هذا الحديث ليس في "شرح الآثار"، - ورجاله - أما يحيى بن عثمان بن صالح السهمي مولاهم المصري فصدوق، رمي بالتشييع لكونه حدث من غير أصله، وأما أصبغ بن الفرج بن سعيد الأموي، فروى عنه البخاري. وأبو داود، والترمذي. والنسائي بواسطة ثقة، وأما موسى بن هارون العبسي البردي الكوفي فصدوق، ربما أخطأ، وأما جرير بن عبد الحميد، فهو ثقة صحيح الكتاب، وأما قابوس بن ابي ظبيان فقيه لين، وثقه قوم، وضعفه آخرون، وأما أبو ظبيان حصين بن جندب، فهو أبو قابوس ثقة، وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" ص 479 - ج 7 في تفسير - سورة الأحقاف - : قد روى إسحاق بن راهويه عن جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن مسعود، قال: فذكره نحو ما تقدم، وأشار به إلى طريق ابن شهاب عن أبي عثمان عن ابن مسعود في "حضور أمر الجن". ] حدثنا يحيى بن عثمان ثنا أصبغ بن الفرج. وموسى بن هارون البردي، قالا: ثنا جرير بن عبد الحميد عن قابوس عن أبيه عن ابن مسعود، قال: انطلق رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ إلى البراز فخط خطًا وأدخلني فيه، وقال لي: "لا تبرح حتى أرجع اليك، ثم أبطأ فما جاء حتى السحر، وجعلت أسمع الأصوات"، ثم جاء، فقلت: أين كنت يا رسول اللّه؟ فقال: "أرسلت إلى الجن، فقلت: ما هذه الاصوات التي سمعت؟ قال: هي أصواتهم حين ودعوني وسلموا علي"، انتهى. قال الطحاوي: ما علمنا لأهل الكوفة حديثًا يثبت أن ابن مسعود كان مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ليلة الجن، مما يقبل مثله إلا هذا، انتهى. (يتبع...) (تابع... 1): - الحديث التاسع والأربعون:... ... - طريق آخر، رواه ابن عدي في "الكامل" من حديث أبي عبد اللّه الشقري عن شريك القاضي عن أبي زائد عن ابن مسعود، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "أمعك ماء؟ قلت: لا إلا نبيذ في أداوة، قال: تمرة طيبة وماء طهور" فتوضأ، انتهى. ثم قال: وهذا الإسناد شوّشه أبو عبد اللّه الشقري [هو سلمة بن تمام الشقري الكوفي صدوق، وشريك القاضي صدوق يخطئ كثيرًا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلًا فاضلًا عابدًا. وأبو زائد، هو "أبو زيد المخزومي" الذي روى عنه أبو فزارة.] عن شريك، فلا أدري من قِبَله أو من قِبل شريك، فإن جماعة، كالثوري. وإسرائيل. وعمرو بن قيس. وغيرهم رووه عن أبي فزارة عن أبي زيد مولى عمرو بن حريث عن ابن مسعود، وهذه الرواية الصحيحة، وأبو زيد رجل مجهول، والحديث ضعيف به، انتهى كلامه. فقد تلخص لحديث ابن مسعود سبعة طرق: صرح في بعضها أنه كان مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وهو مخالف لما في "صحيح مسلم" أنه لم يكن معه، وقد جمع بينهما [وطريق آخر من الجمع، وهو أن حديث النفي أسقط الرواة منه حرفًا، قال ابن قتيبة في "مختلف الحديث" ص 119 بعد ما ذكر حديثًا أسقط الرواة منه حرفًا، فاختل بسببه المعنى، وهذا مثل قول ابن مسعود في ليلة الجن: "ما شهدها أحد غيري" فأسقط الراوي، "غيري"، اهـ. قلت. مما يشهد على هذا ما رواه الحاكم في "المستدرك" ص 503 - ج 2 حدثنا أبو الحسين عبيد اللّه بن محمد البلخي من أصل كتابه، ثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي ثنا أبو صالح عبد اللّه بن صالح حدثني الليث بن سعد حدثنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو عثمان بن سنة الخزاعي - وكان رجلًا من أهل الشام - أنه سمع عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه يقول: إن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قال لأصحابه، وهو بمكة: "من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجن فليفعل"، فلم يحضر منهم أحد غيري، الحديث. قلت: هذا الحديث، وإن لم يصححه الحاكم - لأجل أبي عثمان بن سنة، وزعم أنه مجهول - لكن صححه الذهبي، وقال: قلت: هو صحيح عند جماعة، اهـ. وقال الحافظ في "التقريب" أبو عثمان بن سنة مقبول، من الثانية.] بأنه لم يكن مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ حين المخاطبة، وإنما كان بعيدًا منه، ومن الناس من جمع بينهما، بأن ليلة الجن كانت مرتين: ففي أول مرة خرج إليهم لم يكن مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ابن مسعود ولا غيره، كما هو ظاهر حديث مسلم. ثم بعد ذلك خرج معه ليلة أخرى، كما روى ابن أبي حاتم في "تفسيره" من أول "سورة الجن" من حديث ابن جريج، قال: قال عبد العزيز بن عمر: أما الجنّ الذين لقوه بنخلة، فمن نينوى، وأما الجن الذين لقوه بمكة فمن نصيبين، وتأول البيهقي حديث مسلم، قال: إنه يقول: فبتنا بشرِّ ليلة بات بها قوم، على غير ابن مسعود ممن لم يعلم بخروجه عليه السلام إلى الجن، قال: وهو محتمل على بعد، قال: وقد أخرج البخاري [هذا الحديث أخرجه البيهقي في "سننه الكبرى" ص 107 - ج 1 من طريق سويد بن سعيد عن عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو عن جده بهذا السياق، مع سؤال أبي هريرة، وذكر الجن، وأخرجه البخاري في "الطهارة" ص 27 - ج 1، مختصرًا من طريق أحمد بن محمد المكي عن عمرو بن يحيى، وهو الذي يشير إليه البيهقي في "سننه" ص 108 - ج 1، رواه البخاري في "صحيحه" عن أحمد بن محمد المكي عن عمرو بن يحيى مختصرًا، دون سؤال أبي هريرة، ودون ذكر الجن، اهـ. وأخرجه البخاري في - البعث - في "باب ذكر الجن" ص 544 عن موسى بن إسماعيل بطوله، وفيه سؤال أبي هريرة، وذكر الجن أيضًا، والظاهر من كلام البيهقي المتقدم ذكره: أنه غافل عن طريق موسى، وسياقه في "الصحيح" وإلا لأشار إليه، كما هو دأبه في غير المواضع في "السنن" فقول المخرج: قال "أي البيهقي" وقد أخرج البخاري عن سعيد بن عمرو، ثم ذكره السياق الطويل إن كان يريد بهذا ما ذكره البيهقي في "السنن الكبير" فليس على ما ينبغي، واللّه أعلم.] عن سعيد بن عمرو، قال: كان أبو هريرة يتبع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بأداوة لوضوئه وحاجته، فأدركه يومًا، فقال: "من هذا؟ قال أنا أبو هريرة، قال: ائتني بأحجار أستنجي بها، ولا تأتني بعظم ولا روثة، فأتيته بأحجار في ثوبي فوضعتها إلى جنبه، حتى إذا فرغ وقام اتبعته، فقلت: يا رسول اللّه ما بال العظم والروثة، قال: أتاني وفد جن نصيبين فسألوني الزاد فدعوت اللّه لهم أن لا يمرّوا بروثة ولا عظم إلا وجدوا طعامًا، انتهى. قال: فهذا يدل على أنهم وفدوا عليه بعد ذلك، قال: ومما يدل على وفادتهم إلى النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بعد ما هاجر إلى المدينة ما رواه أبو نعيم في "كتاب دلائل النبوة" حدثنا سليمان بن أحمد [أقول: هذا الإسناد حرفت أسماؤه من مواضع: أنا أذكر كل اسم على صحته، مع توثيق من وقفت عليه، أما سليمان بن أحمد، فهو "سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني" الإمام صاحب المعاجم، وهذا الحديث إنجاز وعد وعده المخرج، في "الصفحة الماضية"، وأما محمد بن عبد، فالصواب "محمد بن عبدة أبو بكر المصيصي" من شيوخ الطبراني في "الصغير" ص 183، لم أقف عليه بأزيد من هذا، وأما أبو معاوية الربيع بن نافع، فالصواب "أبو ثوبة الربيع بن نافع" ثقة حجة عابد من رجال التهذيب، ومعاوية بن سلام ثقة من رجال التهذيب، وأما زيد بن أسلم، "فالصواب "زيد بن سلام" أخو معاوية بن سلام، وأبو سلام جدهما هو ممطور الأسود الحبشي" كلهم ثقات، وأما عمر بن غيلان، فالصواب "عمرو بن غيلان" من رجال التهذيب أيضًا، روى عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ. وابن مسعود، واختلف في صحبته، وهو الذي قال فيه الدارقطني: مجهول، والحديث رواه الدارقطني ص 29 من طريق معاوية بن سلام مختصرًا غاية الاختصار،وتعلق بابن غيلان، كما سبق في الصفحة الماضية.] ثنا محمد بن عبد المصيصي ثنا أبو معاوية الربيع بن نافع ثنا معاوية بن سلام عن زيد بن أسلم أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عمر بن غيلان الثقفي، قال: أتيت عبد اللّه بن مسعود فقلت له: حدثت أنك كنت مع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ليلة وفد الجن؟ قال: أجل، قلت: حدثني كيف كان؟ قال: إن أهل الصفة أخذ كل رجل منهم رجلًا يعشيه، إلا أنا فإنه لم يأخذني أحد، فمر بي رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا ابن مسعود، فقال: "ما أخذك أحد يعيشك، قلت: لا يا رسول اللّه، قال: فانطلق لعلي أجد لك شيئًا، فانطلق حتى أتى حجرة أم سلمة، فتركني ودخل إلى أهله، ثم خرجت الجارية، فقالت: يا ابن مسعود إن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ لم يجد لك عشاءًا، فارجع إلى مضجعك، فرجعت إلى المسجد، فجمعت حصباء المسجد فتوسدته، والتففت بثوبي، فلم ألبث إلا قليلًا حتى جاءت الجارية، فقالت: أجب رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فاتبعتها حتى بلغت مقامي، فخرج رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ وفي يده عسيب نخل، فعرض به على صدري، فقال: انطلق أنت معي حيث انطلقت، قال: فانطلقنا حتى أتينا بقيع الغرقد، فجط بعصاه خَطة، ثم قال: اجلس فيها ولا تبرح حتى آتيك، ثم انطلق يمشي، وأنا أنظر إليه حتى إذا كان من حيث لا أراه ثارت مثل العجاجة السوداء، ففزعت، وقلت في نفسي: هذه هوزان مكروا برسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ليقتلوه، فهممت أن أسعى إلى البيوت، فأستغيث الناس، فذكرت أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أوصاني أن لا أبرح، وسمعت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يفزعهم بعصاه، ويقول: اجلسوا، فجلسوا حتى كاد ينشق عمود الصبح، ثم ثاروا وذهبوا، فأتاني رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقال: أنمت؟ فقلت: لا واللّه، ولقد فزعت الفزعة الأولى حتى هممت أن آتي البيوت فأستغيث الناس، حتى سمعتك تفزعهم بعصاك، فقال: لو أنك خرجت من هذه الحلقة لم آمن أن تخطف، فهل رأيت شيئًا منهم؟ قلت: رأيت رجالًا سودًا مستفزّين بثياب بيض، قال: أولئك وفد جن نصيبين، فسألوني الزاد والمتاع، فمتعتهم بكل عظم حائل أو روثة أو بعرة، قلت: وما يغني ذلك عنهم؟ قال: إنهم لا يجدون عظمًا إلا وجدوا عليه لحمه الذي كان عليه يوم أكل، ولا روثة إلا وجدوا فيه حبّها الذي كان فيه يوم أكلت، فلا يستنقي أحد منكم بعظم ولا بعرة"، انتهى. وفي سنده رجل لم يسم [يريد به "عمرو بن غيلان الثقفي" فقوله: رجل لم يسم بعد ما هو مسمى في حديث أبي نعيم، ليس كما ينبغي.] ثم أخرج أبو نعيم عن بقية بن الوليد حدثني نمير بن يزيد [مجهول: ذكره ابن حبان في الثقات] القيني ثنا أبي ثنا قحافة بن ربيعة [مجهول، ذكره ابن حبان في الثقات] حدثني الزبير بن العوام، قال: صلى بنا رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ صلاة الصبح في مسجد المدينة، فلما انصرف، قال: "أيكم يتبعني إلى وفد الجن الليلة؟" فأسكت القوم ثلاثًا، فمرّ بي فأخذ بيدي، فجعلت أمشي معه حتى خنست عنا جبال المدينة كلها، وأفضينا إلى أرض بارز، فإذا رجال طوال كأنهم الرماح مستنفرين، ثيابهم من بين أرجلهم، فلما رأيتهم غشيتني رعدة شديدة. ثم ذكر نحو حديث ابن مسعود، وضعف البيهقي في "سننه" حديث ابن مسعود، بأن ابن مسعود أنكر شهوده مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ليلة الجن، وأنكره ابنه أبو عبيدة، وأنكره إبراهيم النخعي، ثم أسند إلى ابن مسعود أنه قال: لم أكن مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ليلة الجن ووددت أني كنت معه، ثم أسند إلى الشعبي، قال: سألت علقمة، هل كان ابن مسعود شهد مع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ليلة الجن؟ فذكره إلى آخره بلفظ مسلم، ثم أسند إلى عمرو بن مرة، قال: سألت أبا عبيدة بن عبد اللّه أكان عبد اللّه مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ليلة الجن؟ قال: لا، وسألت إبراهيم، فقال: ليت صاحبنا كان ذاك، انتهى. وهذا منقطع، فإن البيهقي قال في "باب من كبر بالطائفتين": أبو عبيدة لم يدرك أباه، انتهى. وإبراهيم أيضًا لم يسمع من ابن مسعود، ثم ذكر البيهقي صفة أنبذتهم التي كانت، فساق بسنده إلى عائشة، قال: كنا ننبذ لرسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في سقاء، ننبذه غدوة فيشربه عشاءًا، وننبذه عشاءًا فيشربه غدوة، وهذا رواه مسلم [في "الأشربة" ص 168 - ج 2.]، ثم أسند البيهقي إلى أبي العالية، قال: ترى نبيذكم هذا الخبيث إنما كان ما يلقى فيه تمرات فيصير حلوًا؟، انتهى. ومقتضى كلامه، أن مثل هذا النبيذ يجوز الوضوء به، ومذهب الشافعية: أن التمر ونحوه إذا غلب وصف منه أو أكثر على الماء، فأزال اسمه يمتنع الوضوء به، والظاهر أن ما ينبذ من غدوة إلى العشاء، وصار حلوًا صار كذلك، ولأنه عليه السلام، قال: "هل معك ماء؟ قال: لا" فدلّ أن الماء استحال في التمر حتى سلب عنه اسم الماء، وإلا لما صح نفيه عنه، واللّه أعلم، وضعف الطحاوي أيضًا حديث ابن مسعود، واختار أنه لا يجوز له الوضوء لا في سفر ولا في حضر، وقال: إن حديث ابن مسعود روي من طرق لا تقوم مثلها حجة، وقد قال عبد اللّه بن مسعود: إني لم أكن ليلة الجن مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، ووددت أني كنت معه، وسئل أبو عبيدة هل كان أبوك ليلة الجن مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ؟ فقال: لا، مع أن فيه انقطاعًا، لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، ولم نعتبر فيه اتصالًا ولا انقطاعًا، ولكنا احتججنا بكلام أبي عبيدة، لأن مثله في تقدمه في العلم، ومكانه من أمره وخلطته بخاصته من بعده لا يخفى عليه مثل هذا من أموره، فجعلنا قوله حجة فيه، قال: وقد أجمع الناس على أنه لا يجوز الوضوء به مع وجود الماء، فكذلك هو عند الماء، والمروي في حديث ابن مسعود أنه توضأ به إنما هو - وهو عليه السلام - غير مسافر لأنه خرج من مكة يريدهم، فهو في حكم استعماله له بمكة، فلو ثبت ذلك جاز الوضوء به في حال وجود الماء، فلما أجمعوا على خلاف ذلك ثبت طرحهم لهذا الحديث، وهو النظر عندنا. انتهى كلامه ملخصًا من "شرح الآثار". وقوله في الكتاب: إن في الحديث اضطرابًا، وفي التاريخ جهالة، وليلة الجن كانت غير واحدة، والحديث مشهور عملت به الصحابة، ونقل عن الشافعي أنه منسوخ "بآية التيمم" لأنها مدنية، وليلة الجن كانت بمكة، انتهى. أما الاضطراب، فقد روي أن ابن مسعود شهد ليلة الجن، وروي أنه لم يشهد، وأما جهالة التاريخ، ففيه نظر لأن أهل السِّيَر ذكروا أن قدوم وفد نصيبين كان قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين، قال السروجي: وقوله: ليلة الجن يوهم أنها كانت بالمدينة، ولم ينقل في "كتب الحديث"، وهذا فيه نظر تقرّر [وفي نسخة: تقدم] عند مسلم [باب الجهر بالقراءة في الصبح" ص 184 - ج 1.] في حديث ابن مسعود، فلمّا أصبحنا إذا هو جاء من قِبَل حراء، وأما كونه مشهورًا، فليس يريد المشهور الاصطلاحي، وأما عمل الصحابة ففي "سنن الدارقطني [ص 38.]" عن عبد اللّه بن محرر عن عكرمة عن ابن عباس، قال: النبيذ وضوء من لم يجد الماء، وأخرج أيضًا عن الحارث عن عليّ أنه كان لا يرى بأسًا بالوضوء بالنبيذ، وأخرج أيضًا عن مزيدة بن جابر عن عليّ، قال: لا بأس بالوضوء بالنبيذ. - وأما حديث ابن عباس، فرواه ابن ماجه في "سننه" [أخرجه ابن ماجه في "الطهارة" ص 32، والطحاوي: ص 57] من طريق ابن لهيعة ثنا قيس بن الحجَّاج عن حنش الصنعاني عن عبد اللّه بن عباس أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال لابن مسعود ليلة الجن: "معك ماء؟ قال: لا، إلا نبيذ في سطيحة، فقال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: تمرة طيبة وماء طهور صبَّ عليّ فصببت عليه فتوضأ به"، انتهى. وظاهر هذا اللفظ يقتضي أنه مسند ابن عباس، لكن الطبراني في "معجمه" [وكذا أخرجه أحمد في "معجمه" ص 398 عن ابن عباس عن ابن مسعود.] جعله من مسند ابن مسعود، وكذلك البزار في "مسنده" ولفظهما بالإسناد المذكور عن ابن عباس عن ابن مسعود أنه وضّأ النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ليلة الجن بنبيذ، فتوضأ، وقال "ماء طهور"، انتهى. قال البزار: هذا حديث لا يثبت، لأن ابن لهيعة كانت كتبه قد احترقت، وبقي يقرأ من كتب غيره، فصار في أحاديثه مناكير، وهذا منها، انتهى. ورواه الدارقطني في "سننه" وقال: تفرد به ابن لهيعة، وهو ضعيف، وينظر لفظه. -
|